رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

صحيفة بريطانية جديدة «لرافضى» الخروج من الإتحاد الأوروبى

لندن ــ منال لطفي
صحيفة »الأوروبى الجديد
أن تصبح صحيفة هي «صوتك السياسي» الوحيد في إحدى الديمقراطيات الغربية، فهذا بحد ذاته مؤشر على حالة الأحزاب في ذلك البلد. ذلك البلد هو بريطانيا، مهد النظام الحزبي البرلماني في العالم.

وتلك الصحيفة هى «الأوروبي الجديد»، والتي صدرت بعد أسبوعين من نتيجة الاستفتاء. وسبب اصدارها هو التعبير عن الـ 48% من البريطانيين الذين صوتوا بالبقاء داخل الإتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو الماضي والذين فقدوا تمثيلهم السياسي فعليا مع اعلان الحزبين الكبيرين في البلاد، «حزب المحافظين» الحاكم و«حزب العمال» المعارض التزامهما بنتيجة الاستفتاء وعزمهما على تطبيق «خروج» بريطاني من أوروبا بأقل الخسائر الممكنة.

فالذين صوتوا بالبقاء داخل الأتحاد الأوروبي ما زالوا «مصدومين» من النتيجة وفي حالة حيرة وتشوش والتباس بسبب غموض ما سيترتب عليها من نتائج، وفي حالة غضب واستياء وسخط بسبب «تسليم» الأحزاب السياسية في بريطانيا بالنتيجة.

ويقول مات كيلي رئيس تحرير «الأوروبي الجديد» إن ما دفعه للفكرة هى حالة الحزن التي شعر بها وهو يتنقل وسط شوارع لندن صباح يوم الجمعة 24 يونيو عندما ظهرت نتيجة الإستفتاء.

ويقول:«نظرت إلى الصحف وتساءلت: أيا منها سيكون صوت الـ48% الذين صوتوا بالبقاء؟ أيا منها سينقل ذلك الشعور بالصدمة لدى تلك القطاعات الواسعة؟ ولم يخطر على بالي أي صحيفة».

وخلال 9 أيام فقط من التحضيرات ظهرت الصحيفة في الأسواق لتصبح أسرع صحيفة تصدر في تاريخ بريطانيا. ويقول كيلي إن الاستقبال الجيد لها سبب استمرارها حتي اليوم.

ويوضح:«أنا أتذكر عندما صدرت صحيفة الاندبندنت وكنت في السادسة عشرة، قلت في نفسي أنا سأشتري تلك الصحيفة وأحملها معي اينما ذهبت. كانت الصحيفة بمثابة بطاقة هوية بالانتماء السياسي والفكري. بعد قرار الخروج من أوروبا قلت: ربما أستطيع خلق ذلك الشعور مجددا لهؤلاء الذين شعروا بالتهميش نتيجة انتصار معسكر المغادرة».

فـ«الأوروبي الجديد» موجهة أساسا لهؤلاء الذين شعروا بالخذلان من السياسة والاعلام في بريطانيا. وهو ما لم يحاول كيلي وناشر الصحيفة إخفاءه، فتحت الترويسة عبارة:«الصحيفة التي ظهرت من أجل الـ 48%».

كان اصدار الصحيفة مقامرة، لكنها كانت مقامرة مدروسة، فـ الـ48%، أي الـ 16 مليون نسمة الذين صوتوا بالبقاء داخل الإتحاد الأوروبي ليس لهم صحيفة تعبر عنهم. كما أن الناشر وكيلي قررا أن يقصرا توزيع الصحيفة على المناطق التي صوتت بكثافة لصالح البقاء في الإتحاد الأوروبي وعلى رأسها لندن ومانشيستر وليفربول، وأن تصدر الصحيفة بأقل تكلفة ممكنة وان تتوقف عن الصدور عندما يتقلص توزيعها.

لم يعتقد كيلي وناشر الصحيفة أن التجربة ستطول. فالناشر كان يعتقد أنه سيصدر منها 4 أعداد للتوثيق لتلك الأيام من وجهة نظر معسكر البقاء، ولمتابعة نتائج زلزال الإستفتاء ثم تتوقف بسبب ضعف التوزيع والصعوبات المالية.

وكم كان مخطئا. فالصحيفة الأسبوعية توزع نحو 40 ألف نسخة وحققت أرباحا تكفي لمواصلة الإصدار، فواصل طباعتها بينما خسرت صحف وتوقفت صحف أخرى عن الطباعة الورقية، مثل الاندبندنت، بسبب ضعف التوزيع.

ويعزو الناشر سبب نجاح «الأوروبي الجديد» إلى انها «صحيفة اللحظة الراهنة...فقد صدرت في توقيت كان السوق يحتاج فيه إلى صحيفة من هذه النوعية. صحيفة ذات توجه معروف ولها انتماء واضح. فنحن مع المشروع الأوروبي».

فيما يقول كيلي إن السبب في ذلك يعود إلى ان الصحيفة «لم تكن صحيفة الخروج فقط»، بمعني أنها لا تغطى نتائج وتداعيات ما بعد الاستفتاء، بل انفتحت على كل القضايا المتعلقة بالمواطن البريطاني\الاوروبي اليوم، بدءا من أزمة اليورو، مرورا باللاجئين والمهاجرين، إلى صعود اليمين الأوروبي وقضايا الهوية.

وبحسب ما يقول كيلي:«الصحيفة إحتفاء بأوروبا»، القارة التي خرج منها التنوير والديمقراطية وتيارات الفن في الرواية والشعر والرسم.

وتعالج الصحيفة «فشل الاعلام التقليدي» ووسائل قياس الرأي العام في التنبؤ بنتيجة الاستفتاء وإستقراء الرأي العام بدقة أكبر. كما تطرح أسئلة حول حالة الديمقراطية البريطانية والتمثيل السياسي بمعناه التقليدي في زمن يتغير بسرعة. فالحزبان الكبيران في بريطانيا، «العمال» و«المحافظين» يحاولان باستماتة الحفاظ على قواعدهما الشعبية التي تتقلص بشكل مضطرد. فالأصوات التي انجحت معسكر المغادرة، 52% من الناخبين، جاء الكثير منها من القواعد اليمينية المحافظة لحزب المحافظين، لكن الكثير منها جاء أيضا من القواعد المفترض أنها «عمالية» و«تقدمية» لحزب العمال، خاصة في مدن شمال انجلترا التي صوتت بكثافة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

طبعا من السهل اتهام هؤلاء بـ«العنصرية» أو «الغباء» أو «الإنغلاق»، لكن هذا سيكون تبسيطا كارثيا. ويعتقد كيلي أن تلك التوجهات اليمينية التي تخترق أوروبا وظهرت في انتصارات حققتها الأحزاب اليمينية في ألمانيا والنمسا يجب فهمها والتعامل معها بجدية.

لقد كشفت نتيجة الاستفتاء، من ضمن ما كشفت أن الخطوط السياسية الفاصلة بين «المحافظين» و»العمال» وقواعدهم الجماهيرية التقليدية، تلك الخطوط الفاصلة التي حددت المشهد السياسي البريطاني خلال النصف قرن الماضي «تلاشت». فالذين صوتوا بالبقاء أو الخروج من الإتحاد الأوروبي من الذين يصوتون عادة للعمال والمحافظين لم يتبعا الخط السياسي لحزبهم في هذا الإستفتاء.

بعبارة أخرى الخريطة التصويتية في بريطانيا باتت ملتبسة ومشوشة وهى تتغير بسرعة كبيرة جدا وفي حالة سيولة واضحة. فنسبة كبيرة جدا من الناخبين الذين كانوا يصوتون عادة للعمال والمحافظين، إتجهوا في السنوات الأخيرة لحزب «استقلال بريطانيا» (يوكيب). وما تحاول صحيفة «الأوروبي الجديد الإجابة عنه، من ضمن ما تحاول الإجابة عنه، هو كيف ستغير هذه السيولة مستقبل السياسة في بريطانيا وسط دعوات متزايدة لتأسيس حزب جديد يعبر عن تلك الطبقات التي لم يعد العمال والمحافظين و«يوكيب» يعبروا عنها.

فنسبة الـ48% التي صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي ليست «كتلة سياسية موحدة» وليست «حركة سياسية»، إنها كتلة عابرة للإنتماءات السياسية الضيقة وتحتاج إلى تمثيل سياسي غير تقليدي وغير موجود حاليا على الساحة، تماما مثل «معسكر المغادرة» الذي هو بدوره ليس «حركة سياسية موحدة» ويجد بدوره صعوبة في تمثيله سياسيا.

فحزب المحافظين عندما كان ديفيد كاميرون زعيما له قبل الإستقالة و»العمال» بزعامة جيرمي كوربن دعما رسميا حملة البقاء داخل الإتحاد الأوروبي، لكن الحزبين عمليا وعلى الأرض كانا منقسمين داخليا. فالكثير من قيادات وأعضاء الحزبين دعمت معسكر المغادرة رغما عن كاميرون وكوربن. والكثير داخل «معسكر المغادرة» لا يثق في أن زعيمة حزب المحافظين ورئيسة الوزراء الجديدة تريزا ماي، التي دعمت «معسكر البقاء»، أو كوربن سيسعيان بجدية لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رغم تعهد كل منهما بتطبيق نتيجة الاستفتاء.

استفتاء يونيو الماضي كشف إذن الانقسامات الحادة في المجتمع البريطاني، وبين النخبة السياسية وداخل المؤسسات الصحفية أيضا. لكن الاستفتاء لم يكن كله سلبيات، على الأقل فيما يتعلق بالصحافة. فنسب توزيع الصحف خلال تلك الأشهر بلغت مستويات قياسية. فصحيفة مثل «ذى تايمز» تزايدت معدلات توزيعها بنسبة 15% في شهر يونيو الذي شهد الاستفتاء، فيما تزايد توزيع «الجارديان» بـ3.6%، و«الصن» بـ2.6%، أما «فايننشيال تايمز» فإرتفعت بنحو نصف في المئة. الصحيفة الوحيدة التي انخفض توزيعها كانت «ديلي ميرور»، التي دعمت معسكر البقاء، والتي إنخفض توزيعها 1.02% في يونيو مقارنة بمايو 2016.

وبرغم ان الإقبال على وسائل الاعلام في وقت الأزمات أو التغييرات الكبري ليس خارجا عن المألوف، إلا ان زيادة التوزيع حمل أخبارا مفرحة للصحافة البريطانية التي تشهد تراجعا مضطردا في التوزيع والاعلانات خلال العشر أعوام الماضية. قبل عقد تقريبا كانت المبيعات 13 مليون نسخة في اليوم، حاليا توزع الصحف 7 ملايين نسخة في اليوم. أي تقريبا بإنخفاض النصف.

وترجع الصحف التناقص في التوزيع إلى تقلص القراء والمعلنين الذين باتوا يفضلون الانترنت كأداة لتصفح الصحف والكتب واستهلاك المعرفة عموما. وأكبر دليل على هذا موقع صحيفة «ديلي ميل» على الانترنت والذى بات يتصفحه يوميا أكثر من 15 مليون شخص، أى ضعف توزيع كل الصحف البريطانية الورقية خلال عام كامل.

«الديلي ميل» طبعا أيدت معسكر الخروج من الإتحاد الأوروبي وقوتها السوقية والمالية لا يمكن أن تقاس بالكثير من الصحف البريطانية الأكثر جدية، مثل الجارديان أو فايننشيال تايمز والتى تعاني من تراجع مضطرد في توزيعها.

«الأوروبي الجديد» من ناحيته ووسط كل هذه الصحف يعتبر متناهي الصغر، لكن هذا لا يعني أن تأثيره ضعيف. ففي اللحظة الراهنة توثيق وتدوين المزاج العام في بريطانيا بعد استفتاء الخروج على يد صحيفة هى بحد ذاتها داعمة بشكل صريح للمشروع الأوروبي يساعد على فتح الجدل العام حول بريطانيا ورؤيتها لنفسها ودورها في العالم من وجهة نظر «الخاسرين» في الاستفتاء والذين أستيقظوا ليجدوا النخبة السياسية إستسلمت لفكرة الخروج من أوروبا ومتحمسة لتطبيقها، تاركة هؤلاء وسط تساؤلات لا يستطيع أحد الأجابة عليها حاليا وعلى رأسها كيف سيكون شكل بريطانيا خارج الإتحاد الأوروبي؟.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 1
    مصرى حر
    2016/09/17 09:46
    0-
    0+

    يوجد لدينا مثلها فى الخباثة
    دس السم فى العسل تلميحا ومواربة موجود فى بعض الصحف المصرية المعروفة بميولها التآمرية
    البريد الالكترونى
    الاسم
    عنوان التعليق
    التعليق