رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
إثر الانتهاء من «إعلان كوبنهاجن» فى 30/1/1997 عدتُ إلى القاهرة وفى ذهنى مواصلة الانخراط فى عملية السلام، فارتأيت عقد ندوة فى طابا تحت عنوان «الشرق الأوسط فى مفترق الطرق: التنوير والمجتمع» فى نوفمبر من ذلك العام، إلا أننى لم أوفق فى عقدها بسبب رفض سياسى وقصور مالى. وعندئذ فكرت فى الخروج من النسق الداخلى إلى نسق خارجى يكون قابلا لإجراء حوار مصرى إسرائيلى فلسطينى، وقد كان، إذ دخلت الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير التى أشرف بتأسيسها ورئاستها فى علاقة مع مؤسستين دوليتين: الأولى هى «مركز زايد العالمى للتنسيق والمتابعة» بأبو ظبى والمنبثق عن الجامعة العربية، والثانية هى «لجنة التعاون الدولى» بالجمعية الفلسفية الأمريكية، وعقدنا ندوات اجتزئ منها ندوة عُقدت فى شيكاغو فى عام 2004 تحت عنوان «هل فى إمكان العقل أن يكون أساسا للحوار فى الشرق الأوسط؟» شارك فيها فلاسفة دوليون من الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا. وكان عنوان بحثى «هل فى إمكان العقل أن يكون مِعْبرا حواريا للسلام فى الشرق الأوسط؟» الجواب عن هذا السؤال يلزم منه تحديد ألفاظ ثلاثة: العقل والحوار والسلام. والسؤال إذن: ما العقل؟ إن العقل لا يدرك وقائع لأنه ليس ثمة وقائع قائمة بذاتها إذ الوقائع موضع إدراك من الإنسان بالضرورة. ومعنى ذلك أن العقل يدخل فى عملية الإدراك فيؤول ما يدركه، إلا أن هذا التأويل لا يقف عند حد المستوى النظرى إنما يتجاوزه إلى المستوى العملى وذلك بسبب تعريفى للإبداع بأنه قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الواقع. ولا أدل على صحة هذا التعريف من أن الحضارة الإنسانية بدأت بالعصر الزراعى وليس بعصر الصيد، حيث كانت العلاقة بين الانسان والبيئة علاقة أفقية، بمعنى أن الإنسان كان متكيفاً مع البيئة. ولكن عندما حدثت «أزمة طعام» فكر الإنسان فى تغيير العلاقة بينه وبين البيئة بحيث تكون العلاقة رأسية، بمعنى تكييف الإنسان البيئة لإشباع حاجاته الجديدة فحدث «فائض طعام». ومن هنا كان تعريفى للعقل بأنه القدرة على ممارسة تأويل عملى مجاوز للواقع. ومن هنا انطوى هذا التعريف للعقل على اكتشاف علاقة عضوية بين العقل والإبداع إلى الحد الذى يمكن أن نقول عنده إن العقل، بحكم طبيعته، مبدع. ومعنى ذلك أنه إذا توقف الإنسان عن الإبداع توقف العقل عن أن يكون عقلاً. وإذا كان ذلك كذلك فما الذى يوقف العقل عن الإبداع؟ إنها المحرمات الثقافية التى تمنع الانسان من ممارسة الفكر الناقد من أجل تغيير الوضع القائم. وهنا أنوه بعبارة الفيلسوف الألمانى العظيم كانط القائلة: إن الفيلسوف الاسكتلندى ديفيد هيوم الذى كان متشككا فيما اعتدنا عليه من مبادئ مطلقة قد أيقظه من سباته الدوجماطيقى، ومن ثم اندفع نحو التفكير فى مسار جديد للفلسفة. وكان هذا المسار الجديد هو الدافع إلى تأليفه ثلاثة كتب تبدأ عناوينها بلفظ «نقد» وهى: «نقد العقل الخالص» و «نقد العقل العملى» و«نقد ملكة الحكم». وفى هذا السياق يكون العقل المبدع بحكم طبيعته عقلا ناقدا، ومن ثم يقف ضد الدوجماطيقية التى تتوهم أنها مالكة للحقيقة المطلقة. وأظن أن هذا النوع من العقل كان الغاية من تأسيس عصر التنوير. وفى هذا السياق يكون اللاعقل أو اللاعقلانية هو نقطة البداية فى السقوط فى الدوجماطيقية، ومن ثم السقوط فى الأصولية الدينية التى تبطل إعمال العقل. هذا عن العقل فماذا عن الحوار؟ ونسأل: ما الغاية من الحوار؟ الغاية ليست إقناع الخصم بالحجة ،لأن الحجة تزعم أنها تريد قنص الحقيقة والحقيقة وهْم لأنها لا تدوم، وبالتالى فإنها معرضة لأن تكون لا حقيقة. ومن هنا لا علاقة للحوار بالحقيقة سواء قيل عنها أنها نسبية أو إنها مطلقة. هذا عن الحوار فماذا عن السلام؟ السلام له معنيان: معنى سلبى ومعنى إيجابى. المعنى السلبى هو الامتناع عن شن حرب، أى هدنة يمكن أن تعقبها حرب. أما المعنى الإيجابى فيكمن فى التعايش البشرى فى مجتمع مدنى تحت حكومة مدنية تتعامل مع ما هو نسبى وليس مع ما هو مطلق، أى ليس مع ما هو عقائدى. وتأسيسا على ذلك كله يمكن تطبيق هذه المعانى الثلاثة على حوار حدث فى جامعة تل أبيب فى 19 ديسمبر 1980 بين مصريين وإسرائيليين من أهمهم حاييم بن شحار رئيس جامعة تل أبيب، وشيمون شامير أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وأول مترجم لروايات نجيب محفوظ إلى العبرية، ومصطفى خليل رئيس وزراء مصر، وبطرس غالى الأمين العام السابق للأمم المتحدة. بن شحار فكرته المحورية أن الأولوية للتفكير فى المستقبل، أو بالأدق لممارسة التفكير المبدع لتغيير الوضع القائم لمجاوزة المطبات السياسية وتحقيق السلام الدائم. وشيمون شامير فكرته المحورية تغيير البنية الذهنية لترسيخ سلام صلب. ومصطفى خليل أشار إلى نقطة سلبية وهى الهوة الدوجماطيقية التى تقف عائقا أمام التفاهم المتبادل وذلك بسبب إنكار المصريين للهوية القومية لليهود. وبطرس غالى أشار إلى مسألة مهمة وهى أن التطرف متأصل عند الطرفين. والرأى عندى أن ثمة هوة ثقافية كامنة فى أن كلا من الطرفين المتصارعين لديه نمط دوجماطيقى يمتنع معه ابتداع نمط جديد من الحوار. لمزيد من مقالات مراد وهبة