رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المؤسسات الدينية: الواقع والمأمول «9»

فى سابق العصر والأوان، وفى يوم مضى من أيام الأزهر، وقعت جفوة بين الإمام الجليل الشيخ محمد الأمير الكبير، والإمام الجليل الشيخ القويسنى، وتصاعدت حتى وصلت أخبار هذا الجفاء والنزاع إلى الحاكم، ودخل الشيخ الأمير عنده يوما، فسأله الحاكم عن النزاع والجفاء، وأخبره أن الشيخ القويسنى أنبأه بها، وكان يقصد الوقوف على الحقيقة ليوفق بينهما، فقال الشيخ الأمير: ليس بيننا إلا الخير، وما أظن الشيخ القويسنى حدثك بشئ من هذا، وأثنى على القويسنى ومدحه، ثم نزل من عند الحاكم فمر بدار الشيخ القويسنى رغم ما كان بينهما، وأنبأه بما دار بينه وبين الحاكم، فقال الشيخ القويسنى: صدقت فى ظنك، وما قلت للحاكم شيئا، فقال الشيخ الأمير: هكذا أهل العلم، يسوون ما بينهم فى خاصتهم، وأما مظهرهم فيجب أن يكون قدوة فى التآليف والخير، إمساكاً على عروة الإسلام، وحفظاً لكرامة العلم، وزال بهذا ما بينهما. وأقول: إن هذا التصرف النبيل والواعى والحكيم من الشيخين الجليلين يكشف عن عدد من المعاني، والقيم، حيث يكشف أولا عن نفوس استنارت بنور العلم، فاتسعت آفاقها، وتغلبت على حظوظها، ولم يعد يستخفها ولا يحركها ولا يتلاعب بها الهوى ولا الغضب ولا الانتصار للنفس، فاتسعت العقول لإدراك الموازين والمعايير التى لابد من الاحتكام إليها، وترجيحها، والنزول عندها، وإحناء الرأس أمامها، فصدرت عنهم التصرفات والمواقف التى تتعلم منها الأجيال، وتقتبس منها الحكمة والبصيرة، وتجعل المؤسسات الدينية تكبر فى النفوس، وتلحظها العيون بالإكبار والإجلال.

إن الأزهر الشريف مؤسسة كبري، تضم بين جنباتها وزارة الأوقاف، ودار الإفتاء، وجامعة الأزهر، وهيئة كبار العلماء، وقطاع المعاهد الأزهرية، ومجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ومدينة البعوث الإسلامية.

وعلى أكتاف هذه المؤسسة أمانة عظمي، مكونة من عدة أمور، أولها: إطفاء نيران التطرف والتكفير من الإخوان وداعش والقاعدة وبوكو حرام وغيرها من تيارات الإرهاب، وملاحقة أطروحات هذه التيارات بالتفكيك والإفحام، وإغراق الفضاء الإلكترونى بالمواجهة الشاملة لهذا الفكر الأسود، وثانيها: تعزيز منطق الإيمان، وتقديم البراهين والعلوم العقلية الدقيقة التى تؤكد قضية الغيب وتبرهن على صحة منطق الإيمان، وثالثها: صناعة شخصية الإنسان المصرى القوي، الواثق، المعمر، الشغوف بالمعرفة، الصانع للحضارة، وحماية شخصيته من كل عوامل التصحر والتجريف، ورابعها: جمع شمل المصريين، وحماية وحدتهم الوطنية، بحيث تتضافر كل تلك المؤسسات الأزهرية المذكورة على الإطفاء العاجل لأى أطروحة أو فكرة أو تصرف يبذر الشقاق ويضرب وحدتنا الوطنية فى المنيا أو فى النوبة أو غيرهما، وخامسها: أن تقوم تلك المؤسسات الأزهرية بإطلاق مبادرات الجودة فى كل الحرف والمهن المصرية لاستعادة شخصية الإنسان المصرى الغنى المبدع المتألق المتقن، وسادسها: الانطلاق إلى العالم لتقديم الخبرة له فى مجال مواجهة الإرهاب وتفكيك التطرف، حتى لا يتسرب الإرهاب والدمار إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول، حتى ترجع مصر إلى الريادة فى حمل راية النور والحكمة فى العالم، وحتى ينطلق التجديد والعمران والقيم من مصر إلى العالم. إن العالم كله يرصد رصدا دقيقا، وينتظر من الأزهر وسائر مؤسساته الرؤية المنيرة، وصناعة الحضارة، والرجال العلماء الأجلاء، الذين امتلأوا بقبس من الحكمة والنور، والذين يرشدون إلى تقدير العلم والتمدن والحضارة، وإلى منظومة أخلاق هذا الدين وقيمه، والقيام بدوره فى التصدى لكل فكر مختل مجنون يختطف الإسلام، وإسعاف الدول المختلفة فى كل ما يهدد أمانها، حتى يحفر الأزهر لنفسه ولمصر امتنانا عميقا من مختلف الشعوب والدول على إغاثته لهم فى أزماتهم.

نعم هذا الذى تنتظره مصر الكريمة، وشعبها الكريم، وجيشها العظيم، ومؤسساتها العريقة، والأمة العربية والإسلامية، والعالم كله، من المؤسسات الدينية فى مصر.

فإذا تضافرت تلك المؤسسات على رؤية واحدة، ومنظومة عمل، وتقاسم للأدوار، وهضم للنفس، وجمع للشمل، وإعلاء لقيم الدين وأخلاقه، كان هذا هو المأمول من المؤسسات الدينية كلها، أما إذا انخرطت تلك المؤسسات فى مكايدة بعضها البعض، والانتقام، والتشفي، والتربص، والتصيد، والتنكيل، فإن الإمام القويسنى والإمام الأمير والصبان والملوى والطهطاوى والدجوى ومحمد عبده والشمس الأنبابى والمراغى والمرصفى والشعراوى وعبد الحليم محمود وسائر علماء الأزهر عبر تاريخه ليتألمون فى برزخهم من ذلك، و(للحديث بقية).


لمزيد من مقالات د‏.‏أسامة السيد الأزهرى

رابط دائم: