رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
بعيدا عن الجدل المحتدم حول الصوفية وتأويل مقولات شيوخها تظل للمقومات الاساسية التى تقوم عليها التجربة الصوفية انعكاساتها على النفس وتأثر المبدعين والفلاسفة بها حالة تستحق التأمل سواء من حيث الموقف أو من حيث التداعيات.. البحث عن المطلق واستجلاء الحقيقة والتحولات على مستوى النفس وفى الكون و المخلوقات كانت نقطه الارتكاز فى الحالة الصوفية التى تجلت فى تراث المتصوفة وعكستها أقوالهم وأشعارهم للتعبير عن رحلة عنوانها مجاهدات وشطحات وتجارب التأمل الذاتى الحر والتخيل بحثا عن التواصل بين الذات وأشكال الوجود فى العالم الخارجي. هذه الحالة ألهمت عددا لا بأس به من المبدعين فى العصر الحديث، وعكستها أبيات الشعر و شخصيات روائية بعينها وكثيرا ما وشى بها ما بين السطور فى أعمال روائية كاملة وإن كانت فى أحد مستويات قراءتها تناولت قضايا اجتماعية ومشكلات شخصية (طريق وشحاذ نجيب محفوظ مثالا)، لترصد محاولة النفس التحرر من النظام والعلاقات المألوفة الظاهرة والبحث فى معنى الوجود والكون وتأمل العلاقات بين المطلق اللانهائى وبين الذات المحدودة وما يحيطها من أحوال وأشياء تتحول بفعل عملية الاستبطان والتجربة لأداة لاستجلاء الحقيقة والتغلغل فى أعماق الموجودات وتحقيق حالة من التوحد و التناغم بين الذات والكون بأسره والسعى للتواصل مع رب السموات والأرض . وهنا تقفز علامة استفهام فهل ثمة مشترك بين الحالة الصوفية والتجربة الأدبية والفكرية برغم ما يبدو للوهلة الأولى من بعد الشقة بينهم أم أن ما عكسه الأدب والفكر الإنسانى كان مجرد تأثر لحظى أو تقنية فرضها العمل الأدبى والمغامرة الفكرية أو مجرد تأويل وقراءة خاصة للنقاد تتلاشى بتغيير الزمان والمكان ؟ أظن أن محاولة البحث عن إجابة ولو كانت ظنية تتطلب إعادة قراءة لعدد من محاور التجربتين ومنها الحرية والخيال وقيمة الجمال وعلاقات التماهى والتحول والمحبة. ولتكن البداية بالمحبة فى الحالة الصوفية والتى لا تتجه من قِبل الذات نحو شخص أو شىء أو موضوع بعينه، فالمحبوب الأوحد لدى الصوفية هو الحق الذى يوجد به كل شيء فى منظومة الحياة ،فإذا ما لوّح الصوفى بحبه لشخص ما، أو شيء ما، (الأمر الذى عرض بعضهم للاتهام بالكفر نتيجة للتفسير الحرفى للتشبيهات وعناصر البلاغة اللغوية) فإنه لا ينطلق عن تعلّقٍ بما يتميز به ذلك الشيء أوالشخص، وإنما ينطلق مما يشع به فى تناغمه مع جوهر الذات من معانى القيمة الكلية للوجود. كذلك ارتبطت الصوفية بحالة التغيير والتبدل والترحال الذى أطلق عليه علماء الصوفية علم الباطن أوعلم السفر. فالتجربة الصوفية حالة مجاوزة مستمرة للمعلوم السابق سواء كان مورثا أو قائماعلى مستوى المعرفة وعلى مستوى الحياة.يقول الغزالي: «والسفر سفران: سفر بظاهر البدن عن المستقر والوطن إلى الصحارى والفلوات، وسفر بسير القلب عن أسفل السافلين إلى ملكوت السماوات؛ وأشرف السفرين السفر الباطن». وترتبط حالة المحبة بالمعرفة والحرية والقدرة على التخيل للحد الذى دفع بعض المفكرين لأن يصفوا الحالة الصوفية بأنها تجربة محبة من حيث هى تجربة حرية وإنها تجربة حرية من حيث هى تجربة محبة، الأمر الذى يستدعى للخاطر علاقة المبدع بعمله وتماهيه مع شخصياته وأحوالها و الخيال الذى يحوله كالصوفية لحالة لاكتشاف علاقة الذات بالعالم. ولعل تشابه العناصر السابقة (الخيال والتصوير والحرية وإطلاق ملكات العقل والسعى نحو المطلق والجمال) فى الحالة الصوفية والتجربة الأدبية ما حفز بعض المفكرين لمقارنتهما والبحث عن المشترك بينهما رغم اختلاف الرأى فيما يخص الغاية النهائية لكل منهما نتيجة قصر غاية الفن على مفهوم الجمال المادى وتجاهل أنه فى جوهره مرادف لقيمة الحق والخير التى اعتبرتها الفلسفات القديمة والأديان عموما قيم أساسية متكاملة. ومن هذا المنطلق يرى الباحث الجزائرى د. عبد المجيد عطار فى دراسته قراءة فى مسارات الإبداع الصوفى أن مقولة أنّ الدين يبحث عن الحقيقة، وأنّ الفنّ يبحث عن الجمال، بحاجة إلى إعادة نظر موضحا أنّ الجمال ليس مجرّد صورة حسية أو انفعاليه. وأن الجمال فى الفن مقترن بتجلى الحقائق وإشراقاتها والتفرقة بين الجمال والقبح ودون ذلك يفقد الجمال كقيمة إنسانية جوهره وجلاله ويسقط الفن فى متاهات العبثية والانفلات.. وللحديث بقية.. لمزيد من مقالات سناء صليحة