رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

هل تنتهي الحرب دون حرب في بلاد الشام والعالم؟

في فيلم الناصر صلاح الدين ليوسف شاهين مشهد مثير فلقد رتب المتآمرون جريمة وألصقوها بعدو لهم. ففي لقطة فذة كان صوت الفنانة ليلي فوزي يتقمص دور القاتلة المتآمرة ويسابق المشاهد والصور فهي تصيح في الجنود تحفزهم للقتال والدم( قتلوا ريتشارد بسهم عربي مسموم... سهم عربي مسموم).
هذا المشهد الدرامي الخطير هو أفضل تعبير لما يدور في أيامنا تلك. ففي الفيلم الكلاسيكي كان التحالف الهش بين أمراء الممالك الأوروبية غزاة الشرق يترنح فكان بينهم من يري استحالة المشروع وضرورة الجنوح للسلم, وكان هناك آخرون يدركون أن السلم والهزيمة هو نهاية ممالكهم الباردة فيتوغل في التآمر وفي البحث عن مبررات المذبحة الأخيرة. ففي أيامنا تلك تدور صراعات جادة بين ساسة كبار وجنرالات عظام في نيويورك وواشنطن وتل أبيب. صراعات تمت الإشارة إليها في الصحف الأمريكية ذاتها مثل ما نشر في مجلة الأتلانتيك في مطلع العام بشأن الخلافات حول ضرب ليبيا والاستخدام الغامض لغاز السارين في غوطة دمشق.
تلك الخلافات توضح أن بين قيادات الغرب من يريد الخروج من مأزق شرق المتوسط بل ويريد التخفف من عبء إسرائيل ذاتها. وهناك آخرون لا رادع لهم إلا بالحصول علي الجائزة الكبري وهي تحطيم سوريا وحزب الله وإنشاء دولة كردية تقتدي بتراث إسرائيل ذاتها. ولكن المشروع المتعثر صار باهظ التكلفة السياسية وبالغ الخطورة بعد التدخل الروسي وبعد الخلافات مع إردوغان, وهو أهم الحلفاء. وهاهي حلب الواقعة في أقصي الشمال السوري تتأرجح إلي ضفاف الدولة السورية بعد أحداث عظام وضحايا جسام, فهل من الممكن أن تخمد المعارك والنيران دون تحطيم حزب الله أو تحطيم صواريخه؟ فأسلحة حزب الله وترسانته إن بقت فستظل قادرة علي إهانة إسرائيل مرة أخري, وهو ما لا يمكن قبوله في تل أبيب).
يستطيع المرء تفهم إصرار بعض الدوائر الإسرائيلية علي اعتبار أن تحطيم سوريا وحزب الله أهداف لا يمكن التراجع عنها إذا تخيل المرء مواجهة حزب الله الأخيرة مع إسرائيل. فتري ماذا حدث في ممرات الحكومة الإسرائيلية وغرف اجتماعها بعد هزيمتهم المدوية أمام حزب الله عام2006 ؟ ففي هذه المجابهة أهينت إسرائيل فتساقطت الصواريخ علي المدن الإسرائيلية وتعرت قبعة الدفاع الإسرائيلي وظهرت ضحالة ونمطية الفكر العسكري الإسرائيلي في الوديان والشواطئ اللبنانية الملتحمة مع سوريا في جغرافية بلاد الشام. لم تكن معركة حزب الله مع إسرائيل في2006 معركة لبنانية ولا حتي معركة إيرانية, ولكنها كانت في أحد جوانبها معركة روسية بتكنولوجيا روسية. فالصواريخ التي تساقطت علي إسرائيل روسية وأغلب ما تمتلكه إيران وسوريا يتم بقرار سياسي روسي وبتكنولوجيا وفكر عسكري روسي من متابعة إحداثيات ودقة إصابتها للأهداف وانتهاء بالصمت الروسي المرحب بانتصار حزب الله.
صار إسقاط حزب الله وتصفيته هدفا إسرائيليا معلنا لا يحتاج لمبررات. ولكن الحزب المتشابك الأطراف مع إيران وسوريا, وذا المنظومة الصاروخية, مثل معضلة مركبة لإسرائيل ولحلفائها. فلقد بدا واضحا أن تصفيته بمواجهة مسلحة ستكون ذات كلفة إنسانية ومالية باهظة لإسرائيل. فصواريخ الحزب قصيرة المدي تستطيع إيذاء شمال إسرائيل. ولكن الصاروخ اليوم قد تطور كثيرا كسلاح لا راد تكنولوجي أو عسكري له, ولهذا فإن تصفية حزب الله بمواجهة إسرائيلية لبنانية سيكون باهظ التكلفة وهو ما حاول أعداء حزب الله تلافيه عن طريق إسقاط سوريا. هناك اليوم من يقارن بين صواريخ حزب الله وصواريخ حماس ولكن الحقيقة أن حماس وأسلحتها مجرد مشهد كارتوني إذا قورن بصواريخ حزب الله أو سوريا ذاتها. إلا أن هناك من لا يستطيع تخيل انتهاء إعصار الربيع العربي وما تلاه دون تصفية حزب الله حتي لو أدي هذا لحرب مجنونة بين إسرائيل وحزب الله.
تبقي في المعادلة روسيا وإيران. ولقد اعتدنا علي الربط المجرد بين حزب الله و إيران, لكن الأمر أبعد كثيرا من تلك العلاقة بل وربما يكون السؤال الأهم هو فماذا عن روسيا؟ فهنا يكمن مربط الفرس, وهنا تكمن نمطية التفكير العربي بل والمصري. فروسيا العائدة من عالم جمود وصقيع ما بعد الاتحاد السوفيتي تقترب رويدا بدهاء من استعادة وجودها كقطب دولي كبير تمكن من صنع تحالفات ضخمة مع الصين ومن استعادة ريادة روسية في تكنولوجيا السلاح بل وفرضت تقريبا بعدا جديدا هو توازن الرعب الإلكتروني مع الولايات المتحدة. وقد يجادل البعض أن روسيا مجرد قوة عظمي لا فرق بينها وبين أي قوي دولية أخري إلا أن روسيا والصين دولتان تشكل وعيه ووجود مؤسساتهما في العصر الحديث في إطار معارك دامية مع الاستعمار ويحمل تاريخهما الحديث كل ندوب المعارك العظمي التي أصابتهما.
روسيا تلك وسياسيوها وعسكريوها لهم( تار بايت) بدأ في أفغانستان وانتهي بسقوط الدولة السوفيتية ذاتها. روسيا تدرك أنه إذا تجرأت قيادة إسرائيلية علي إشعال فتيل مواجهة مع حزب الله فإن ذلك لن يتم بإجماع غربي كامل ألا إذا نجح الإعلام حول العالم بتحميل حزب الله و حلفائه مسئولية ما يجري حول العالم من جرائم خطيرة قد تشق قدرة المدافعين عن الحزب عن الدفاع عنه. روسيا تدرك أيضا ان تلك القيادة ستواجه مصير الحاكم البريطاني( أنتوني إيدن) وقد تفتح الباب لعالم جديد كذاك الذي ظهر بعد مواجهة عام1956 مع مصر
إن نهج مبارك في التعامل مع المجابهات الإسرائيلية واللبنانية واعتبار أنها بالنسبة لمصر سقف تناقض بين المشروع الديني للإسلام السياسي وإنها لا تفرق كثيرا عن حماس, نهج قاصر يتجاهل التطورات الروسية والدولية. فهذا النهج هو ما دفع الساسة المصريين للعجز عن رؤية حقيقة المجابهة السورية الإسرائيلية المستترة بالثورة الصورية. إن إسرائيل قد تجبر علي التفاوض الحقيقي مع الجميع من خلال تلك المواجهة وهو ما فشل السادات في تحقيقه.


لمزيد من مقالات د‏.‏ حازم الرفاعي

رابط دائم: