رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ستينية تأميم القناة: تأسيس لزمن جديد

الأحداث التاريخية التى أثرت فى مسار العالم، ومثلت نقطة تحول بين عالمين(دنيتين)، وأسست لعالم جديد. تظل حية،

وتخضع للتحليل الدائم، وذلك فى ذاتها، مهما يطل الوقت، من جهة. وفى ما أحدثته من تغييرات طالت البنية السياسية الكونية بكل عناصرها، من جهة أخري... من هذه الأحداث، الحروب العالمية، وأزمة مثل أزمة الصواريخ الروسية فى كوبا والتى عرفت بأزمة خليج الخنازير، واتفاق «البينج بونج» التاريخى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وحرب أكتوبر، وذروة الصراع بين القطبين الكبيرين: الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية، فيما عرف بحرب الكواكب والتى ترتب عليها تفكيك إحداهما،...،إلخ. فى هذا السياق، يأتى قرار «تأميم قناة السويس»، الذى اتخذه جمال عبد الناصر فى يوليو من عام 1956. وينطلق هذا الاهتمام من أن المجتمعات الحية ـــ لا الساكنة أو الاجترارية ـــ هى التى تعمل على مزيد من الفهم، وتعميق التحليلات، ومقاربة العديد من القضايا المرتبطة بالحدث، واستخراج الدروس المستفادة وترجمتها إلى نظريات وتوجهات وسياسات قابلة للتعديل. فالعقل الحى لا يعرف الإجابات الجاهزة، ولا يقبل التلقين، ويسعى دوما إلى طرح أسئلة جديدة ومن ثم إجابات مبدعة جديدة. لذا تصدر عشرات الكتب مع حلول ذكرى أى حدث من هذه الأحداث. يكفى أن نشير إلى مئات الإصدارات التى صدرت فى ذكرى مئوية الحرب العالمية الأولى مقاربة العديد من الزوايا. وقرار تأميم القناة من الأحداث التى حظيت بتقدير سياسى وأكاديمى شهدته بنفسى فى مرور خمسين عاما عليه. وها هو يتكرر فى الذكرى الستين. فالحدث لم يزل محل اهتمام وتقدير كبيرين ويخضع للتحليل واستخراج النظريات ومقاربة مفاهيم جديدة فى العديد من الحقول المعرفية.ونشير إلى خلاصة ما جاء فى بعض المصادر التى تعد مرجعا فى العلاقات الدولية».حيث تناولت «تأميم قناة السويس»، من زوايا عدة، كما يلي:

فمنها، أولا: من اعتبر قرار تأميم قناة السويس هو البداية التاريخية لعملية «تفكيك الاستعمار التقليدى التاريخي». ومن ثم إطلاق قواعد جديدة عادلة بين الدول تحل محل ما ساد بينها فى المرحلة الاستعمارية التقليدية من علاقات سلطوية. وهناك، ثانيا: من يركز على هذه القواعد الجديدة التى جاء بها قرار التأميم، والتى نرصدها فى قواعد ثلاث كما يلي: القاعدة الأولي: ضرب الامتيازات التى كان الاستعمار التقليدى يخص بها نفسه «قسرا» على حساب الدول والشعوب المُستعمرة: من نزح للثروات، واختطاف للعقول، والسيطرة على مقدرات هذه الدول كما هو الحال بملكية قناة السويس فى امتياز مجحف،...،إلخ. القاعدة الثانية: تحرير الدول من التبعية المطلقة للقوى الاستعمارية. والقاعدة الثالثة: ميلاد سيادة الدول ما يعنى تكافؤها مع الدول الاستعمارية فى المنظومة الدولية. والقاعدة الرابعة: اتاح المجال للدول المستقلة حديثا من أن تتجمع معا فى تجمعات تضم الدول ما عرف بالعالم ثالثية مثل: حركة باندونج، وعدم الانحياز، وتجمع الشعوب الأفروآسيوية،...،إلخ.وأن يكون لها موضع/موقع فى الساحة السياسية العالمية.

لقد أسس قرار ناصر، تأميم قناة السويس لزمن جديد/تاريخ جديد. أو «لحظة جديدة بعد استعمارية»، بحسب أحد الباحثين. «لحظة» فتحت الطريق أمام إعادة النظر لنقد الأسس الفكرية/الثقافية والسياسية والأخلاقية للنظام الاستعمارى القديم والتى بررت هيمنه الاقتصادية والعسكرية. أو بالأحرى محاكمته فيما فعله تجاه الشعوب التى استعمرهامن ممارسات غير انسانية. والأهم هو تعبئة هذه التجمعات الوليدة بالتحرك لكشف ومقاومة الممارسات الاستعمارية الجديدة فى مرحلة ما بعد الاستقلال.

فى هذا الإطار، تدين كل المصادر الحديثة الأكاديمية حالة التهور التى حكمت «شن حرب على مصر،...،فلقد كان قرارا غير منطقي، وسخيفا، وطائشا». كما أثبتت العملية أنها بكل المعايير...وتوظيف فكرة القانون الدولى لصالح الدول الاستعمارية لاستعادة حقوق الشركة المالكة للقناة بات أمرا مستهجنا ولا يمكن قبوله فى الأكاديميا ولا فى الأدبيات السياسية. فالقناة تقع «كليا ضمن الأراضى المصرية» وأنه آن أوان إعمال السيادة لأن الزمن الاستعمارى قد ولي.

كما أبطل قرار التأميم ــ بحسب أحد الاستراتيجيين ــ النظام المعرفى الاستعمارى الذى كان يُدرس فى الأكاديميات الأوروبية فى تبرير الامتدادت الاستعمارية للعقل الأوروبي. وحقوق هذه الدول فى ممارسة ما تراه مناسبا للاستئثار بما يملكه الآخرون.ليس هذا فقط بل دفع بتجديد نظريات العلاقات الدولية لصالح فهم طبيعة المرحلة الجديدة ما بعد الاستعمارية. وحقوق الدول البازغة فى ما تملكه. وأحقيتها فى أن يتم التعاطى معها بندية وتكافؤ...

وبعد، بينما تمر علينا هكذا تواريخ مشرفة وهامة ومؤثرة دون انتباه. نجد أن الآخرين يفردون الوقت من أجل المزيد من البحث والدراسة بعيدا عن سجالاتنا غير المثمرة والتى فى أغلبها تقلل من شأن نضالاتنا الحقيقية والتى هى الزاد الروحى والمعنوى الذى يدعم الدولة ويزيد من تماسك المجتمع...فالنسيان شأنه شأن خطر الإرهاب واتباع سياسات ثبت فشلها من الأمور التى تمثل تهديدا لأمننا ومصالحنا العليا...ونتابع...

لمزيد من مقالات سمير مرقس

رابط دائم: