ينبغى أن تظل قضية إسلام بحيرى مطروحة، فلو كانت خصومته مع الرئيس السيسى ومع نظام 30 يونيو، لكانت البيانات المنددة بالدولة لم تتوقف، ولكانت الصحف العالمية خصصت له مساحات كبيرة تشيد بشجاعته، وتندد بنظام الحكم الذى لا يطيق صوتا معارضا شريفا. والأهم أنه كان سيحظى بجبهة دفاع قانونية عريضة مستميتة فى الدفاع عنه، تضم جيشاً من نفس النشطاء الذين لا يمنحونه الآن قدراً مساويا لما يبذلونه بحماس لمعارضى السيسي.
وأما لو كانت التهمة الموجهة له أنه يتلقى تمويلاً من الخارج، وأنه يسير فى برنامجه على خطى الجهات الممولة، لدافع عنه بمنتهى القوة والشراسة كل المموَّلين من الخارج، ولفرضوا موضوعه قبل جزيرتى تيران وصنافير، وقبل قضية سدّ إثيوبيا، وقبل العملية الإرهابية فى نيس، وقبل الانقلاب فى تركيا!
وأما أغرب غرائب قضيته فهى بسبب أنه يمكن تصنيف نشاطه العام من ناحية الجوهر فى خانة تلبية، أو الاتفاق مع، نداء تجديد الفكر الدينى الذى رفعه الرئيس منذ عامين، كما أن رموز المؤسسات الدينية يقولون إنهم يؤيدون النداء، أى أنه بالمنطق كان ينبغى أن يُرحبوا به فى صفوفهم، ولكنهم، على العكس تماما، هاجموه ووجهوا له التهم وسعوا إلى إدانته وحبسه بسبب اجتهاده فى الشعار المرفوع، كما أن أحدا منهم لم يبذل جهدا يثبت فيه أن بحيرى متعارض مع النداء، ولم يفسر أحدهم كيف يكون الحبس عقاباً له حتى إذا كان أخطأ فى الاجتهاد.
تعصف الأفكار والمعانى بذهن الباحث وتؤرق حياته فى الدرس والتمحيص، وقلما يصل إلى ما يطمئنه تماما، ولكنه يسعد بالقليل الذى اقتنع به، ويرى أن واجبه أن يشيعه فى الناس، علّ الحوار يتطور إلى ما يضرب فى جدار الخرافة والشعوذة، بإضافة صحيح أو بنفى باطل. ولكن كل هذا لا يمكن له أن يتحقق إلا فى مناخ تسود فيه حريات العقيدة والفكر والرأى والتعبير والبحث العلمي. وكان من أحلام الخارجين فى الثورة أن تتوافر لهم هذه الظروف.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب رابط دائم: