رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

العيد الستون لقرار تأميم قناة السويس

تمر هذه الأيام الذكرى الستون لقرار تأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية. وبالرغم من كل ما كتب أو قيل على

مدار العقود الستة الماضية عن أسباب اتخاذ هذا القرار والطروف المحيطة باتخاذه والأهداف المتوخاة من وراء اتخاذه والنتائج التي ترتبت من الناحية العملية على اتخاذه، فإن هناك الكثير الذي يمكن أن يقال ويكتب عن هذا الحدث التاريخي بكل معاني الكلمة، والذي كان له انعكاسات وتأثيرات وطنية وإقليمية ودولية بعيدة المدى، وبعضها يعيش معنا حتى الآن.

ولم تقتصر تأثيرات قرار تأميم قناة السويس في زمن اتخاذ القرار، أو حتى اليوم، على منطقة أو إقليم من العالم دون غيره. ولا شك أن التأثير اللحظي تمثل في إعطاء قوة معنوية وسياسية غير مسبوقة لنضال الشعوب العربية على وجه الخصوص، ومجمل شعوب البلدان النامية بشكل عام، من اجل إنجاز مهمة التحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطنى بمعناه الشامل، وأسدل الستار بصورة نهائية على عصر الامبراطوريات الاستعمارية ليدشن بدايات وإرهاصات عصر جديد فى العاقات الدولية. وتكفى هنا كلمات الزعيم الكوبى الكبير »فيدل كاسترو« الذي ذكر أنه عندما كان يناضل مع رفاقه فى جبال كوبا فإن سماعهم بنبأ قرار تأميم قناة السويس أعطاهم الأمل فى النصر الذى تحقق بعد ذلك بأقل من ثلاث سنوات. كما حول قرار التأميم اللبنات الأولىلحركة بلدان العالم الثالث التى تكونت فى باندونج عام 1955 من خلال القمة الأفرو/آسيوية إلى حركة متكاملة الجوانب ومترامية الأطراف، تطورت إلى أطر تنظيمية ممثلة على الصعيد السياسى فى حركة عدم الانحياز واقتصادياً فى مجموعة الـ 77. وعلى المستوى العربى، جسد تأميم القناة انبعاث الإحساس بالكرامة القومية والمجد القومي لدى الشعوب العربية التى عانت طويلاً من الاحتلال والسيطرة الأجنبية على مواردها وثرواتها، كما أن القرار فجر طاقات التضامن فيما بين الشعب العربى فى مصر وبقية الشعوب العربية وأخرج القومية العربية من حدود النخب السياسية والثقافية العربية إلى واقع يومى يشعر به المواطن العربى فى جميع البلدان العربية.

أما على المدى الأطول فإن التأثير الدولى لقرار تأميم قناة السويس تجاوز التوقعات ليرسى مبدأً جديداً فى العلاقات الدولية خضع لجدل دولى واسع وممتد زمنياً، وهو مبدأ سياسى وقانونى، وأعني هنا مبدأ سيادة الدول والشعوب على مواردها الطبيعية. وبالطبع لم يكن من السهل على الدول التى لها مصالح اقتصادية مرتبطة بالسيطرة على الموارد الطبيعية لبلدان العالم الثالث القبول بهذا المبدأ، سواء على الصعيد القانونى أو حتى المعنوي. ولهذا قاومت هذه الدول والمصالح الاقتصادية التى تقف وراءها لسنوات إقرار هذا المبدأ. واستغرق الأمر نقاشات مطولة ومفاوضات صعبة فى أروقة المنظمات الدولية، خاصة الأمم المتحدة، حتى تم إقرار هذا المبدأ فى منتصف السبعينيات فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بفضل تطورين هامين: الأول هو حصول معظم بلدان العالم الثالث على الاستقلال الوطني وسعيها لاستكمال ذلك بتحقيق الاستقلال الاقتصادى وبالتالى تشكيلها أغلبية عددية مكنتها من تمرير آرائها ومواقفها، مدعومة أيضاً من الصين الشعبية ودول المنظومة السوفيتية فى ذلك الوقت. أما التطور الثانى، فكان حدوث تحولات هامة ذات طابع تقدمى فى القانون الدولى أدت إلى نمو الاتجاه المؤيد لحق الدول والشعوب فى السيطرة والسيادة على مواردها الطبيعية. وحتى بالرغم من هذين التطورين، بقيت حتى اليوم بعض الحكومات والاتجاهات القانونية، خاصة فى الغرب، تجادل فى قانونية هذا الحق، وتعتبره ليس ذا طابع قانوني نظراً لأنه تم إقراره فى المنظمات الدولية عبر آليةالتصويت، وكنتيجة للأغلبية العددية التي تتمتع بها بلدان العالم الثالث في عضوية تلك المنظمات.

وإذا تناولنا حالة مصر التى قامت قيادتها في ذلك الوقت ممثلة في الرئيس الراحل جمال عبد الناصر باتخاذ قرار التأميم، نجد أن القرار مثل اختراقاً نوعا فى مكانة مصر ودورها وتأثيرها على الصعيدين الإقليمى والدولى، حيث دفع بها بقوة إلى موقع القيادة عربياً وعلى صعيد الدول الأفريقية والآسيوية، بل وجعلها بمثابةالدولة النموذج على مستوى العالم الثالث، بل وعزز من دورها على صعيد العلاقات الدولية. وامتزج ذلك بإظهار قدرة متقدمة على الإعداد الجيد والدراسة المتأنية وإدارة الأزمة، سواء قبل اتخاذ قرار التأميم أو بعده ووصولاً إلى الصمود فى مواجهة العدوان الثلاثى.

وقد مكن القرار من البدء فى تنفيذ مشروع السد العالى الذى سمح لمصر بالصمود فى وجه الجفاف الذى ضرب دول حوض النيل لعدة سنوات متعاقبة فى الثمانينيات، كما أنه ساعد أيضاً على زراعة مساحات إضافية واسعة من الأراضى وعلى التمكين من إطلاق الثورة الصناعية فى مصر وإنتاج الكهرباء ونشرها عبر الوطن، حضره وريفه. كما صارت هيئة قناة السويس مثالاً على قدرة المصريين على إدارة مرافقهم الوطنية على اعلى مستوى من الكفاءة والتفانى.

وقد يختلف البعض مع المسار الذى أخذته الأمور فى مصر بعد التأميم على صعيد الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن من المؤكد أنه على الصعيد المعنوى، شعر المصريون معنوياً باستعادة ملكية القناة التى مات أجدادهم وهم يحفرونها دون أن يملكوها، كما أنه لا جدال أن قرار التأميم أعاد لمصر السيادة والسيطرة على قرارها الوطني بشكل نهائى وحاسم وشكل الحلقة الأخيرة من حلقات استكمال مقومات الاستقلال الوطنى فى مصر. ولا يسعنا هنا إلا أن نتذكر القائد الذى اتخذ وأعلن قرار التأميم وتحمل مسئوليته، كما نذكر هنا بالإعزاز والعرفان كل من ساهم فى قرار التأميم، سواء اتخاذه أو تنفيذه ثم إدارة مرفق القناة، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر محمود يونس وعزت عادل ومشهور احمد مشهور وعبد الحميد أبو بكر وغيرهم كثيرين، وكذلك كل من ساهم فى المقاومة الشعبية للعدوان الثلاثى الذى نتج عن قرار التأميم والذين أفشلوا هذا العدوان ومكنوا قرار التأميم لأن يأخذ مداه وتأثيراته داخلياً وإقليمياً ودولياً حتى النهاية، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كمال الدين رفعت ومحمود عبد الناصر وسعد عفره ومحمد عبد الفتاح أبو الفضل وعبد المجيد فريد وعبد المجيد شديد ولطفى واكد ووجيه أباظة وسمير غانم وغيرهم كثيرين ممن لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً هنا.

لمزيد من مقالات د.وليد محمود عبد الناصر

رابط دائم: