رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المحتسب الطائفى ضد سيادة قانون الدولة

هل يحصد المجتمع المصرى الثمار المرة للتواطؤات التاريخية بين النخبة السياسية الحاكمة منذ أكثر من ستة عقود مع

بعض مكونات الحركة الإسلامية السياسية؟ هل نحن إزاء أثمان سياسية واجتماعية ندفعها الآن كنتاج للمناورات بين بعض الجماعات الإسلامية وبعض أجهزة الدولة المختصة؟ هل تدرك عناصر داخل النخبة وتركيبة الدولة البيروقراطية المخاطر الجمة التى يمكن أن يتعرض لها الأمن والاستقرار فى البلاد على نحو يفاقم من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى واحتقاناتها؟

نستطيع القول ان تاريخ علاقة الدين والدولة والنظام التسلطى أدى إلى تديين نسبى للمجال العام، لاسيما فى ظل التوظيفات السياسية الذرائعية لبعض التأويلات والتفسيرات الدينية الوضعية، فى بناء نظام الشرعية السياسية التى اعتمدت على القوة العضوض، ولم ترتكز على القيم والآليات والثقافة السياسية الديمقراطية، ومن ثم استخدمت النخبة الإسلام لإضفاء شرعية على ممارساتها التسلطية، التى أدت إلى إنتاج نمط من التسلطية الدينية التى تكرس مفاهيم الإجماع القسرى بين المكونات السياسية والاجتماعية والدينية والعرقية والمناطقية فى البلاد، بديلاً عن إدارة ديمقراطية تشاركية، فيما بين بعضها بعضاً، وداخل مؤسسات الدولة وأجهزتها، وفى المجال العام السياسى المحاصر والدينى السائد.

الأخطر، أن التوظيف السياسى التسلطى للإسلام، أدى إلى إعادة إنتاج المؤسسة الدينية الرسمية - على تعدد بعض مكوناتها- نمط من المواريث الدينية الفقهية والدعوية والإفتائية المحافظة والمتشددة التى تسوغ وتبرر الممارسة التسلطية البيروقراطية وتضفى عليها الشرعية الدينية الوضعية. لاشك فى أن هذا الإدراك السياسى البيروقراطى لدور الدين الإسلامى فى السياسة أدى إلى إيجاد بيئة ملائمة لإحياء وإعادة إنتاج الفكر والتأويلات الفقهية والإفتائية المحافظة والمتشددة التى تمددت داخل بعض الشرائح الاجتماعية فى القرى والمدن المريفة بطول البلاد وعرضها، وفى السياسة والمناهج التعليمية والإعلام المرئى والمسموع والمكتوب، الذى أسهم بفعالية منذ نظام السادات وطيلة حكم حسنى مبارك، وما بعد 25 يناير 2011، إلى إنتاج أرضيات اجتماعية خصبة لتمدد وانتشار الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية، وبناء بعضها لشبكات اجتماعية حلت محل تراجع السياسات الاجتماعية للدولة، وترك المعسورين من المصريين لهذه الجماعات - الإخوان والسلفيين -، ومن ثم استطاعوا إحداث تغيير نوعى فى أنماط التدين المصرى - الإسلامى والمسيحى - وتحوله من الاعتدال والتسامح والوسطية إلى نمط عنيف يتجلى فى الخطابات اليومية، وفى العلاقات والرموز، ونظام الزى والطقوس وبناء الحواجز النفسية بين أبناء الأمة الواحدة، على نحو أدى إلى إنتاج تحولات فى المؤسسة الإسلامية الرسمية نحو التزمت والمحافظة المفرطة التى باتت تبدى صراعاً وتشكيكاً حول تاريخ الدولة الحديثة، وإنجازاتها فى مجالات التحديث السلطوى المؤسسي، أو فى أشكال الحداثة الثقافية والقيمية المبتسرة، وإزاء قانون الدولة الحديث، واعتباره يناهض القيم والشرائع ذات المصدر الديني. تواطأت النخبة الحاكمة فى عديد الأحيان مع المؤسسة الدينية الرسمية، ولم تول عناية خاصة لإصلاح وتطوير سياساتها التعليمية والدعوية والإفتائية، وغضت النظر عن نزوع بعض رجال الدين إلى نمط من السلفية، والنزوع الإخواني، وتمددهم داخل المؤسسة - 30% من هيكل العضوية من الأزهريين داخل التنظيم - على نحو ما ظهر قبل وبعد 25 يناير 2011.

ارتبطت ظواهر ترييف المدن والثقافة المدينية، بترييف للأجهزة البيروقراطية للدولة، ونظام التعليم، ووجد الإخوان المسلمين، والسلفيين فى عمليات الترييف وثقافته ملاذاً وبيئة ملائمة وطيعة للدعوة والتجنيد السياسى والدعوى لعديد من الموظفين العموميين، وإيجاد قاعدة تأييد وتعاطف داخل هذه الأجهزة، فى الوزارات والمصالح الحكومية، وفى وزارة التعليم والمدارس والجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة، وبات هؤلاء يمارسون أشكالاً من التشدد والتطرف فى ممارساتهم البيروقراطية، وتجسدت هذه الظاهرة شبه الجماعية فى مجال التمييز الدينى ذى النزعة الطائفية إزاء بعض المواطنين المصريين الأقباط على نحو ما تحفُل به التقارير والبحوث المتخصصة فى هذا الصدد، وتحولت هذه الممارسات إلى ثقافة تمييزية مضادة لمفاهيم المساواة والمواطنة ودولة القانون وسيادته. وتمدد التمييز الدينى إلى الوظيفة العامة، وبعض مستوياتها القيادية العليا التى حجبت عن بعض مستحقيها لأنهم أقباط، والأخطر تواطؤ بعض عناصر فى أجهزة الدولة البيروقراطية والمحليات مع بعض الغلاة فى بعض القرى والمحافظات، الذين يقومون بأعمال ذات طبيعة تمييزية وطائفية، بما فيها ممارسة العنف إزاء الأقباط وممتلكاتهم ودور عبادتهم، وتصل إلى مستويات القتل والضرب والجرح وحرق الممتلكات وإتلاف المزروعات.. إلخ! على نحو ما نلاحظ فى بعض قرى محافظة المنيا. إن ميل بعض الأجهزة البيروقراطية للتواطؤ على عدم تطبيق القانون، واللجوء إلى جلسات الصلح العرفى أدى إلى تفاقم المشكلات الطائفية، وتجرؤ بعض العوام على القانون، وتحويل المشكلات العادية إلى طائفية. الأخطر أن بعضهم ينوب عن الدولة فى مراقبة السلوك الدينى / الاجتماعى للأقباط، ويحاولون منعهم من ممارسة شعائرهم الدينية أو الاجتماعية بدعوى أنهم يحولون بعض الغرف أو ملحقات إدارية لبعض دور العبادة إلى كنائس دون ترخيص، وهذا ليس دور بعض محرضى العوام وآحاد الناس، وإنما دور الدولة وأجهزتها المختصة. هذا الانتزاع لسلطة الدولة، أدى إلى بروز ظاهرة المحتسب الشعبى إزاء الأقباط وهى أمور خطيرة جداً، لأن تداعياتها تتمدد إلى قرى مختلفة.

ثمة مخاطر جسيمة تلحق بالموحدات القومية المصرية من جراء الشعور الجامح للاستقواء بقانون القوة العددية من بعض محتسبى الطرق الطائفيين، وترك المجال أمامهم للتأثير على الجمهور من العامة، ويستغلون شيوع الأمية، فى تحريك هؤلاء وتشجيعهم على الاعتداء على إخوتهم فى الوطن من الأقباط.

إن مساءلة هؤلاء المحتسبين المحرضين على الفتن الطائفية، وتطبيق القانون عليهم وعلى المعتدين على الأقباط ودور عبادتهم وممتلكاتهم سيردعهم ومعهم بعض العوام، ولابد من تغليظ العقاب على هذه الجرائم فوراً. ولا مجال أمامنا سوى التطبيق الحاسم والحازم للقانون فى مواجهة القانون والقضاء العرفى الذى يحاولون إحلاله بديلاً عن سلطة القضاء الوطنى المستقل.


لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح

رابط دائم: