رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تحرير العلاقة بين واشنطن والقاهرة من الأوهام!

الطريق طويل ما بين واشنطن والقاهرة، والذكريات القديمة مُرة، إلا أن ما جرى فى نهر العلاقات المصرية ـ الأمريكية فى السنوات الخمس الماضية «شديد المرارة»، وبالرغم من ذلك، فإن القاهرة وواشنطن عليهما أن تختارا، وأن تقررا «مستقبل العلاقات المصرية ـ الأمريكية»، وليس خافيا أن العلاقة ليست فى أحسن أحوالها، وأن الأمر لا يعود إلى سنوات «الربيع العربي»، وما حدث فيها، بل إنها تمتد إلى سنوات مبارك الأخيرة فى الحكم، والآن فإن المصالح العليا للقاهرة وواشنطن تحتم «المصارحة»، وتفرض التفاوض على «أسس جديدة» لهذه العلاقات، وهنا فإن المصلحة الوطنية المصرية تفرض علينا التأكيد بصورة لا لبس فيها على ضرورة تحرير علاقة البلدين من «العلاقة مع إسرائيل»، والخروج بها من «الاحتياجات الأمنية»، وأحسب أن القاهرة بحاجة لوضع «ملف العلاقة مع واشنطن» فى يد أحد الشخصيات المهمة، والتى تحظى بثقة الرئيس، ولديها شبكة من العلاقات العميقة مع مؤسسات الدولة، كما أن لديها خبرات ورؤية لما تحتاجه مصر فى السنوات المقبلة، وهنا فإن نموذج تكليف محلب بملف استرداد أراضى الدولة هو أمر قريب لما نطالب به! وفى الماضى كان الوزير الراحل أبوغزالة يتولى الملف، وبصراحة نحن بحاجة إلى شخصية مماثلة تتولى هذا الملف المهم، وأحسب أن أمورا كثيرة قد حدثت!. كما أننا على أعتاب «أمور أكبر» تتشكل، إلا أن العلاقة مع واشنطن ستظل «حيوية وخطيرة».

ولعل نقطة البداية هى الإقرار بأن أوهاما كثيرة قد تبددت ولن تبقى مثلما تقول هدى الحسينى فى الشرق الأوسط، وذلك فى مقالها «لا سلام فى سوريا إلا بتقسيمها»، وتنسب الحسينى لمسئول غربى هذه الأوهام المتبددة: أولا: أن الولايات المتحدة ستكون دائما جاهزة لإنقاذ الدول كما فى السابق، ثانيا: أن العالم سوف تتم قيادته عبر المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن، أو المجموعة الأوروبية، وثالثا: وهم أنه مع حل مشكلة فلسطين سوف يصبح الشرق الأوسط أفضل، ورابعا: وهم «الربيع العربي» وأن الشرق الأوسط يسير على طريق أوروبا، وفى مقابل هذه الأوهام يبشرنا هذا المسئول الغربى بأن المنطقة سوف تستمر فى دواماتها 30 عاما على الأقل، وفى الوقت ذاته فإن الأمريكيين لن يخوضوا أى حرب، وأن أمريكا لن تتحمل المسئولية ولكن «لا بديل عنها».

وهذا معناه أن مرحلة جديدة تطل على المنطقة، ولعل أبرز عناوينها أن واشنطن تبحث عن صيغة «القيادة من الخلف» بأقل تكلفة وأعظم عائد.. لماذا؟، لأن لا قوة بديلة راغبة أو قادرة على أن تملأ فراغ القيادة، والأمر الثانى أن واشنطن سوف تهندس عملية »سد الفراغ»، وهو ما سبق أن ألمح إليه باراك أوباما بمطالبته السعودية بأن تعود نفسها على التعايش مع إيران واقتسام المنطقة، والأمر الثالث: بالفعل تجرى ترتيبات إقليمية لتشكيل نظام أمن إقليمى تهيمن عليه إيران وتركيا وإسرائيل، والأمر الرابع أن روسيا تحاول استعادة «نفوذها القديم»، وتحاول الفوز بحصة، الأمر الخامس لا يجب أن ننخدع بأن ذلك كله يتم بالتنسيق والتفاهم مع واشنطن، وأيضا بابتزازها إذا اقتضى الأمر، أو «بالمساومة معها».. وهنا فإن مصر لا يجب أن تكون غائبة عن المشهد، وأن تستخدم أوراقها كلها: القاهرة «رقم لا يمكن تجاوزه»، وهى فى أشد حالات ضعفها تكون «أخطر» و«أشد قدرة على الإيذاء» لواشنطن والحلفاء، ولكل الترتيبات، ومن هنا فإن «التفاهم أحسن».

وفى الوقت الذى يرى فيه الباحث الأمريكى الشهير ستيفن كوك ـ الباحث فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ـ أن واشنطن والقاهرة قد بدأتا بالفعل «الوداع الطويل»، وأن المسألة هى «مجرد وقت» قبل الفراق النهائي، إلا أن باحثا آخر هو جون الترمان ـ المسئول عن الشرق الأوسط بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن ـ يحذر من الفراق، ويرى أن واشنطن والقاهرة سوف تخسران، وذلك فى دراسة مهمة بعنوان «اتخاذ الخيارات مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية» ويؤكد الترمان أن «النفور ما بين واشنطن والقاهرة سوف يخلق تصدعات ما بين واشنطن والخليج من جانب، والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر»، ويرى الباحث الأمريكى القريب من الكونجرس ودوائر صنع القرار ـ أن «المزاج العدائى والمناهض للأجانب من جانب مصر سوف ينتشر على الأرجح فى أرجاء المنطقة»، ويذكر الترمان صانع القرار الأمريكى أن مصر هى التى تصنع النغمة والمزاج العام فى المنطقة قبل «الانتفاضة العربية» ـ يقصد الربيع العربى وما بعدها، ويقول إن ذلك النفور مع مصر لن تكون له نتائج جيدة، وأن المصالح الأمريكية الأوسع فى استقرار الشرق الأوسط ستكون بحاجة لأن تبنى واشنطن «شبكة علاقات أوسع» .وبالرغم من هذه الصراحة، فإن «النصائح» التى بعث بها إلينا فيما يتعلق بالثمن الذى سوف تتحمله مصر من وراء القطيعة مع واشنطن، وأبرزه فقدان التمويل الأمريكى لتحديث الجيش المصري، وفقدان مخزونها الحالى من الأسلحة، ولن تفقد فقط قدراتها المستقبلية بل إنها باللجوء إلى مصادر أخرى سوف تترك مصر بمجموعتين من القدرات ومجموعتين من «العقيدة العسكرية»، كما أن مصر بدون المساعدات الأمريكية، ومع اقتصاد ضعيف، فإن المزيد من المصريين يمكن أن ينضموا إلى الجماعات الإرهابية، وأخطر النصائح هى «أن تعمق هذه الجماعات الإرهابية وجودها فى سيناء والصحراء الغربية المصرية،. وتمد وجودها الدولي»!. ويلمح الباحث إلى أنه ليس من الصعب أن تجد الحكومة المصرية نفسها محاصرة فى الزاوية، وذلك مع تدهور الاحتياطى الأجنبى وتقويض الاستثمار، الأمر الذى يضيق على قدرة مصر على لعب أى دور حتى لو أرادت مصر!.. ويطرح الكاتب التساؤل المهم: ترى ما هو البديل لمصر عن الولايات المتحدة؟، ويرى أنه لا بديل قادر على أن يحل محل واشنطن سواء كانت أوروبا (لأن لها نفس المطالب الأمريكية)، ولا روسيا لأنها ليست الاتحاد السوفيتى وتعانى انخفاض أسعار البترول، وعقوبات الغرب بسبب أوكرانيا، والصين لا ترغب فى أن تحل محل أمريكا وتتحمل العبء.

وأحسب أن أشياء كثيرة مما سبق هى صحيحة، وسواء كانت «نصائح» أم «تحذيرات»، فإن الرسالة وصلت إلى القاهرة منذ زمن بعيد، ولقد جربت القاهرة التحدى السافر والمفتوح مع واشنطن، كما أنها عايشت «سنوات الشهد والدموع» مع الولايات المتحدة خلال مرحلة عملية السلام وتحرير الكويت من الغزو العراقي، وأيضا لم تزل تكابد سنوات الفترة الأخيرة مع مبارك، ولا يزال الشعب المصرى يتذكر معالجة أوباما وتأييده للجماعة الإرهابية، ودعم وصولها إلى الحكم ليس فى مصر بل بامتداد المنطقة، وأحسب أن واشنطن لم تزل فى ذاكرتها سنوات الغليان المصرية، والمجابهة المفتوحة، وتقويض حلف بغداد، ومؤخرا وضع نهاية مشروع الإخوان فى المنطقة. وللحديث بقية..


لمزيد من مقالات محمد صابرين

رابط دائم: