رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
لقد قلّبت أمرى لا أرى لى راحة خلال الفترة الأخيرة، على رأى أبى فراس الحمداني، مع اختلاف السياق. وقد علمت، مثل غيري، أن الدول تحقق من المنافع والمكاسب فى العلاقات الدولية بقدر ما تملك من أوراق تضعها على موائد التفاوض والمعاملات. وعبث بعقلى خاطر (شيطاني) أن مصر قد فقدت أغلب، إن لم يكن كل الأوراق التى يمكن أن تضعها على موائد التفاوض والمعاملات الخارجية. فنقاط القوة المصرية نضبت فيما يبدو خلال الأربعين عاماً السابقة على ثورة 25 يناير 2011، أو لعل بعضها تحول إلى نقاط ضعف أو مواقع للانفعال السلبى وليس الفعل الإيجابي. توارت، فيما يبدو، نقاط القوة التى كانت تمنح مصر مزايا قوية، ظاهرة وكامنة، فى محيطها الإقليمى والعالمي. هذا ما أردنا أن نعرج عليه اليوم وأن (نمر عليه مرور الكرام)؛ علّنا نجد نقاطا للقوة تشكل «مزايا نسبية» لمصر الصابرة و قيادتها السياسية العليا المثابرة. وفيما يأتى نقدم شذرات يمكن أن يعتبرها البعض من قبيل (الأفكار الطائشة)، وما هى كذلك فى عُرفنا. إن أول ما حبتنا به الطبيعة و التاريخ هو جوارنا البشري، العربى - الإفريقى بل بعض الأوروبى أيضا، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. فهذه نقطة القوة الأولى راهناً لدى مصر، ومصدر لميزتها المقارنة فى محيطها العربى والدولي. هل يمكن لدولة معاصرة أن تعيش فى «جفاء» أو جفوة و فجوة مع جيرانها الأقربين؟ لكن فلننظر: فى الشرق غزة ، وفى الغرب ليبيا ، وفى الجنوب السودان وجنوب السودان ودول حوض النيل بما فيها إثيوبيا، وشمالاً هناك أوروبا وخاصة فرنسا وإيطاليا ولا ننس أسبانيا. فماذا هنالك من أفكار (طائشة) فى جعبتنا..؟ ألا تشكل الاستفادة من الجوار الجغرافى أول ميزة (مطلقة) أو (نسبية) لصانع القرار المصري، فى ضوء هذا، قد نغامر بأن نقترح عدة منطلقات للحوار ليس غير. أول هذه المنطلقات ضرورة رأب الصدوع مع جيراننا الأقربين، وخاصة عرباً وأفارقة على السواء. ومن أهم ما يمكن أن نشير إليه فتح قناة مباشرة للتفاعل الصريح مع حركة (حماس) فى غزة، سواء أثمرت جهود المصالحة بينها وبين حركة فتح و السلطة الفلسطينية القائمة فى الضفة الغربية أم لم تثمر. أمر آخر بالغ الصعوبة أيضا، ويتصل بالعلاقة مع السودان الشقيق، حيث يلزم بناء جدار صلب لعلاقة مستديمة مع السودان وجنوب السودان، وخاصة مع هذا الجنوب. ولتكن دبلوماسية التعاون الاقتصادى المائى مع الجنوب، إضافة إلى ما يمكن أن نسميه (دبلوماسية المصالحات) بين الحكومة السودانية وبعض مكونات الشعب السودانى فى دار فور و جنوب كردفان و ولاية النيل الأزرق وفى الشرق، دون ترك هذا الأمر حكرا على بعض أطراف أخري، بعضها بعيد نسبيا، على الصعيدين : العربى والإفريقي، ولا نزيد. أما بخصوص ليبيا فإن الحديث عنها ذو شجون. وقد تأخرت مصر كثيراً فى الاقتراب من التركيبة الاجتماعية فى ليبيا الشقيقة، بتحالفاتها القبلية المرتبطة عضوياً بالنسيج الاجتماعى المصرى عبر العصور، كمنطقة تمثل زهمزة الوصل الطبيعيس بين مصر على حدودها الغربية وما وراء الحدود الشرقية لليبيا. ولكنّا نود الإشارة إلى أمر آخر ربما يكتسب قدراً من الحساسية فى سياق الوضع الراهن. فلم لا تجرب مصر استخدام أدوات وآليات غير مجرّبة حتى الآن فى التعامل مع الجماعة الاجتماعية فى ليبيا، ليس فى الشرق فقط ، كما هى العادة، ولكن فى الغرب خاصة. ولا يظننّ أحد أن الغرب الليبى مغلق على جماعات (الإسلام السياسي) وخاصة من تيار التطرف العنيف فيما يسمى فى الرطانة الغربية. ولذا قد يكون من المهم فتح قنوات للتواصل مع مكونات متنوعة للجماعة الاجتماعية فى الغرب الليبي، فى عقر دار زالتطرف العنيفس نفسه حيثما يوجد، و ربما رغما عنه، دون وجل، فى مدن ومناطق مثل «طرابلس» و «الزاوية» «والزنتان» بالطبع، بل «مصراته» نفسها، وأيضا «سبها» و «الكفرة» فى أقصى الجنوب.. وليس كل ذلك ببعيد. أما عن مدن ومناطق الشرق الليبى المجاور مباشرة للمعمور المصرى فحدّث ولا حرج ، حيث زعاصمة الشرقس الزاهية : بنغازي، مروراً بالوسط عند اجدابيا ثم بوابة الغرب الأسيرة زمناً لدى (داعش) أى: سرت. أما عن الشمال المتوسطى فإن لمصر دالّة تاريخية عند فرنسا و عند إسبانيا خاصة، لظروف معقدة، لا محل للتفصيل فيها، مما يوجب نسج علاقات أكثر متانة مع المركب الاجتماعية - الثقافية فى هذين البلدين من قارة أوروبا فى الغرب والجنوب. ومثل ذلك وأكثر عن اليونان إلى الشرق.. تلك إذن أول ميزة يمكن لمصر استعمالها خارج النطاق التقليدى للتفكير الإستراتيجي، ميزة باطنة بعد أن عزّت المزايا التقليدية أو تآكلت. ولكن بعض «المزايا التقليدية» - إذا صح التعبير- يمكن العمل على تجديدها وتجويدها واستئناف استعمالها الممنهج فى السياق السياسى العالمى والاقليمي. نشير هنا بصفة خاصة إلى مؤسسة (الأزهر) العريق بجامعته المنيرة إفريقيا وآسيوياً، و«مدينة البعوث الإسلامية» حيث يشكل المتخرجون قوة ضاربة فى عمق التكوين الثقافى والاجتماعى وخاصة فى إندونيسيا وماليزيا ، دون أن نغفل باكستان والهند ، بل الصين ، ولا ننس أيضا آسيا الوسطى الإسلامية بجمهورياتها الست العتيدة، إضافة إلى العمق الحضارى الإفريقى شرقا وغربا ووسطا، وأما الشمال فهو مغربنا العربى و(الغرب الإسلامى) العتيد. لمزيد من مقالات د.محمد عبد الشفيع عيسى