أكتب عن مجلس النواب من داخله، بعد ماراثون جلسات دور الانعقاد الأول الذى انتهى يوم الثلاثاء. وأحاول فى هذه الكتابة أن أكون محايداً وموضوعياً. وإن كان الحياد من رابع المستحيلات. فإن الموضوعية ربما بدت مطلوبة عند كتابة هذه الشهادة.
وهى شهادة تأتى عن خبرة. كنت أكثر الناس حرصاً على حضور الجلسات. وإن كانت مشاركاتى قليلة أقل مما كنت أتصور أو أنتوي. لأن المتابعة ومحاولة التعلم ودهشة التعامل مع واقع ما تصورت أننى يمكن أن أكون جزءاً منه، غلبت على حرصى غير العادى على المتابعة والحضور مهما تكن الموانع. كنت وما زلت أعتبر أن العضوية دور، ودور من أجل مصر. وعليَّ أن أقوم به بما يرضى ضميري.
والضمير يعنى أن الإنسان لحظة نومه عندما يضع رأسه على «المخدة» لا يشعر بأنه أقدم خلال نهاره على فعل واحد يمكن أن يخجل منه. أو يجد نفسه مضطراً لتبرير الإقدام عليه. وأشهد أن هذا الإحساس لم يراودنى فى أى ليلة من الليالى خلال تسعة أشهر وسبعة أيام كانت عمر التجربة.
ومشكلة البرلمان التنميط. والتنميط فى لغتنا نحن الإعلاميين أن تضع شخصاً أو مكاناً أو تجربة أو مؤسسة فى صورة نمطية. وبعد أن تسكنها فى هذه الصورة النمطية تتعامل معها باعتبارها نمطاً كما اخترنا لها. ولا تقبل أى تغيير للصورة النمطية، بل تستدعى كل ما يمكن أن يؤكد لك تصورك.
منذ يومه الأول وهناك حالة من التنميط، تتلخص فى الهجوم على البرلمان ابتداء من رئيسه الدكتور على عبد العال، وصولاً إلى جميع أعضائه. والتنميط خطأ لأن التجربة الإنسانية تختلف من لحظة لأخري. كما أن البرلمان به 595 عضواً، وكما قال محمود تيمور: أنت فى نفسك دولة. فهذا البرلمان عبارة عن 595 دولة قائمة بذاتها قد لا تكون متجانسة. قد تكون مختلفة، وهما من طبيعة الأمور. قد يتباين الأداء من شخص لآخر ولا يجب النظر لهذا التباين باعتباره خروجا على المألوف.
يحسب لهذا البرلمان أنه جاء نتيجة انتخابات لم تتدخل الإدارة فيها بالصورة التى نعرفها لتدخل إدارات الدولة. وهذه شهادة شهد بها الجميع، حتى من لم يوفقوا فى دخول البرلمان اعترفوا بهذا فى مجملهم العريض وبالتالى فإن انتخابات يوميات نائب فى الأرياف، التى قدمها توفيق الحكيم فى عمله الفريد هذا لم يعد لها وجود. وصور التدخل الصارخ للإدارة لم نسمع عن حادثة واحدة فيها خلال العملية الانتخابية.
أيضا فإن 70% من أعضاء هذا البرلمان يدخلون العمل النيابى لأول مرة. ورئيس البرلمان الدكتور على عبد العال رغم خبراته القانونية والدستورية، فهو فى البرلمان لأول مرة. وهو أمر قابل للتعامل معه. لأن لا يوجد ما يمكن أن يرقى لمستوى التجربة الإنسانية التى تعلم الإنسان والتى قادته من عصور الغابة وحتى أيامنا الصعبة والمعقدة.
فى هذا البرلمان ولأول مرة فى تاريخ مصر نحو 39 عضوا من الإخوة المسيحيين منتخبين. وهذا لم يحدث من قبل، منذ أن عرفت مصر الحياة النيابية سنة 1866. كان المسيحيون يدخلون البرلمان من خلال التعيين. ولم يحدث أن نجح هذا العدد فى أى انتخابات سابقة.
أيضا فى هذا البرلمان 89 امرأة منهن 14 معينة أى أن 75 امرأة نجحن فى الانتخابات ولن أكرر أنها المرة الأولي. وعندما نعرف الدوائر التى نجحت فيها المرأة المصرية سنصاب بالدهشة. خصوصاً دوائر الصعيد الجواني. حيث مجتمع الرجال الذى من الصعب أن يعطى صوته لامرأة.
فى هذا البرلمان عدد كبير لا يقل عن 150 شاباً معظمهم أقل من 40 عاماً. بل إن فى البرلمان أعضاء فى الخامسة والعشرين بعد أن تم النزول بسن الترشح من 35 إلى 25، وفيها أيضاً عدد من ذوى الاحتياجات الخاصة، ربما يصل إلى التسعة. وفيه 53 عضواً يحملون درجة الدكتوراه.
بعد كل هذا وقبله. فهذا البرلمان يأتى بعد ثورتين: الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو، وبعد دستور جديد، توافقت الأمة المصرية عليه. وهو أول برلمان يفتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى ولاية حكمه الأولي. أى أن كل ما كان فى مصر جديد بكل معنى الجدة.
لكنه الإعلام. ولا أحب أن يفهم من كلامى أننى أضيق بحرية الإعلام. بل أدافع عنها حتى لحظة عمرى الأخيرة. وأعتبرها حقا وليست منحة. وهو ما يردده الدكتور على عبد العال رئيس البرلمان، كلما ثار الأعضاء على ما يكتب فى الصحف وما يقال فى برامج التوك شو. بل إن من مهام البرلمان الدفاع عن حرية الإعلام. حريته فى أن يخطئ قبل حريته فى أن يصيب.
لكن كيف نواجه التنميط؟ تلك هى القضية الجوهرية قبل دور الانعقاد الثانى الذى يبدأ فى 4 أكتوبر المقبل.
لمزيد من مقالات يوسف القعيد رابط دائم: