رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

محمد عبيد وشهداء مصر والسودان المنسيون

يتقاطع التاريخ مع الأحداث فى عامنا هذا 2016، فلقد مضى منه ما يزيد على نصفه دون تنبه كبير لما بنصفه الأخير من دلالات تاريخية، وما تلقيه على السياسيين من واجبات. فالذكرى الستون لتأميم قناة السويس تأتى فى 26 يوليو 1956. نردد جميعاً أن قناة السويس قد شقت بدماء وأيادى المصريين. والواجب يحتم الحفاظ على ذكرى تضحيات اقتربت فى حجمها من مأساة قومية متكاملة كانت هى الثمن الباهظ الذى دفعه شعب مصر. وقد بدأ هذا الثمن بالسخرة التى تعرض لها مئات الآلاف من المصريين فى شق القناة. والسخرة هى الاسم المهذب لعبودية مئات الآلاف من جدودنا حفاة الفلاحين المصريين، من قرى الدلتا لأعماق الصعيد إلى منطقة القناة يحفرون الأرض نهاراً وينامون فى (الطل) بجلاليبهم الزرقاء ليلاً بلا مقابل مئات الآلاف يسوقهم أجانب يمثلون ملاك أسهم القناة المصرية، يعيشون فى باريس ولندن وروما.

فى سنة 1949 استشعرت لجنة صغيرة واجبا كبيرا فأطلقت على نفسها اسم لجنة تأميم قناة السويس؛ نتذكر من أسمائها أحمد حسين، أحمد الرفاعي، زكى مراد، سعد زغلول فؤاد وسيدة «مصرية هى (أسما حليم). اختفت اللجنة الصغيرة ولكن صدى النداء انتقل إلى مصرى آخر هو جمال عبد الناصر حسين الذى دفعته الأقدار وإرادة المصريين لقيادة البلاد. أمم عبد الناصر قناة السويس »باسم الأمة شركة مساهمة مصرية» وأعاد الحق إلى نصابه، فامتدت الزلازل إلى لندن وباريس. وتحول عبد الناصر إلى بطل تاريخى بما تتابع من عناد المصريين وتلاحمهم على ضفاف القناة وفى خلجان بحيرة المنزلة ثم انتصارهم على عدوان إسرائيل وبريطانيا العظمى وفرنسا ذات الإمبراطورية.

تحل ذكرى تأميم قناة السويس بينما جيش مصر يلعب الآن دوراً تاريخياً فريداً فى الشرق الأوسط مدافعاً عن الدولة المصرية، ملتحماً بالشعب فى لحظة دقيقة كتلك التى جابهت المصريين عام 1881 و1882 والتى عرفت باسم الثورة العرابية. كانت الثورة العرابية هى مدخل الشعب المصرى للمشاركة فى حقوق حكم وثروة بلاده. وكانت أيضاً حدثاً دولياً كبيراً لا يشابهه فى دقته إلا ما يحدث اليوم. فثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو والدور الخالد للقوات المسلحة هو امتداد لثورة العرابيين وحكمتهم ورغبتهم فى الاستقلال والحرية والتقدم، والتخلص من بقايا سطوة رجال الدين فى الأستانة.

ويعرف الكثيرون الاسم الخالد لأحمد عرابي، ولكن الكثيرين لا يعرفون اسم البطل محمد عبيد وهو قائد ثورى كبير، كان جندياً مخلصاً لأحمد عرابى متمرداً على حكم الخديوى توفيق، داعياً لإقامة الجمهورية. المعروف عن الحياة الشخصية لمحمد عبيد قليل وهناك تضارب هل كان مصرياً سودانياً أى من أب مصرى وأم سودانية؟ هناك مأثرة تاريخية لمحمد عبيد عام 1881. ففى خضم أحداث الثورة العرابية تآمر الخديوى توفيق ومن معه على قيادات جيش مصر من الفلاحين كما كانوا يسمونهم ودعوا ثلاثة منهم لاجتماع للتفاوض فى ثكنات قصر النيل.

ذهب عرابى ومعه عبد العال حلمى وعلى فهمى إلى الثكنات. كان عرابى وزملاؤه يطالبون بحق أبناء الفلاحين بالترقى والعلاوة، وألا يتجاوزهم من هم أقل منهم من الأتراك الذين لا يتحدثون العربية. كان عرابى أيضاً يطالب بمجلس للنواب وما إلى غير ذلك. فوجئ الثوار المصريون الثلاثة بكمين عظيم فقد أحاطتهم صفوف من الضباط الشراكسة تنزع سلاحهم وتعتقلهم وتتوغل فى سبابهم وأهانتهم (يا فلاحين). إلا أن القدر كان يخبئ لهم البطل محمد عبيد. فقد علم الضابط الصغير المتأثر بأفكار الثورة الفرنسية بما حدث لقائده عرابى ورفاقه، فجمع جنوده وأورطته وتحرك عبر القاهرة واقتحم ثكنات قصر النيل، وأنقذ عرابى ورفاقه فى مشهد عنيد عنيف باسل لن ينساه التاريخ طالما هناك وطنية فى مصر. وصل المشهد إلى ذروته، فلقد رفض عرابى إيقاع أى أذى بمن غدروا بهم. وكأنما كان التاريخ قد أعد مشهداً يظهر أن فلاحى مصر الحفاة هم نبلاء البلاد الحقيقيون.

المأثرة الثانية لمحمد عبيد كانت فى التل الكبير عام 1882. فلقد تآمر العالم على الثورة العرابية؛ فغزت انجلترا البلاد وهزم جيش مصر الداعى لتحررها وللجمهورية فى ربوعها فى التل الكبير فى مشهد هائل أوقف الزمن وخلع قلوب أشد الثوار بسالة. فلقد تشتت العرابيون مهزومين إلا محمد عبيد. جمع محمد عبيد جنوده وأبى إلا أن يكون جديرا بمصر حياة وقتالاً. فخاض معركة مصر الأخيرة رمزا عظيما على تخوم القاهرة ففنيت الأورطة السودانية بمصرييها وسودانييها عن بكرة أبيها، ولم يعثر لمحمد عبيد أبداً على جثمان. وحتى يومنا هذا لا يوجد أى نصب تذكارى لجنود مصر الذين استشهدوا دفاعا عنها قبل أن تتحول إلى مستعمرة بريطانية.

فقليلة هى البلدان التى قاومت غزوها ببريطانيا بجيش نظامي، ونادرة هى البلاد التى كان بها مجلس لشورى النواب قبل غزوها ولكن مصر كانت. لم يتذكر محمد عبيد إلا شاعر مصر العظيم فؤاد حداد. ولكن.. ألا يستحق محمد عبيد ورجاله أن نعلى مأثرتهم الخالدة؟! إن مصر اليوم تخوض معركة استعادة السيادة الوطنية، فهل ترى يجب أن تحمل دفعات معاهد الحربية المصرية فى عام 2016 اسم دفعه (البطل محمد عبيد والأورطة المصرية السودانية).

لقد كان عام 1956 أيضا هو العام ذاته الذى تكونت فيه الجمهورية فى السودان. تلك الجمهورية التى احتضنت الرئيس جمال عبد الناصر عندما تآمر العالم على مصر 1967. واختار جمال عبد الناصر الخرطوم لانعقاد أول مؤتمر قمة عربى بعد النكسة لأنه كان يثق أن مواقف السودانيين متطابقة مع مواقف المصريين. وكانت زيارة عبد الناصر للخرطوم هى أول زيارة للزعيم التاريخى لدولة خارج مصر بعد 1967. وكان السودانيون كما عهدتهم مصر، فاستقبل السودانيون ابن مصر والسودان جمال عبد الناصر واحتضنوه فى حدث تاريخى لا مثيل له. احتضنت السودان أيضا كليات الحرب المصرية إبان حرب الاستنزاف.

إن أشقاءنا السودانيين يعتبون علينا دوماً أنهم فى السودان يقدرون كل ما هو مصرى ولكن منهم من يعتقد أن العكس ليس صحيحا. إن إصدار وسام رفيع بأسم وسام (البطل محمد عبيد والأورطة المصرية السودانية) هو إجراء عملى آن أوانه.


لمزيد من مقالات د‏.‏ حازم الرفاعي

رابط دائم: