ولأن الوحدة بين كل المصريين هى أساس وجود واستمرار وتقدم الوطن المصرى، فإن الأعداء يتخذون من أى جرح للوحدة الوطنية سلاحاً يحاولون به إضعاف مصر وإذلالها والتحكم فى مصائرها. ولهذا فإن المصريين مهما تكن خلافاتهم العقائدية ومع أول جرح لوحدتهم فإن وجدوا ضعفاً أو تهالكا من الحكومات ينادوا أنفسهم ليتوحدوا بأنفسهم ليحموا أنفسهم من مؤامرات العدو.
والآن فى أيامنا الكئيبة وجرح الوحدة الوطنية يتعمق عن عمد متعمد وحكومتنا ضعيفة وعاجزة وتقف أمام المتأسلمين السلفيين الذين هم دوما أسوأ من أسوأ كل المتأسلمين منكسة الرأس، عاجزة عن مواجهتهم أو ردعهم أو حتى التوسل إليهم ليكتموا بغيهم.
اليوم حيث تتراكم مؤامرات العدو على وحدتنا الوطنية خاصة، فى محافظة المنيا، وحيث التنفيذيون من المحافظ فما تحت والأمنيون من مدير الأمن فما تحت قد استنفدوا جميعا مرات الرسوب وأصبحوا بالضرورة غير صالحين للاستمرار خاصة بعد أن ترامت معلومات بأن كبار مسئولى المحافظة يتوسلون للمتأسلمين السلفيين كى يقللوا من غلوائهم وتعدياتهم حتى تمر العاصفة وهم يحتفظون بمناصبهم التى لم يستحقوها منذ البداية.. وحيث الحكومة الضعيفة تكتفى ببيان ضعيف مثلها ، ولا تمد يداً لتصحيح جذرى للأوضاع، ورئيس مجلس النواب يمنع نائبة ونوابا من إلقاء بيانات عاجلة توضح الحقيقة وتبين كذب ما تدعيه الجهات التنفيذية والأمنية فى المنيا ، ويكتفى هو أيضاً ببيان أكثر ضعفاً واعداً بأن يتابع هو بنفسه ــ التى نعرف جميعا حجم طاقتها وقدرتها ــ تطورات الأحداث . ولأن الأمر لم يعد يحتمل كارثة جديدة سواء فى المنيا أو العامرية أو غيرها فقد آن لنا يا أيها المصريون أن نتولى نحن إصلاح ما هو معوج حتى يحين زمان نتخلص فيه من وزراء يمارسون الضعف والكذب معاً .. تعالوا نوحد أنفسنا كما فعل آباؤنا فى الماضى . وأقدم لكم نموذجين يستحقان أن نفعل مثلهما.
فعندما اتخذ رئيس وزراء مصر بطرس باشا غالى موقفا خاطئاً إزاء مد امتياز شركة قناة السويس ورغم أن قاتله اعترف بالقتل لكى يعلن أنه فعلها ليس بسبب من اختلاف الدين وإنما بسبب اختلاف فى الموقف من الوطن، فإن الإنجليز أسرعوا فى استثارة نوازع الفتنة وتحريك غرائز غير وطنية وهنا تحرك ابن بطرس باشا نفسه الذى خشى أن يكون مقتل أبيه سببا فى نجاح مخطط العدو فطلب من إسماعيل باشا صبرى أن ينظم قصيدة تعمل على تهدئة النفوس وإطفاء نيران الفتنة
أما النموذج الثانى فكان فى زمن ثورة 1919 حيث توحد الصف المصرى متماسكاً أمام مؤامرات العدو، فبينما كان سعد زغلول يستعد إلى السفر إلى لندن لمفاوضة الاحتلال، صرح متحدث باسم الخارجية البريطانية بأنهم سوف يصممون على وجود احتلالى لحماية مصالح الأجانب وحقوق الأقباط ، ثم تمادت المؤامرة وبينما كانت إحدى المظاهرات المساندة لسعد وللثورة تمر بحى عابدين انطلقت رصاصات قيل إن مصدرها مسكن لأسرة أرمينية وتوترت الأجواء وأوشك الحلم الاستعمارى أن يتحقق بتمزيق الصف الوطنى ولكن حكمة الجميع تحكمت فى سياق الأحداث بعيداً عن الفتنة . فالأرمن أعلنوا براءتهم من إطلاق الرصاص وأنهم ضد الاحتلال ، ولكن المحتلين أعلنوا أن وجودهم أصبح ضرورياً لحماية الأقباط .. وفى خطوة ذكية طلب عبد العزيز باشا فهمى من أحمد شوقى إعداد صلاة موحدة تتلى فى وقت واحد فى كل المساجد وكل الكنائس تأكيداً على وحدة كل المصريين ضد مؤامرات العدو، وهكذا وفى وقت واحد .. وبعد دقات لأجراس الكنائس، ونداءات من المآذن قالت كل مصر فى صوت واحد..
اللهم ياقاهر القياصر/ ومذل الجبابر . ومن لا يحكم بين عباده سواه / هذه كنانتك نزع إليك بنوها/ وهرع إليك ساكنوها/ هلالا وصليباً/ بعيداً وقريباً/ مستبقين كنائسك المكرمة/ التى رفعتها لقدسك أعتاباً/ ميممين مساجدك المعظمة/ التى شرعتها لكرمك أبواباً/ نسألك بحق عيسى روح الحق/ ومحمد نبى الصدق/ وموسى الهارب من الرق/ كما نسألك بالشهر الأبر والصائمية/ وليله الأغر والقائمية/ وبهذه الصلاة العامة من أقباط الوادى ومسلميه/ أن تعزنا بالعتق إلا من ولائك/ ولا تزلنا بالرق لغير آلائك ، فأتنا اللهم حقوقنا كاملة/ وقلدنا زماننا/ وولنا أحكامنا واجعل الحق إمامنا.
وتوحد المصريون بهذه الصلاة الموحدة فأفشلوا مؤامرات العدو. فهل لنا من فعل مثيل يسد الثغرة المخيفة والهوة السحيقة التى توشك حكومتنا الضعيفة أن توقعنا فيها وأن تجعل من تأسلم السلفيين الغلاة سيفاً على رقاب الوطن وتفتح ابواب جهنم لينفذ منها العدو الذى سيتخذ من ادعاء اضطهاد الأقباط ذريعة لحملات تخدم بالأساس الإخوان الإرهابية وتستهدف بالأساس الرئيس السيسى. فمتى يا سيادة الرئيس ترحمنا من ضعف الذين استنفدوا مرات الرسوب لا لمجرد أنهم كسالى وإنما لأنهم أضعف من أن يفعلوا فعلاً مثمراً. فتول أنت الأمر بنفسك فما من أحد غيرك يمكنه أن يحل المسألة من جذورها. دور عبادة موحدة القانون ــ ومساواة فى حقوق التوظف ــ وفتح كل المؤسسات بلا تمييز أمام كل المصريين بلا تمييز. افعلها سيادة الرئيس وسيذكر لك التاريخ ذلك. وأقول أخيراً إن المشكلات لا يمكن حلها بالعقلية نفسها التى تمت صناعتها بها.
لمزيد من مقالات د. رفعت السعيد رابط دائم: