رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أوليمبياد «ريو

كنت أظن وأنا فى الولايات المتحدة أنه لا شيء يمكنه أن يغطى على الانتخابات الرئاسية؛ ولكن الدورة الأوليمبية فى

ريو دى جانيرو، أو للاختصار «ريو»، فى البرازيل تمكنت من ذلك. وعلى مدى ستة عشر يوما تمكن الرياضيون فى العالم من خطف كل الأضواء من الإثارة الجارية بين هيلارى كلينتون ودونالد ترامب والتى دخلت فى أدوار من الفضائح وتبادل الاتهامات لم تصل إليها الحملات الانتخابية من قبل. ولكن دورة «ريو» فعلتها لأنها فى الأول والآخر تدور حول «المنافسة» السلمية للحصول على القدر الأعظم من 306 ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية. وهى منافسة بين الرياضى وذاته فى أن يحقق قدرا أكبر من السرعة أو العلو والإرتقاء وخاصة فى الرياضات الفردية بحيث يتفوق على ذاته وعلى زملائه للقدوم إلى الدورة الأوليمبية. أما عندما تصل فإن صلة ما تحدث فورا مع علم البلاد فتكون المنافسة بين الأمم بحيث تعكس، بدرجة ما، ما وصلت إليه كل أمة من تفوق انعكس على صحة وقدرات رياضييها.

قصة الدورات الأوليمبية وأصولها فى أثينا باتت معروفة، فهى استبدال الصراع بالمنافسة بوسائل سلمية تنتهى فى النهاية بمصافحة المهزوم والفائز. هى استجابة لرغبة الإنسان فى التفوق على الآخرين، كما أنها استجابة لرغبة العالم فى أن ينتهى الصراع بين البشر. ولكن المسألة برمتها باتت أكثر تعقيدا من ذلك، فالدورات الأوليمبية باتت صناعات متكاملة، والمنافسة السياسية فيها لا يمكن تجاهلها، وربما كانت سببا فى صرف الأنظار عن الانتخابات الأمريكية أن الولايات المتحدة حازت على 121 ميدالية (منها 46 ذهبية) أو حوالى ثلث عدد الميداليات كلها والبالغة 306 ميداليات. ولأن ذلك كان نوعا من الإشادة بإدارة باراك أوباما الديمقراطية فإن هيلارى كلينتون أخذت النتائج كنوع من الدعاية للحزب الديمقراطى وكفاءته فى الإدارة، بينما حاول ترامب تجاهلها. وعلى أى الأحوال فإن الفائزين فى «ريو» كانوا هم الفائزين دوما فى كل المنافسات الدولية سواء كانت فى الناتج المحلى الإجمالى أو فى أداء الأعمال أو التنافسية عامة أو أى مقياس دولى آخر. فالدول العشر الأولى تشمل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والصين، وروسيا، وألمانيا، واليابان، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، وإيطاليا، واستراليا. هنا توجد الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن، وهى دول نووية، وقد يختلف الترتيب هنا أو هناك ولكنها الدول الصناعية، والدول الأكثر قدرة فى الدنيا كلها، ومن الطبيعى أن يكون رياضيوها فى المقدمة أيضا.

مصر كان ترتيبها 75 بحصيلة ثلاث ميداليات برونزية، وهو ترتيب متأخر ليس فقط عما حدث فى دورات أوليمبية سابقة، وإنما أيضا عن تراث كبير من الرياضة بدأت فى مصر قبل فجر التاريخ. الحقيقة القاسية حول مصر على أية حال هى أن مصر لا تتأخر، وإنما أن العالم يسبقها لأنه يجرى بسرعة أكبر مما اعتدنا عليه. الخسارة الأكبر كانت فى الروح الرياضية، وفى المظهر العام عند الافتتاح، وأننا لم نأخذ الأمر كما هى العادة بالجدية التى يستحقها. والمدهش أن الذين فازوا بالفعل وحازوا على ميداليات وسط أقرانهم من أبطال العالم لم يسمع بهم أحد فى مصر من قبل، ولم يجر اكتشافهم إلا بعد الفوز. الحقائق المؤلمة هذه تدفعنا إلى مراجعة الواقع مرة أخرى ليس فقط كدولة، وإنما أيضا كجماعات وأفراد؛ فالمسألة ليست فقط أن كرة القدم التى لم تصل إلى العديد من الدورات الأوليمبية، ولم تصل إلى كأس العالم سوى مرتين، هى التى تحصل على كل الاهتمام، والحماس، واستوديوهات التحليل التليفزيونية، وساعات الإرسال، وحتى الضحايا بالقتل، وسوء السمعة بالسلوك غير الرياضى كما تفعل جماهير «الألتراس».

إعادة ترتيب الأولويات الرياضية هى أولوية أولي، وهى كما الكثير فى حياتنا السياسية والاقتصادية تتطلب إعادة نظر. وكما يقال فى الفكر السياسى إن الأمر عند الاتفاق على أولوية ما، هو أن يكون لها من يقودها إلى النصر، أو إلى «قيصر» أو شخصية بارزة تقود عملية التغيير الكبير فى مجال بعينه يبدأ بالقاعدة الكبرى وتنتهى بالمنافسات العالمية. مثل ذلك كما يصدق على الاقتصاد أو التعليم يصدق أيضا على الرياضة التى ربما القاعدة الكبرى لها تكون فى المدارس والجامعات ومراكز الشباب، وفى قمة المنافسات تكون الدورات الأوليمبية. والمسألة هكذا من القاعدة إلى القمة يوجد فيها التعليم، وصناعة الأبطال ليس كأفراد وإنما تعبير عن أمة وصلت هى أيضا إلى البطولة. القيصر» هنا لابد وأن يكون حاسما منذ البداية مع الماضي. فمراجعة دورة «ريو» ومن نجح فيها ومن فشل مسألة جوهرية، وبصراحة فإننا نحتاج إلى يد حازمة ليس بسبب الخسارة الرياضية، أو بسبب الخسائر المادية، وإنما لأننا نخسر روح الفوز والبطولة. وليس معقولا أن دولة محاصرة ومأزومة مثل إيران تحصل على المكانة 25، وبعدد ميداليات 8 منها ثلاث ذهبية، وتركيا وسط اضطرابات سياسية كبيرة تحصل على المكانة 41 وعدد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية. وبصراحة أكثر فإنه لا بد وأن يكون للفشل ثمن، وهذه قاعدة لا يجب لها أن تصلح للمجال الرياضى فقط، بل أيضا فى مجالات شتى فليس معقولا أن تتحمل الأمة المصرية كلها ذلك الفشل الكبير فى مؤسسات وهيئات عامة اقتصادية تنزف كل يوم ملايين الجنيهات وأحيانا الدولارات. المسألة ببساطة هى مرض شائع لا ينبغى له أن ينتشر بينما تحاول مصر كلها أن تنهض من جديد وبسرعات لم تتيسر من قبل.

لمزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد

رابط دائم: