رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الأسواق المنفلتة!

إن ثنائية الاستهلاك والأسواق الحرة «المنفلتة»، هى محض آلية اقتصادية متوحشة، لا تستطيع أن تنتج إلا نفسها، إذ

ترتدى قناع النمو والتقدم، وتتغنى بالجدة والتنوع، وهى على الحقيقة استلاب للمجتمعات استهلاكيًا، بخداع الإيهام أنه عندما يسود الاستهلاك، وتسود الأسواق الحرة «المنفلتة»، عندئذ تسود الديمقراطية ذاتيًا. وعلى الحقيقة فإن الديمقراطية ليست منتجًا حتميًا لاقتصاد السوق؛ بل قد يقود إلى حالة تستخدم فيها موارد اقتصاد السوق لتدمير النظام الديمقراطي. لكن الأمركة أسبغت المعقولية على تلك الثنائية، وسوقتها عالميًا بوصفها نظامًا من الحقائق، وقد تمكنت السياسات «المنفلتة» للسوق الحرة من الهيمنة المطلقة لآلياتها على الأسواق كافة؛ بل أقصت كل قيد وقاعدة وتداخل سياسى للدولة نهائيًا، بوصفها عائقًا أساسيًا للنمو والازدهار الاقتصادي، وفقًا لسياسات «النيوليبرالية» الاقتصادية المتوحشة، التى أهم أهدافها تحقيق الخصخصة، وتحرير التجارة، وخفض الإنفاق الاجتماعي، وتعزيز المسئولية الفردية. لكن بممارسة طوائف المتلاعبين والمحرفين خروقاتها المقطوعة الصلة عن أى رقابة، بوصفها سلطة خارج سلطات الدولة والمجتمع تستهدف الربح الفاحش السريع، تبدت فكرة القوة المطلقة اللامحدودة للأسواق فكرة زائلة وفاسدة وكاذبة؛ فقد قادت إلى كارثة الأزمة المالية العالمية التى طالت الجزء الأعظم من شعوب العالم عام 2008، حيث جرت مداهمة تجاوزت كل تقنيات الحجب والمواربة، شتتت حقائق الاقتصاد الرأسمالى الأمريكي، إذ اختفى مصرفان من أكبر المصارف الاستثمارية فى الولايات المتحدة، كما سجلت بورصة نيويورك انهيارًا مدويًا فى اليوم الأول بخسارة ما يفوق المليار دولار. إنها آفة تآكل زاحف كشفت هشاشة الرأسمالية النيوليبرالية، وفضحت اقتصاد الأسواق المنفلتة بخياراته وأهدافه، وأشباحه.

وتحت شدة وطأة تأثير الكارثة المالية عالميًا، صدرت كتب ودراسات عديدة متخصصة تناولت تفنيد مأزق الرأسمالية المتوحشة، ومبادئها العامة الحاكمة، وقد استندت تلك الدراسات إلى ما أنتجته الحقيقة من بداهات عقلانية، لا بد أن تستجيب لها وقائع الحياة العامة، إذ أصدر المؤلف الأمريكى «جون كاسيد» عام 2009، كتابه « كيف تفشل الأسواق- منطق المصائب الاقتصادية»، حيث ركز المؤلف على استكشاف الأسس الاقتصادية للأزمة، بما تملكه من أسباب ومبررات، ونتيجة تحليلاته الواقعية، والتدليل عليها أكد المؤلف أن السعى إلى تحقيق المصلحة الذاتية، بوصفها أساس اقتصاد السوق، كان السبب فى خلق الأزمة وامتدادها؛ بل حذر المؤلف أيضًا من معاودة هذه الأزمة بانفجارات متتابعة، إذا غابت الكفاءة الإجرائية، والانضباط التام للرقابة على المؤسسات المالية، التى أسهمت حكومة الولايات المتحدة بتقديمها دعمًا ماليًا لشبكة أمان ضخمة وعامة إلى تلك المؤسسات المالية المهددة بالانهيار- إذ أقر الكونجرس خطة الدعم بمبلغ 700 مليار دولار. وقد أعلن الكاتب الاقتصادى «جوزيف ستيغليتز»، الحائز لجائزة نوبل أن « انهيار وول ستريت هو انهيار مدو لكل أصحاب أيديولوجيا اقتصاد السوق الحرة المتعصبين؛ بل إن المثير للسخرية، أن دعاة اقتصاد السوق الحرة أنفسهم، هم من يهرعون اليوم إلى الحكومة لتنقذ اقتصادنا القومي؛ بل الاقتصاد العالمى كله»، ثم تتبع صاحب نوبل مسار الأزمة وأسبابها ونتائجها فى كتابه الصادر عام 2010 «السقوط الحر- أمريكا والأسواق الحرة. وتدهور الاقتصاد العالمي»، صحيح أن ثمرات الوعى الإنسانى المتجددة لأى مجتمع، ينجزها إيقاع التقدم بجناحيه: المعرفة، والسلوك الفردى والجماعى الأخلاقى لذلك المجتمع؛ لذا صحيح كذلك كل ما يورده ويفسره المؤلف فى كتابه، بأن الولايات المتحدة تحت حالة التشبع الطوعى والإكراهى داخل هيكلة النيوليبرالية، وأصولية السوق الممتنعة عن أى ضوابط حاكمة، راحت تصدر إلى العالم إدارة خاذلة، وسياسة واهية، وأنماط سلوكيات نافلة، بالإضافة إلى نيوليبرالية عشوائية مستنكرة، واختزل الاهتمام فقط فى الحصول على الربح السريع، وهو مصدر التهديد لأزمات متتالية، وقد تطلع المؤلف إلى رأسمالية أكثر مسئولية، تكتسب شرعيتها من اقتدار الدولة على ممارسة الضبط على المستويات كافة؛ إذ الأسواق الحرة «المنفلتة» لا تتصرف بعقلانية؛ لذا يجب التوصل إلى توازن صحيح عقلانى بين السوق والدولة.

ترى هل صحيح أن الأزمة المالية العالمية عام 2008، التى انفجرت داخل الولايات المتحدة، فى مؤسساتها المالية وأسواقها، وطالت استحقاقات مواطنيها، وامتدت إلى بعض دول العالم، تؤكد- فى نظر البعض- صحة مفهوم أن الإنسان على أخيه الإنسان ذئب ضار، تسليما بأن الصراع هو جوهر العلاقات البشرية، وأن التغيير الوحيد الذى يطرأ على هذا الصراع، يتبدى فى تغيير أدوات وصيغ هذا الصراع المرتبط أساسًا بالمنفعة، أى الملكية بوصفها إحدى آليات إنتاج السيطرة؟ أم الصحيح أن هذه الأزمة المالية العالمية، هى إحدى المراحل الممهورة بطابع الضغط على النظام الرأسمالى المتوحش، ليصحح مساره نحو العدالة؟ لكن الصحيح كذلك أنه قد تزامن مع أحداث هذه الأزمة المالية عام 2008، أن تعرضت الولايات المتحدة فى العام نفسه لهجوم إلكترونى استهدف وزارة الدفاع الأمريكية؛ إذ تمت هذه المداهمة باستخدام برنامج فى «ذاكرة محمولة» مع حاسب آلى محمول، بإحدى القواعد العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط، حيث انتشر برنامج تلك الذاكرة المحمولة خلال برنامج الشبكة الإلكترونية للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، فنقل معلومات سرية وغير سرية إلى جهات أجنبية. وقد حذر وزير الدفاع الأمريكى «ليون إدوارد بانيتا» أن الولايات المتحدة مهددة بحرب الفضاء الإلكتروني. ترى هل فى ظل الكشوفات العلمية المتواترة، التى اعتبرت الفضاء الإلكترونى هو الحدود الجديدة للبلدان، يمكن القول أن تلك الأزمة المالية نتيجة هجوم اليكترونى مماثل دمر شبكات المؤسسات المالية الأمريكية، حيث تكررت هذه الهجمات المدمرة بعد ذلك مرات عديدة، وتحديدًا فى مواقع بالشرق الأوسط، منها هجمة اليكترونية دمرت التجهيزات النووية الإيرانية، وأيضًا على شركة أرامكو، وكذلك على شركة راس غاز القطرية؟!

لمزيد من مقالات د. فوزى فهمى

رابط دائم: