الترحيب البريطاني الحذر بالاتفاق الأمريكي -الروسي للهدنة في سوريا، يكشف تباين خطط القوى الدولية العديدة في سوريا وأستمرار دعم أطراف متناحرة، ما يجعل أي اتفاق مهما ويصف بأنه إختراق نحو حل سياسي محل شكوك.
وفي ترحيبه الحذر بالاتفاق، قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إن لندن ترحب بالاتفاق الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا «للعودة إلى وقف العمليات القتالية واستئناف إيصال المساعدات الإنسانية في سوريا»، لكنه تحدث أيضا عن «الوعود المكسورة» من قبل الحكومة السورية، ملقيا بالكرة في ملعب روسيا والحكومة السورية فيما يتعلق بالإلتزام بالهدنة وفتح الطريق تدريجيا أمام تسوية سياسية.
وقالت الخارجية البريطانية في بيان حول الإتفاق: لقد شهدنا طوال سنوات الاستهداف العشوائي للمدنيين وجماعات المعارضة المعتدلة، وكل ما سمعناه هو وعود كُسِرت واستخدام الحصار والتجويع كسلاح حرب غير مقبول...ومن الضروري، بشكل خاص، أن تفى الحكومة الآن بالتزاماتها، وأدعو روسيا إلى استغلال كل نفوذها لضمان حدوث ذلك. سوف يحكم المجتمع الدولي والشعب السوري على الأسد بموجب أفعاله وليس أقواله.
لم تكن لندن هى العاصمة أو القوى الوحيدة التي قابلت اتفاق وقف النار بالشكوك، فعواصم غربية وأقليمية أخرى لديها شكوك في امكانيات نجاحه في ضوء التباين الكامل في أهدافه النهائية.
ففيما ترى روسيا والحكومة السورية وإيران أن الهدف الأساسي هو الهدنة بين الأطراف المتحاربة لبدء توزيع المساعدات الإنسانية العاجلة على المدنيين السوريين وأن هذا الإتفاق بحد ذاته لن يحسم مستقبل الحكومة السورية، تريد عواصم غربية أخرى من بينها واشنطن ولندن وعواصم إقليمية وقوى المعارضة السورية أن الأتفاق هو تدشين لبدء مرحلة إنتقالية يتنازل في نهايتها الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة.
ووفقا لهذه الرؤية، شدد بيان الخارجية البريطانية على «أن يبدأ هذا الاتفاق بإزالة العقبات أمام إيصال مساعدات إنسانية الشعب السوري بحاجة ماسة إليها، وخصوصا في حلب والمناطق المحيطة بها، وأن يهيئ الأجواء اللازمة لعملية سياسية ذات مصداقية تستند إلى إعلان جنيف. حيث إن الانتقال السياسي هو وحده الكفيل بتخليص سوريا، وإتاحة الفرصة لأن يكون لسوريا وشعبها مستقبل سلمي...لقد طرحت الهيئة العليا للمفاوضات لقوى المعارضة السورية خطتها الواضحة والمفصلة في لندن هذا الأسبوع بشأن تأمين عملية الانتقال تلك؛ وندعو الأسد الآن للرد بطرح رؤية مقنعة،
ووفقا لواشنطن وموسكو، سيقود اتفاق الهدنة إذا ما صمد لمدة 7 أيام نحو هدفين: الأول بدء امريكا وروسيا حملة عسكرية مشتركة ضد تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» و«جبهة فتح الشام» (النصرة سابقا) وغيرهما من التنظيمات المتطرفة، ثم بدء مفاوضات سياسية للتسوية السياسية للأزمة.
لكن واقعيا، هناك الكثير من التحديات أمام هذا الاتفاق والهدف النهائي المطلوب منه. فبينما هناك اتفاق دولي حول أهدافه الأنسانية وعلى رأسها وقف العمليات العسكرية وبدء هدنة تحترمها كل الأطراف لتوزيع مساعدات إنسانية على المدنيين السوريين الذين هم في أمس الحاجة إليها، ليس هناك أي اتفاق دولي حول أهدافه السياسية.
ففصائل المعارضة السورية ومن ضمنها «الجيش السوري الحر» لم تعط التزاما واضحا باحترام الهدنة. وأعرب «الجيش الحر»، المدعوم من الغرب، عن تشككه في التزام الحكومة السورية بوقف أطلاق النار، موضحا أن الاتفاق سيعطي الحكومة السورية الفرصة لإعادة تنظيم صفوف الجيش وشن هجمات على حلب التي باتت معركة مصيرية بين الحكومة والمعارضة.
بينما قالت الهيئة العليا للمفاوضات إنها لم تتلق نسخة من نص الاتفاق الأمريكي الروسي وإن موقفها لن يتحدد إلا بعد التشاور مع الأعضاء.
أما الفصائل الأكثر تشددا مثل «داعش» و«جبهة فتح الشام» فلم يشملهما وقف إطلاق النار.
كما أنه ليس هناك أي اتفاق على تعريف «الجماعات المتطرفة» التي يفترض أن تستهدفها امريكا وروسيا في عمليات مشتركة إذا ما صمدت الهدنة. فبينما أرسلت واشنطن «رسائل تحذير» للمعارضة السورية المدعومة من الغرب مفادها «وقف التعاون والقتال مع تنظيمات مثل جبهة فتح الشام (النصرة سابقا)... وإلا تعرضتم للقصف مثلهم»، ترفض حتي أكثر الفصائل «اعتدالا» وقف التعاون مع هذه التنظيمات.
فالكثير من الجماعات التي تقاتل تحت راية «الجيش السوري الحر» ترى أن فكرة الفصل بينهم وبين «جبهة فتح الشام» تنطوي على مشكلات كثيرة بسبب تعدد الجبهات التي يقاتل فيها الجانبان معا ضد الجيش السوري. فقد لعبت «جبهة فتح الشام» دورا أساسيا في محاولة إنهاء حصار شرق حلب. ويقول الكثير من مقاتلي المعارضة إن ذلك عزز من شعبيتها وان مناقشات تجري حاليا حول إمكانية توحيد الصفوف تحت راية قوات أشمل للمعارضة.
وقال فارس البيوش، قائد جماعة الفرقة الشمالية التابعة للجيش السوري الحر إن «جبهة فتح الشام فصيل موجود على الأرض ويشارك في أغلب العمليات العسكرية وفصله عن باقي مقاتلي المعارضة ليس ممكنا وخصوصا بالنظر إلى مساعي الاندماج الدائرة بين بعض الفصائل وفتح الشام».
بعد التوصل لإتفاق الهدنة، قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري إن هذا الاتفاق «لم يقم على الثقة» بل «على المراقبة، والإلتزام، والفائدة المشتركة». لكن «الفائدة المشتركة» هي أصعب تحدي في هذا الصراع الذي بات صفريا
وتبدو أمكانيات التسوية، المرهونة بمصالح القوى الدولية التي تتحرك في سوريا، أصعب يوما بعد يوم. ولا غرابة ان ترفض واشنطن وموسكو كشف تفاصيل خمس وثائق ضمن اتفاق الهدنة في سوريا تتناول طرق تطبيق الاتفاق وذلك لـ «عدم كشف تلك المعلومات لمن يريدون قتل أى اتفاق فى سوريا» كما قال كيرى مبررا «سرية» تلك الوثائق.
رابط دائم: