رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

الدواء المر

الدواء المر هو المصطلح الشائع الآن لوصف مجموعة القرارات التى تتخذها الحكومة للخروج من الأزمة الاقتصادية, والتى سبق أن عرّفتها بالقرارات المؤلمة, وأثارت –ومازالت- عاصفة من الجدل إن لم يكن الغضب خاصة فى أوساط محدودى الدخل وأصحاب الدخول الثابتة, لكونها تتعلق مباشرة بمراجعة سياسة الدعم التى تتبناها الدولة منذ الخمسينيات من القرن الماضى تحت عنوان عريض لتوجهها الاشتراكى أو مركزية دورها فى الاقتصاد من حيث احتكار الثروة ونمط إدارتها وتوزيعها وبالتالى تحمل أعبائها الاجتماعية. ولا شك أن مازاد من هذا الجدل هو الاعلان عن انتهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولى بخصوص القرض الذى ستحصل عليه مصر بقيمة 12 مليار دولار تُدفع على ثلاث سنوات (بواقع 4 مليارات كل عام) الى جانب قرض اضافى من البنك الدولى وبعض المؤسسات التمويلية الأخرى قد يصل مجموعها إلى 21 مليار دولار, بحكم ما عُرف عن تلك المؤسسات الدولية من شروط تتعلق بالليبرالية الاقتصادية وتقليص دور الدولة والاتجاه إلى «خصخصة» الخدمات العامة وتحرير التجارة والتى تسمى إجمالا بلغة الاقتصاد إعادة الهيكلة. صحيح أن الحكومة وفى محاولة منها لطمأنة الرأى العام صرحت بأنها, طبقا لما اتفقت عليه مع الصندوق, لن تلتزم حرفيا بهذه الشروط فى الوقت الراهن مراعاة للخصوصية, الا أن ذلك لا ينفى أن ثمة تغييرات جذرية قد تحدث على المدى الأطول.

وبعيداَ عن الانحيازات الأيديولوجية (يمينا أو يسارا) فإن واقع الحال يقول إن مراجعة السياسات القديمة باتت أمرا ملحا بغض النظر عن مطالب صندوق النقد، ببساطة لأن الدولة لم تعد قادرة عليها, فلا أحد يختلف حول تشخيص الأزمة التى تمر بها مصر, من ركود اقتصادى وبطالة و تراجع مصادر توفير العملة الصعبة والفرق الشاسع بين موارد الدولة المتاحة ومعدل الزيادة السكانية فضلا عن مشاكل الاستثمار الأجنبى والمحلى, واستشراء الفساد والعراقيل البيروقراطية والعجز المستمر فى الموازنة العامة وغيرها الكثير.

وبالتالى فليس المطلوب من الحكومة أن تُعيد على أسماعنا حجم المشكلات التى نعانى منها لكى تبرر قراراتها ولكن ما هو مطلوب أو متوقع منها بالتأكيد يتجاوز ذلك, ويمكن تلخيصه فى عدد من القضايا أو التساؤلات الرئيسية التى على الحكومة أن تجيب عنها كجزء من التزام أصيل تجاه مواطنيها.

أولا, ما يتعلق بالخبرة السابقة فى التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية تحديداً صندوق النقد وما صاحبها من برامج إصلاحية, وهناك واقعتان شهيرتان, إحداهما فى السبعينيات عندما اتخذ رئيس المجموعة الاقتصادية آنذاك د.عبد المنعم القيسونى قرارات للاصلاح من شأنها رفع أسعار بعض السلع الاساسية فاندلعت انتفاضة 18 و19 يناير 1977 وانتهى الأمر بالتراجع السريع عنها , والأخرى فى عهد حكومة د.عاطف صدقى وشهدت نجاحا فى التسعينيات ولكنه لم يستمر على الأجل الطويل واهتمت الدولة عوضا عن ذلك بالمشاريع «العملاقة» كمشروع توشكى, فما هو الجديد الذى ستقوم به الحكومة هذه المرة لصياغة سياسة عامة ثابتة؟

ثانيا, وترتبط بالرؤية الأشمل التى تحيط بالقرارات أو الاجراءات الجزئية والمرحلية الراهنة, هل تتضمن حسما لـ«الهوية» الاقتصادية المتأرجحة بين اقتصاد الدولة والاقتصاد الحر؟ فبعض القرارات مثل فرض قيود على الواردات أو تحديد غالبية البنوك فى تعاملها مع الأفراد (التزاما بقرارات البنك المركزى) لسقف معين لإنفاق الفرد من العملة الصعبة حال سفره بالخارج (لا يتجاوز 80 أو 100 دولار فى اليوم) تشير إلى التمسك بالنمط الأول فى حين أن القرارات الخاصة برفع الدعم تعطى مؤشرا عكسيا، وأيا كان الاختيار فلابد من معرفة الهدف النهائى الذى تمضى فيه خطوات الحكومة حتى لا يتكرر الفشل ونقف فى منتصف الطريق, إذ إن تجاربنا لم تكن أكثر من سلسلة من السياسات غير المكتملة وهو ما يعيدنا دائما إلى المربع الأول لنبدأ من جديد.

ثالثا, إنه رغم كثرة الحديث عن «البرنامج الاصلاحى» للحكومة فإنها لم تكلف نفسها مهمة الاعلان عن ماهيته أو طبيعته بحيث يصل إلى القاعدة العريضة من المواطنين , بل تركت ذلك إلى وسائل الاعلام أو برامج «التوك شو» التى أصبحت مصدر المعرفة الوحيد تقريبا فى ظل الصمت الحكومى وكأن هذا البرنامج لا يجوز له الخروج من الغرف المغلقة. وبالتالى فلا يستقيم هنا انتقاد الاعلام طالما ليس هناك بديل.

رابعا, تؤكد الحكومة دوما أن سياسات ترشيد الدعم لن تمس «محدودى الدخل» دون أن تشرح خطتها فى تحقيق برامج الرعاية الاجتماعية, ولنتذكر أن مصر فى عهد الرئيس الأسبق مبارك استطاعت تحقيق طفرة فى النمو الاقتصادى وصلت إلى 7% أى أعلى معدل له, ومع ذلك لم يشعر به عموم المواطنين بسبب غياب السياسة التوزيعية العادلة بل زادت الفجوة بين شديدى الثراء وشديدى الفقر مع استمرار التدهور الذى تعانى منه الطبقة الوسطى.

خامسا, تجاهل الحكومة لما يتردد على ساحة النقاش العام فيما يخص المساعدات الخارجية والخليجية تحديدا, فالانطباع السائد أن هناك أموالا متدفقة تقدر بالمليارات من هذه الجهات تغنى عن الحاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولى والسؤال المنطقى هو, هل بالفعل وصلت هذه الأموال وإذا كان ذلك صحيحا فكيف أُنُفقت؟ أم أنها لم تصل والأمر مازال قيد اتفاقيات التعاون واستثماراتها المُنتظرة مستقبلا؟ ونفس التساؤل ينطبق على وضع الصناديق الخاصة, وهذه ليست بالتساؤلات الهينة كى تُترك معلقة.

إن تجرع «الدواء المر» يحتاج من الحكومة إلى مزيد من الصراحة والشفافية ومخاطبة الشعب دون وسيط وإلا الثمن سيكون من الاستقرار السياسى.


لمزيد من مقالات د . هالة مصطفى

رابط دائم: