رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
كثرت الكتابات التى تتوقع تراجع أهمية منطقة الشرق الأوسط فى الإستراتيجية الأمريكية وأن المنطقة أصبحت تعج بالمشكلات وأن أمريكا لم يعد لها اهتمام بالمنطقة لعدم حاجتها للبترول وذلك لاكتشافها النفط الصخرى، ولكن يصعب التسليم بهذه التوقعات، لأن قرار تغيير إستراتيجية أمريكا تجاه المنطقة يجب أن يكون قرارا مؤسسيا مبنيا على دراسة وتغيرات فى خريطة النفط العالمى والخريطة الجيوسياسية فى العالم بصفة عامة وفى منطقتنا بصفة خاصة، والصحيح أن أمريكا تؤمن الآن احتياجاتها النفطية من احتياطيها ومن دول أمريكا الشمالية واللاتينية مثل كندا والمكسيك وفنزويلا، وكما قال وزير الطاقة الأمريكى رتشاردسون عام 1999: لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط إلى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى. ومن ثم فإن النفط هو محرك المدنية الغربية والكثير من سياساتها الأمنية والسياسية. ويعضد هذا الكلام من خلال معرفة خريطة النفط الجديدة على مستوى العالم والوقوف على حجم الاكتشافات النفطية والغاز الطبيعى فى منطقة الشرق الأوسط مما يعنى أن هذه الثروات وراء تقسيم آخر للشرق الأوسط فى القرن الحادى والعشرين، وقد كان التقسيم إلى دول حتى يسهل تعامل الدول الكبرى مع حكومات تعطى لها حق التنقيب واستخراج النفط والغاز ومقاسمة الدول فى هذه الثروات، وهو الأمر الآن، فإن الولايات المتحدة تسعى لمزيد من السيطرة على القرار السياسى من خلال تحويل الدول لدول فاشلة كما فعلت فى العراق وتسعى لتحقيقه فى باقى دول الشرق الأوسط. شريطة أن ألا تدع مجالا لأى قوى أخرى أن تحل محلها فى المنطقة. ومن ثم فإن منطقة الشرق الأوسط مهمة لأمريكا لأنها ستظل طريق التجارة العالمى لتجارة أمريكا لآسيا، واستمرار الصراعات فى المنطقة سوف يروج استيراد الأسلحة منها، فضلا عن أنها تسعى جاهدة للسيطرة على نفط المنطقة الذى تعتمد عليه دول آسيا المنافسة لها على زعامة العالم خاصة الصين وروسيا حتى تسيطر على نمو هذه الدول وللضغط عليها للحصول على مكاسب ومصالح لها فى قارة آسيا. ومن ثم أدركت الدول المنافسة على اعتلاء مكانة فى النظام العالمى الجديد أهمية منطقة الشرق الأوسط مثل روسيا وفرنسا والصين، وعلى خلاف أمريكا لا يوجد لدى الدول الأخرى إستراتيجية طويلة المدى لعلاقتهم بالمنطقة، حيث اقتصرت روسيا خلال السنوات الأخيرة على إعادة إحياء جزئية لسياساتها التى ترى فى المنطقة إحدى جبهات الصراع مع الغرب، لذا حاولت موسكو الاستفادة من موقفها القوى فى الأزمة السورية فى السعى للوصول إلى تفاهم أكبر مع دوائر صنع القرار فى الدول الغربية، ومع ذلك لا تزال روسيا تسعى لاقتناص الفرص واستغلال الفشل الأمريكى فى المنطقة، الذى سرعان ما تدركه أمريكا لتغير سياستها فيها سريعا. كما تبدى فرنسا اهتمامًا ملحوظًا بأزمات المنطقة من منطلق التداعيات المباشرة التى تفرضها تلك الأزمات على أمن ومصالح فرنسا، والتى دفعتها إلى محاورة الانخراط فى الجهود المبذولة للوصول إلى تسويات سياسية لتلك الأزمات من أجل مواجهة تلك التداعيات، ودعم الشراكة الإستراتيجية مع الأطراف الرئيسية بالمنطقة من أجل تعزيز الاستقرار ومحاربة الإرهاب. فى حين تولى الصين منطقة الشرق الأوسط اهتماما خاصا، حيث تمنح الأولوية لعلاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة، ويعود ذلك إلى رغبتها فى تأمين مصادر الطاقة من المنطقة، باعتبارها أحد أكبر المستوردين للنفط. يرى بعض المراقبين أن الصين لا تتجه إلى رفع مستوى انخراطها السياسى فى تلك الأزمات، لاعتبارات عديدة يتمثل أهمها فى سعيها إلى تجنب أى تداعيات سلبية قد يفرضها ذلك على علاقاتها مع بعض القوى الدولية، مما قد يؤثر على مصالحها الاقتصادية فى المنطقة، خاصة فى ظل اتساع نطاق الخلافات العالقة بين القوى الإقليمية المعنية بتلك الأزمات، والتى تسعى الصين إلى تأسيس علاقات متوازنة معها. ومن هنا يمكن القول: إن الدولة الوحيدة التى لها إستراتيجية محددة الأهداف فى المنطقة هى أمريكا، كما لها إطار محدد لطبيعة وحدود المشاركة الأمريكية مع القوى الدولية الأخرى متوافقاً مع الإطار الذى أعدته وزارة الدفاع الأمريكية لفرض الدور الأمريكى المنفرد على العالم ضمن تقرير خاص نشرته صحيفة نيويورك تايمز فى أبريل عام 1992، وقد احتوى هذا التقرير على خمس مهام أساسية لضمان زعامة أمريكا المنفردة للعالم أهمها ردع المنافسين المحتملين حتى من التفكير والطموح بلعب دور إقليمى أو عالمى أكبر، ومن ثم فإن أمريكا ستضغط على الصين وروسيا وفرنسا من خلال مشكلاتهما الداخلية وفى محيطهما الإقليمى لافتعال أزمات من شأنها التنازل عن نفوذهما فى منطقة الشرق الأوسط التى ترغب أمريكا فى تفتيتها، إلا أن استقرار المنطقة يصب فى مصلحة فرنسا والصين كما يتضح من سياساتهما واحتياجاتهما الاقتصادية والأمنية فى المنطقة، ولذا يجب أن تكون لهذه الدولة استراتيجيات طويلة المدى للتعامل مع المنطقة تعمل على استقرارها لأن تفتيت المنطقة من شأنه أن ينتقل إلى المحيط الإقليمى لهذه الدول ولها هى نفسها، أما لو ظلت أمريكا الفاعل الرئيسى فى صراعات المنطقة سيكون إدارة جميع الصراعات فى يدها، وستتحكم فى مدة بقاء كل صراع من صراعات المنطقة وفقا لما تقتضيه مصالحها ويضر بمصالح القوى الكبرى الأخرى. > باحثة متخصصة فى الدراسات الأمنية لمزيد من مقالات سماء سليمان