رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مسارات للتعامل مع اليسار الجديد فى إسرائيل؟

يتميز اليسار عن اليمين فى كل الدنيا بمواقف اقتصادية فى المقام الأول، لكن فى إسرائيل يتميز اليسار عن اليمين بالمواقف من الصراع العربى الإسرائيلى خاصة الموقف من القدس ومن إخلاء المستوطنات، وفى حين يصطف اليسار فى العالم كله ضد الاستعمار لا يجد اليسار الإسرائيلى غضاضة فى المشاركة فى الاستعمار أو حتى الاستفادة من ثماره..مما يجعله أمام معضلة حقيقية بين الشعار والتطبيق الميداني، ورغم تدنى شعبية اليسار فى إسرائيل إلا أنه ينبغى دراسة توجهات قادته واستشراف موقعه القادم فى مفاوضات التسوية القادمة عاجلا أم أجلا.

ويمكن للمراقب أن يرصد خلال الأيام القليلة الماضية تمرداً من جانب اليسار على الأبقار المقدسة لإسرائيل، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية. فعلى مدار سنوات كان اليسار يتم تخوين وتكفير رموزه ارتكازا على تفسير لعبارة «هادموك ومخربوك منك يخرجون» (الإصحاح 49 من سفر اشعيا فى العهد القديم)، وكان يتم استقبال واستيعاب هذا التحريض دون رد قوي..كما كان لا يتم التطرق إلى قادة الأحزاب اليسارية من جنرالات الجيش..لكن فى خطوة ربما تنم عن يأس أو تحول فى التكتيك قرر عضو الكنيست وقيادى حزب العمل يوسى بيلين الذى قبل الاستضافة التليفزيونية ليتحدث عن خصال وتاريخ وزير الدفاع الإسرائيلى الراحل بنيامين بن اليعازر شن هجوما ضاريا على المتوفى، متهما إياه بأنه كان عدوانيا داهسا لمن حوله..وإنه كان من نوعية تدفع الساسة المحترمين للاعتزال والابتعاد عن الساحة!! هجوم يوسى بيلين على القائد العسكرى ووزير الدفاع والمتورط فى قتل الأسرى وجرائم فى غزة بن اليعازر (الشهير بفؤاد) فسّره البعض على أنه شجاعة فى مواجهة جنرال شرقى الأصل (سفاردى من مواليد البصرة فى العراق)، لم يكن ليجرؤ عليه بيلين لو كان المعنى بالهجوم غربى الأصل (اشكنازي) بينما يفسره فريق آخر على أنه تطور ملموس فى أداء اليسار الإسرائيلي..تطور أورى أفنيرى (البالغ من العمر تسعين عاما) زعيم جمعية جوش شالوم (كتلة سلام) اليسارية وعضو الكنيست السابق -الذى يعتبره كثيرون وزير خارجية بلا حكومة- وطلبه مقاطعة الأسواق العالمية لمنتجات المستوطنات، وهو الطلب الذى تمت الاستجابة له فى بلدان عديدة فى أوروبا. اليسار الإسرائيلي، خسر كثيرا من أنصاره لأنه يقوم على تقديم حل للصراع الإسرائيلى يرى أنه فى صالح إسرائيل من خلال تنازلات لترضية العرب الغاضبين المتنمرين للفتك بإسرائيل ولأن أرواح الصهاينة غالية وربما تكون أغلى حتى من رقعة أرض هنا أو هناك فلابد من «تنازلات» مؤلمة.. ولأن هناك مستجداً طرأ على المعادلة متمثلا فى اختفاء حدود سايكس بيكو فى دول عديدة مجاورة أو قريبة من إسرائيل منها دول ممانعة مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.. فإن الناخب الإسرائيلى بدأ يستشعر بأن الخطر بات أبعد من بعيد.. ولذا لا حاجة لتقديم تنازلات. مع الوضع فى الاعتبار أن اليسار الإسرائيلى عمليا لم يخل مستوطنات، ودوما كان اليسار يبنى مستوطنات جديدة، وكان الناخبون يختارون اليسار، إذا ما كان بقيادة جنرال له تاريخ دموى كبير مثل اسحق رابين وإيهود بارك.

المراقب يلاحظ أيضا أنه لا توجد أجيال قيادية جديدة ذات تأثير فى اليسار الإسرائيلي (وهو ما يعانى منه اليمين أيضا بدليل استمرار نتنياهو طيلة هذه السنوات فى الحكم رغم أدائه السيئ بل والحديث عن تجهيز ابنه لاستكمال المسيرة عبر الترشح للكنيست كخطوة أولى)، الأمر الذى جعل اليسار ينادى بعودة إيهود باراك للحياة السياسية بعد اعتزال لسنوات طويلة ويجعل أنصار حزب يمينى ينتظرون اللصوص المدانين حتى ينهوا سنوات سجنهم لكى يتولوا مناصب من جديد على غرار ما حدث مع أرييه درعى زعيم شاس!! والملاحظ أيضا أن شريحة من اليسار القديم رأت أن الحل هو التشبه باليمين أو بالأحرى اتخاذ خطوة أو أكثر نحو اليمين دون أن تتماهى معه، أى أن مواقفها ستعد يسارية فقط إذا ما تم مقارنتها بمواقف اليمين، لكنها عمليا فقط انتقلت من موقعها لتصبح يسار الوسط. والحل الذى قد يخرج اليسار من كبوته ويفتح بابا أيضا لتفاوض نحو سلام حقيقى قد يتمثل فى التنسيق الكامل مع موشيه يعلون (الشهير ببوجي) وزير الدفاع المنشق عن الليكود.. وتشجيعه على تأسيس حزب من أحزاب الوسط أو حتى يمين الوسط..على قاعدة ما أبرمه رابين من اتفاقات أولية مع الفلسطينيين والسوريين، وكذلك مواقف بينامين بن اليعازر حين وافق كزعيم لحزب العمل على قيام دولة فلسطينية مقترحا إزالة مستوطنات الخليل فورا كبادرة حسن نية. مع ملاحظة ضرورة تعضيد العرب للأحزاب اليسارية التى تعتبر العرب (فلسطيينى الـ 48 ) شركاء حقيقيين وتفسح لهم مقاعد متقدمة فى قوائم الترشح وليس مجرد ترصيع لشخص واحد كما يفعل حزب المعسكر الصهيونى اليسارى وحزب الليكود أيضا. انقسام اليسار التقليدي، يشتت القوى الداعية للسلام فى إسرائيل، لكنه قد يكون مطلوبا لاختبار الشعبية فى أقرب انتخابات قادمة، ليقرر الرأى العام الإسرائيلى الداعم لليسار سابقا هل يدعم اليسار المتشدد ضد العرب أم اليسار المتشدد ضد اليمين. لتقييم واقعى للموقف قبل البدء فى شن «هجوم سلام عربي» أو جولات تفاوض تحت مظلة المبادرة الفرنسية أو دعوة الرئيس السيسى فى أسيوط لاقتناص فرصة حقيقية للسلام- وحجم الدور المنوط باليسار المعتدل فى فضح جرائم الاحتلال وتعريته.. إن استثمار العرب لمواقف اليسار وتحولاته وتحالفاته المستقبلية يجب أن يبدأ بالتصنيف المنصف الموضوعى المميز لمكونات اليسار الإسرائيلى بين «يسارى حقيقى جاد» وبين «يسارى مدعي» ضرره أكثر من نفعه.


لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور

رابط دائم: