رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

منمنمات ثقافية
العلم والخيال .. تضاد أم تكامل (2)

قبل أسبوعين، عرضنا للتناقض بين حالة الاشتباك اليومى بمنجزات العلم وبين غياب التفكير العلمى وتراجع الثقافة العلمية والخلط بين الخيال و شيوع التفكير الخرافى والشعوذة للدرجة التى جعلت البعض يتصور أن الاحتفاء بالتفكير والثقافة العلمية أو بالخيال مرهونا بتسيد أحدهما على الآخر أو انتحار واحد منهما لاستمرار بقاء وشيوع الثاني!!

وفى تقديرى ان جزءا مهما من الجدل واختلاف الرؤى والصراع بين المفهومين وما يثار حولهما من اشكاليات سواء على مستوى المجتمع ككل أوفى الساحة الثقافية أحد اسبابه غموض المصطلحات وتداخل المفاهيم . فهذا الغموض والتداخل أدى الى الخلط والارتباك وغياب الخطوط الفاصلة و المحددة لدور كل منها فى الحياة وفى مستوى آخر بين خطوط التقاطع والتماس بين الخيال والإبداع وبين فروع المعرفة وخاصة العلوم الطبيعية وعلاقتهما بالمتلقي..

ففيما أشار عباس العقاد، قبل أكثر من نصف قرن فى دراسته القصة العلمية إلى أن القصة العلمية تعتمد على الخيال فى تصوير الحقيقة العلمية وأشار لأهميتها فى تقريب الثقافة العلمية للقراء، تشير د. عزة الغنام فى دراسة حديثة بعنوان تحليل الاتجاهات المعاصرة فى أدب الخيال العلمى لتهميش هذا النوع الادبى ،و بالتبعية يمكننا أن نستنتج محدودية دوره فى تقريب الثقافة العلمية للقارئ . وتوضح الباحثة التناقض بين مكانة رواية الخيال العلمى التى اصبحت علامة بارزة وإضافة للإنتاج الروائى فى القرن العشرين وبين عدم مواكبة الحركة النقدية حول ادب الخيال العلمى لهذا التطور بالشكل المناسب على المستوى المحلى والإقليمي، بسبب تخلى العديد من الممارسات النقدية عن الوظيفة الحقيقية للنقد التى تسعى لكشف البعد الكامن فى نصوص سواء كان علميا أو فلسفيا واستنطاقها لتقريبها للمتلقي. وتضيف أن كثيرا من الدراسات النقدية خلت من اختلاف التفاسير او تنوع التأويل نتيجة لقلة استجابة النقاد لهذا النوع الادبى و نظرتهم الدونية له و مساواته بالقصة البوليسية او المغامرات الساذجة وعدم اقتناعهم بجدية روايات ومسرحيات الخيال العلمى بحكم ميل بعضها الى التجريد الذى يطمس ملامح الشخصيات الانسانية وتحويلها الى مجرد انماط بشرية تنحو نحو الآلية و التشيؤ..

وهنا يجب الإشارة إلى أن الثقافة العلمية لا تنفصم عن حركة المجتمع ،فهى فرع من فروع الثقافة العامة للمجتمع التى تتعلق بالعلوم الطبيعية وبالتقدم العلمى والتكنولوجى وبأساليب التفكير العلمى فى حل المشكلات. فإذا ما عدنا للوراء قليلا ولاستعراض تطور أدب الخيال العلمى فى الغرب يتضح مدى التفاعل بين منجزات العلم والعلوم الانسانية وأن المناخ الذى أوجد حولهما كان مفتاح التخيل وظهور الأشكال والمضامين التى تبلورت فى رواية الخيال العلمى فى الغرب تاريخيا. فهذا النوع الأدبى ظهر وأرسى حضوره وبلور سماته الخاصة نتيجة لوجود مناخ ثقافى يحتفى بالعلم والعلماء على مستوى النخبة والمستوى الشعبى ويوظف اكتشافاتهم ويروج لها بين أفراد المجتمع عبر وسائل الاعلام،الأمر الذى حرر خيال الكاتب وأوجد لدى القارى ذائقة تستمتع وتقدر هذا الجنس الأدبى فى المقابل وبرغم غياب إحصائيات دقيقة للمقارنة بين كم إبداع الخيال العلمى فى الغرب والمنطقة العربية، فإن المُتاح منها يشى بندرتها. على صعيد مواز تشير بعض الدراسات لمحدودية الخيال والمفردات التى يقدمها أدب الخيال العلمى فى منطقتنا بالمقارنة بما يطرحه نفس النوع الأدبى فى الخارج سواء من حيث الاستفادة من منجزات العلم او بناء واقع افتراضى تتعدد فيه العوالم مابين الماضى والحاضر.

ولعل فيما سبق ما يؤكد الارتباط بين وضعية الثقافة العلمية وتطبيقها فى كل مناحى الحياة بالأجواء التى يتم فيها التعامل مع العلم وبالتالى مواجهة مشكلات الواقع ، الامر الذى يشى بأن الثقافة العلمية لم تعد مطلبا لفئة من الناس بل مطلب مجتمعى ويطرح أكثر من سؤال ..فهل أغفل كتاب منهم الحكيم ويوسف عز الدين عيسى وصبرى موسى ونهاد شريف وغيرهم البعد الفلسفى والأخلاقى والسياسى لصالح المعلومة أو الخرافة العلمية التى قام عليها العمل ؟! وهل يمكن لأدب الخيال العلمى والحركة النقدية أن يسهما فى ترسيخ مفهوم الثقافة العلمية وتوعية أفراد المجتمع بأهميتها ودمجها فى بنية الثقافة العامة للمجتمع للتخلص من التفكير الخرافي؟!.. وللحديث بقية.

لمزيد من مقالات سناء صليحة

رابط دائم: