رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
كثيرة بالصدمة، فالخطوة قلبت بعض التوازنات والمعادلات الداخلية والخارجية، التى قامت على أساس استبعاد وصول الجيش الوطنى إلى هذه النقطة المحورية. لذلك تسارعت وتيرة التحركات السياسية، باتجاه القاهرة، باعتبارها لاعبا مهما على الساحة الليبية، بحكم عوامل الجوار والعروبة والأمن، واستقبلت مصر قيادات من مشارب سياسية مختلفة ومتصادمة، وتجاوزت عن كثير من مراراتها تجاه بعض العناصر، وفتحت ذراعيها لاستقبال عدد كبير من الشخصيات المحلية والدولية، أملا فى الوصول لصيغة تقود إلى هدوء واستقرار ليبيا. التصريحات والمؤشرات المرحبة بالتحركات العسكرية التى قام بها حفتر، بدت فى نظر كثيرين متناقضة مع الاستقبال المتكرر لفايز السراج رئيس ما يسمى بـ «حكومة الوفاق الوطني» الذى يخوض أتباعه معارك عسكرية وسياسية ضارية ضد خليفة حفتر ورفاقه، ولم يستوعب من توقفوا عند هذه المفارقة، كيف تستطيع مصر المواءمة فى علاقاتها بين فريقين متصارعين؟ وإذا أضيفت إليهما فرق أخري، ليبية وإقليمية ودولية مؤثرة، يصبح السؤال الصعب لماذا نسير وسط هذه الألغام، ولأى درجة حققت هذه الطريقة أهدافها؟ الحاصل أن الأزمة الليبية مفتوحة منذ فترة على احتمالات متباينة، ومن الصعوبة القطع حاليا بالسيناريو الذى ينتظرها، فى ظل الحسابات المتشابكة لأطراف الأزمة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وغموض مشروعاتها السياسية، والتقديرات المعقدة، بين الداخل والخارج، وكلها عوامل تفرض على أى صانع قرار التغاضى عن أى ميول شخصية ضيقة، وتغليب أمور أوسع، تتعلق بالأمن القومى المصري، لأن ليبيا تحولت إلى ساحة مفتوحة لكل أنواع الألاعيب والمساومات والمؤامرات، ويجب أن تكون الخطوط غير مقطوعة مع الجميع. كما أن مصر، البلد الأكثر تأثرا بما يحدث هناك، وربما تكون الوحيدة التى يهمها الحفاظ على الأمن والاستقرار وتماسك الدولة الليبية عن جد، وفى هذا السياق يمكن تعداد حزمة كبيرة من العوامل تدفع إلى ذلك، بدءا من الجغرافيا إلى التاريخ، مرورا بالأمن والسياسة والاقتصاد والروابط الاجتماعية. المواءمات المدروسة التى تتبناها مصر، هى التى حافظت لها على علاقات متوازنة مع قوى كثيرة متنافرة، ولم تجعلها تضع رهاناتها كلها فى سلة واحدة، حتى سلة حفتر نفسه، الذى اعترف مرارا بفضل الدعم المصرى عليه وقواته، لم تحل دون الانفتاح على أطراف أخري، من شرق ليبيا وحتى غربها، وخلال الأسابيع الماضية جرت مناقشات ومشاورات وحوارات كثيرة فى القاهرة، بين أطراف كان من الصعوبة الهمس مسبقا أن تلتقى أو تجلس معا على طاولة واحدة. اللافت أن الأوضاع المعقدة فى ليبيا، فرضت على السياسة المصرية أن تكون منفتحة أيضا على قوى إقليمية ودولية عدة، منها من يتآمر علينا من داخل الفضاء الليبى الفسيح، ويبدو أنه وفقا لنظرية «أن تضع عدوك تحت نظرك، خير من أن تتركه يمرح، جاءت المهادنة مع هذا النوع من الفرقاء، وإن لم تفلح هذه السياسة فى إسكاتهم تماما، على الأقل حجمت الخسائر، خاصة أنه بالتوازى مع الرغبة فى التهدئة، كانت هناك أدوات مؤلمة تسير فى اتجاهات أخري، ساهمت فى إحكام إغلاق الحدود، التى تصور البعض أنها باب جنهم بالنسبة لمصر. السير بنجاح وسط الأشواك، الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، جعل غالبية القوى الرافضة للدور المصرى فى ليبيا، لا تمانع فى خطب ود القاهرة، خاصة أن جميع الخطوات والتحركات اتسمت بالالتزام بما هو متاح من قوانين دولية، لقطع الطريق على أى جهة تتصور أنها يمكن أن تنال من مصر عبر البوابة الليبية القلقة. الأهداف التى تحققت من وراء هذه السياسة كثيرة ومختلفة، أهمها تجنيب مصر أن تتحول ليبيا إلى مستنقع لاستدراج قواتها المسلحة هناك، كما أن خطوطها التى لم تتوقف عند فصيل معين، واستعدادها للانفتاح على جميع الأطياف، عزز الاقتناع بالرغبة فى الحفاظ على وحدة الأراضى الليبية، وفوق هذا وذاك حافظت التوجهات المتوازية، واستخدام أدوات وأساليب متنوعة، على مكانة مصر، وساعدتها على أن تقض مضاجع قوى كثيرة، تريد توريطها خارج حدودها. الانفتاح على فريق كل من حفتر والسراج، ومن لف لفهما، يبدو جزءا من السياسة الخارجية التى تتبناها مصر منذ ثورة 30 يونيو 2013، فقد انتهى زمن المنهج الواحد، ليس على المستوى الدولى فقط، بل أيضا على المستوى الإقليمى والمحلي، فوسط الصراعات التى تموج بها المنطقة، والتدخلات التى تقوم بها دول عدة، يصعب التعويل على قوة بعينها لكسب أى معركة، كما يصعب القطع بهزيمة فريق بصورة حاسمة، لأن الطريقة التى تدار بها الحروب والنزاعات والتوترات، أصحبت أكثر مرونة من ذى قبل، وتحتمل القسمة على أطراف متناقضة. وهذه السياسة، جعلت لمصر علاقات قوية مع دول فى الشرق وأخرى فى الغرب، وحافظت على متانة علاقاتها مع الأصدقاء، وعصمتها من الصدام مباشرة مع أعداء حاليين أو محتملين، وربما يكون هذا التوجه أغضب بعض الحلفاء، لكنه يمثل الطريق الوحيد للحفاظ على مصالح مصر فى الوقت الراهن، والتى لا تحتمل هزات خارجية جديدة، بالتالى ليس هناك خيار بين حفتر والسراج. لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل