رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

إحياء المدرسة المصرية العريقة

أقامت ساقية الصاوى خلال الأسبوع الماضى حفلا إنشاديا استضافت فيه نقيب المنشدين الشيخ محمود التهامي، بمناسبة العشر الأوائل من ذى الحجة وموسم الحج المبارك، فقررت حضور ذلك الاحتفال، وطلب منى الشيخ التهامى إلقاء كلمة لجمهور الحاضرين، فألقيت عدة عبارات موجزة فى نقاط محددة:

أولها: أن مصر بلد عريق وعظيم ورائد، وقد خرج منه جيل من عمالقة التلاوة مثل الشيخ رفعت، والمنشاوي، وعبد الباسط، ومصطفى إسماعيل، ومحمود على البنا، وراغب غلوش، وأبو العينين شعيشع، وغيرهم، وكان يعاصرهم جيل المنشدين العباقرة، مثل نصر الدين طوبار، وسيد النقشبندي، ومحمد عمران، وعشرات من الكبار من هذه القامات الرفيعة، التى صارت جزء أصيلا من ثقافتنا المصرية، ومن ريادة مصر فى العالم العربى والإسلامي، وكان هذا الجيل أيضا يشهد عمالقة من الكتاب والمفكرين والعلماء والمؤرخين والإذاعيين والصحفين، ممن تضافروا معا على صناعة ثقل كبير لمصر، وامتداد إشعاع من تأثيرها إلى دوائر واسعة فى محيطها العربى والإقليمى والإسلامي.

ثانيها: كان هذا الجيل من المنشدين والقراء يصنعون جانبا كبيرا من تدين المصريين، ذلك التدين المفعم بالروحانية، والجمال، والحب، والإنسانية، والأخلاق، والنبل، والرجولة، والعمران، والكرم، فكانت تلاوة أولئك الكبار وإنشادهم تضخ وتبث فى وجدان الإنسان المصرى هذه القيم الرفيعة الجميلة، مما يحمى وجدان الإنسان المصرى من نمط التدين الصارخ القبيح، الدموي، اللاإنساني، الذى قدمته تيارات التطرف من الإخوان إلى داعش.

ثالثها: أعربت فى ذلك الاحتفال عن تقديمى كل دعم ممكن لنقابة المنشدين برئاسة الشيخ محمود التهامى ونقابة قراء القرآن الكريم برئاسة الشيخ الجليل الطبلاوي، راجيا من النقابتين العمل السريع لاكتشاف المواهب المصرية الأصيلة فى التلاوة والإنشاد والابتهال، بحيث نستخرج من القرى والنجوع والمدن المصرية عشرات من المواهب الساطعة المتألقة، التى تحتاج إلى شيء من الصقل والدراسة، ثم تنطلق فى العالم لتقدم نمطا رفيعا من الفن السمعى الراقي، المشرِّف، الأنيق، الجميل، الذى يغرس من جديد فى نفوس الشعوب والدول المحيطة بنا مكانة مصر وريادتها.

والذى يتابع الحفاوة الكبيرة التى كان يتم بها استقبال قراء مصر الكبار كعبد الباسط عبد الصمد، ومصطفى إسماعيل، ومحمود خليل الحصري، عند نزلهم ضيوفا لإحياء حفلات التلاوة فى سوريا وتونس والمغرب وأوربا ودول آسيا المختلفة، يدرك أنه كان يقع على عاتق هؤلاء قسط كبير من نسج مكانة مصر العظيمة.

رابعها: الدعوة التى أطلقها هنا ليست فقط إحياء المدرسة المصرية الأصيلة فى التلاوة والإنشاد، بل فى مختلف المواهب والمجالات والنواحي، حيث نريد من جديد مثلا إحياء القرى المصرية المبدعة فى النسيج اليدوى الفائق الجودة الذى يجد رواجا كبيرا فى فرنسا وبريطانيا، ومنسوجاتهم تطلبها عدة معارض كبيرة هناك، ونريد إحياء صناعات الزجاج، والخزف، والسجاد، والأقمشة، والأثاث، ودباغة الجلود، وصناعة الفخار، والحدادة، ومعاصر السمسم والزيتون، ونريد إحياء المواهب الرفيعة فى الكتابة، والشعر، والمقال، وإحياء المواهب الرفيعة فى البحث العلمى والتأليف وكتابة المقال، وغير ذللك من المواهب التى لا تنحصر.

خامسها: الحرف والمهن والصناعات مقصد عظيم من مقاصد الشرع الشريف، لتحقيق مقصد العمران، الذى هو من أجل مقاصد الشريعة، والذى من خلاله تنمو المواهب وتزدهر، وتنهض المؤسسات، وتصنع الحضارة، ويتزايد الفن المتقن فى مختلف الحرف، وترتفع الجودة، ويبدع الإنسان، وعندنا فى هذا تراث علمى عريق، مثل كتاب (معيد النعم ومبيد النقم) للإمام تاج السبكي، وقد ألفه صاحبه قبل نحو سبعمائة سنة، واعتبره المستشرقون الذى حققوه وطبعوه من أوائل الكتب المؤلفة فى سيكولوجية الحرف وعلم آداب نفس المهن، وكتاب (الحدائق) الذى ألفه أخو أورال وجعل فيه التأنق والإحسان فى الحرف والمهن من أسرار السلوك إلى الله والسير إليه كالأوراد والأذكار تماما.

وها أنا أطلق الدعوة لكل المثقفين والمفكرين والعلماء وكل ابن بار من أبناء مصر، أن نتبنى معا حملة قومية فى هذا الاتجاه، تتجدد به الحياة والأمل والإتقان عند الإنسان المصري، ويتذوق به من جديد جرعة عالية من ثقته فى ذاته، واكتشافه لقيمة وطنه، واكتشاف مقدرته المتكررة عبر التاريخ فى اجتياز الأزمات، وإعادة البناء، والإبداع النادر والمبهر والمحير، والاعتزاز بمصر، وسمو مكانتها الرفيعة الجليلة، وأنها كانت وستبقى حافلة ومنتجة ومصدرة للمواهب والطاقات النابغة، وأرجو أن نتمكن عاجلا من إطلاق هذه الحملة، لإحياء المدرسة المصرية الأصيلة والعريقة والمبدعة، فى مختلف ميادين الحضارة وفنونها وعلومها.


لمزيد من مقالات د‏.‏أسامة السيد الأزهرى

رابط دائم: