رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المحافظون .. !

هناك ست ساعات فارق التوقيت بين القاهرة وبوسطن فى الولايات المتحدة؛ ومن ثم فإنه عندما يأتى الصباح تكون الأخبار

القادمة من المحروسة غنية تحكى عن يوم عمل جرت فيه الكثير من الأحداث. وفى الأربعاء ٧ سبتمبر، قبل أسبوع استيقظت على خبر قيام ستة من المحافظين «الجدد» بحلف اليمين أمام الرئيسى السيسى حسب التقاليد المعروفة. ولما كان الأمر متوقعا منذ فترة فقد كان الانتظار مشفوعا ببعض الفضول عمن سيكون عليهم القيام بمهمة المحافظ فى ست محافظات تضم عاصمة البلاد الأولي، والثانية أيضا. وحينما جاءت الأسماء فإنها لم تشف غليلا، ولا روت عطشا للمعرفة، فلا الأخبار احتوت على تاريخ، ولا بطاقة تعارف، ولا تقارير خبرة، فمن هؤلاء الستة الذين لا يوجد لدى «جوجل» معرفة بهم وهو الذى توجد لديه كل المعلومات؟. لم يكن هناك شك فى أن المحافظين الجدد من الجادين والمجتهدين وأصحاب السير الناصعة التى رشحتهم لهذه المناصب المهمة. وبحق فإننى ممن يتمنون لهم التوفيق، وأدعو لهم بالنجاح فى مهمات صعبة، ولكننى فى نفس الوقت أشفق عليهم جميعا من المهمة، مهما تكن الألقاب التى يمكن الحصول عليها والتى قد تلقى الحسد من جماعة منا فاتها القطار، والزهو من جماعة أخرى لا تزال فى الانتظار.

الإشفاق هنا يعود إلى أن مهمة المحافظ غير معروفة، ومادام أن الحال كذلك فلن يشفع كثيرا وصف منصبه بأنه ممثل رئيس الجمهورية فى المحافظة. رئيس الجمهورية فى البلاد هو رئيس السلطة التنفيذية كلها، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكذلك الشرطة، وهو ممثل البلاد أمام العالم، وهو قبل كل ذلك وبعده منتخب من الشعب المصري. كل ذلك يعنى سلطة Authority هى أعلى السلطات فى البلاد، كما تعنى قوة Power، وكلاهما يعنى القدرة على الفعل، وتغيير ما يجب تغييره وفق سلطات محددة حددها الدستور. رئيس الجمهورية وفق ذلك ليست مهمته «التنسيق» مع الوزارات المعنية، وإنما قيادتها مع غيرها من المؤسسات إلى حيث يرى ويريد. أي من ذلك لا يتوافر للمحافظ لا من حيث السلطة، ولا القوة، وبالطبع ولا الموارد، والأخطر الزمن. فرئيس الجمهورية له زمن محدد للفترة الرئاسية قدرها أربع سنين، يمكن تجديدها عند النجاح فى الإنتخابات إلى فترة رئاسية أخرى فيصير الزمن ثمانى سنوات. السؤال الملح هنا ما هى الفترة الزمنية التى سوف يقضيها المحافظ فى منصبه، وعلى أساسها يكون الحساب؟

الثابت أن تغييرات المحافظين جرت بسرعة مخيفة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالذات بعد عهد الثورات، وبشكل عام فإن من جاءوا إلى المنصب لم يقدر لهم النجاح لأن معيار وجودهم صار أمرين: مدى النظافة فى المحافظة، وربما على الأقل فى عاصمتها؛ ومدى سلاسة المرور فى المحافظة أو على الأقل فى عاصمتها. لا شيء كثير عن التنمية الاقتصادية، أو رفع شأن التعليم والثقافة وغيرهما من أمور؛ وللحق فإن كل ذلك لا يحدث ليس لكسل أو جهل أو عدم قدرة؛ ولكن السبب يكمن فى أن السلطة غير متاحة، والقدرة غير متوافرة. مصر دولة مركزية بامتياز، والسلطة والقدرة فى القاهرة، ولم تكن هناك مصادفة أن المصريين أطلقوا اسم «مصر» على العاصمة، فإليها يذهبون، ومنها ينتظرون ما يتقدم، وما يتراجع.

وبصراحة، ومع كل الدعاء للمحافظين الجدد والقدامى بالتوفيق والنجاح، فإننا نحتاج إلى التفكير فى مسألة المحافظات والمحافظين بطريقة أخرى غير تلك التى اعتدناها، وصرنا لأسباب غير مفهومة ننتظر «حركة المحافظين» كل بضعة أشهر. التفكير الجديد لن يكون طموحا للغاية ويدعو إلى انتخاب المحافظين، فالقضية أن الإنتخاب أو التعيين ليس هو القضية ما لم نضع قانونا جديدا للحكم المحلى يجعل للمحافظة فى حد ذاتها قيمة إدارية وسياسية. مصر يقترب عدد سكانها من مائة مليون لم يعودوا مجرد عدد واحتياجات وإنما يضاف إليها ما حصلوا عليه من معرفة بالعصر، والعالم يجعل عددهم أكبر بكثير من العدد الرقمي. مصر أيضا تنتشر على أرض مساحتها مليون كيلومتر مربع أصبحت أضعاف حقيقتها بسبب الاتصالات والمواصلات؛ فلم تعد حتى سيوة أو الواحات بعيدة، وسيناء وحلايب وشلاتين صارت أكثر قربا من أى وقت مضي؛ وبعد أن ينتهى الرئيس السيسى من مشروعه بإنشاء سبعة آلاف كيلومتر إضافية، فإن المساحة المصرية سوف تصير أضعافا لما هى عليه الآن.

مصر تغيرت، إلى الأسوأ أو الأفضل ليست هى القضية، ولكن الخلاصة أنها لا يمكن أن تدار أو تحكم بنفس الأساليب التى لم تختلف كثيرا عندما كانت مقسمة إلى مديريات، أو عندما أصبحت محافظات. ببساطة فإننا نحتاج قانونا للحكم المحلى ينقل سلطات الوزارات المختلفة إلى المحافظ، كما ينقل له نصيب المحافظة فى الموازنة العامة. وحتى يحدث ذلك فإن المقابل له أن تستكمل المحافظات مؤسساتها التى تصير لها هى الأخرى سلطاتها التى تتيح للمحافظ أن ينفذ برنامجا تنمويا من حقه أن يزيد عليه إذا ما نجح فى تعبئة موارد إضافية. وبعد ذلك يحاسب المحافظ بعد فترة نتفق عليها ليس على القمامة والمرور فقط وإنما على الأمية، وعلى موشرات التنمية البشرية، ومدى إتاحة مناخ الاستثمار، وأداء الأعمال، والمساهمة فى الدخل القومي، والمدى الذى وصل إليه الإبداع والابتكار، وكيف أوجد مناخا للتسامح بين جماعات المجتمع المختلفة والمتنوعة. ساعتها لن تكون لدينا مشكلة فى اختيار المحافظين، لأنهم عندما يعملون بجد سوف يولدون الكثير من القيادات التى تقود المحافظة أو المحافظات الأخرى أو حتى قيادة البلاد كلها.

لمزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد

رابط دائم: