رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فى كرة القدم 1+1 لايساوى 2
المتعة كانت هناك فى كأس الأمم الأوروبية لمن يراها ..!

بعد كل بطولة كبيرة فى كرة القدم تخرج تحليلات ، وآراء فى سياق التقييم والنقد . ويتعامل كثيرون مع اللعبة على أنها معادلة حسابية . وهذا غير دقيق ، ففى كرة القدم 1+ 1 لايساوى 2 .. ومن ذلك أن البرتغال ليست أقوى منتخبات كأس الأمم الأوروبية ولكنها فازت باللقب . وان الفرق التى كانت مرشحة كلها خرجت من السباق ، مثل ألمانيا ، وإيطاليا ، وإسبانيا ، وبلجيكا ثم فرنسا .. وكذلك توارت كل طرق اللعب الحديثة بمشتقاتها المختلفة ، بجانب استدعاء منتخبات ألمانيا وإيطاليا وويلز لطريقة لعب 3/5/2 التى كانت صيحة طرق اللعب فى الثمانينيات من القرن الماضى .. وتتجلى الإثارة فى تلك اللعبة الجميلة بالمفاجأت ، ففوز البرتغال مفاجأة ، ولو كانت فرنسا هى البطلة ما أثيرت كل الضجة التى فجرها فوز الفريق البرتغالى .. لكن هل بخروج إسبانيا المبكر سقط فعلا أسلوب «تيكى تاكا» الذى كان ظاهرة العقد الأول من القرن الحادى والعشرين ؟ وهل غابت المتعة عن تلك البطولة ؟!

لقد تغير تعريف « المتعة « فى كرة القدم .. وهو يتغير كلما زادت درجة التعقيدات فى اللعب من طرق دفاعية ، وضيق مساحات، وسرعات عالية ، وقوة بدنية ، وعنف فى الإلتحامات .. وقد اختصر الكاتب والأديب جون لانشستر القصة كلها حين كتب فى مجلة ناشيونال جيوجرافيك : « إن كرة القدم الجيدة لعبة صعبة ، وكرة القدم الجيدة لعبة جميلة ، وكلاهما الصعوبة والجمال مرتبطان . وترى الصعوبة فى التكتيك الجماعى المطبق بمنتهى الدقة وحين ترى هذا التكتيك الجماعى الصعب يطبق بمهارة وفن يزداد الإعجاب ..» ..

متعة إيطاليا وألمانيا ..

وفى كأس أوروبا الأخيرة قدمت إيطاليا أسلوبا دفاعيا رشيقا فى التحول من موقف الدفاع إلى الهجوم .. فكان الفريق يهاجم بسرعة بأربعة مهاجمين ، ويعتمد على الهجوم من الطرفين . ولم يتخل الفريق الإيطالى عن فلسفة اللعبة التى إبتدعها هيلينو هيريرا فى الستينيات من القرن الماضى وهى الكاتناتشيو ، لكن أنطونيو كونتى المدير الفنى طورها كثيرا ، وكان أداء وأسلوب المنتخب الإيطالى ممتعا ..

فى المقابل كان أداء منتخب ألمانيا فى هذه البطولة مصبوغا بالمتعة أيضا، والفريق يقدم كرة رفيعة المستوى منذ عام مونديال جنوب إفريقيا 2010 فالألمان يهاجمون بسبعة لاعبين ويدافعون بثمانية لاعبين ويتبادلون مراكزهم كما يتبادلون الكرة ، ويشكل خط وسطهم قوة هجومية ، فكانت الكثير من الفرص يصنعها مسعود أوزيل وموللر وجوتزة وكروس ودراكسلر وغيرهم ..وأداء ألمانيا هو بمثابة تطوير لأسلوب تيكى تاكا الإسبانى .. والسلاح الأول فى التطوير هو اللياقة البدنية الفائقة التى تسمح ببناء قدرات هجومية ومثلها دفاعية .. وقد باتت كرة القدم الجديدة تعتمد على التمرير والتحرك وتبادل المراكز والكرة فى حركة جماعية مستمرة بجانب المهارات الفردية ..

وفى أداء ألمانيا متعة . كما فى أداء أتلتيكو مدريد وليستر سيتى متعة .

وهذا من أوجه الجمال فى كرة القدم . أن تتنوع أساليب اللعب ، وتتشكل النجوم ، وتتغير السيناريوهات ، والنهايات ، وتعيش فى كل لحظة المفاجأت .. ألم تكن تشعر بالمتعة وأنت تشاهد أتلتيكو أو ليستر ؟

ريال مدريد أبيض واسود

وقد كان ريال مدريد هو الفريق الأول عالميا فى القرن العشرين ، وكان يستخدم بجيله الذهبى دى ستيفانو وبوشكاش وخنتو وديل سول ، التمرير وتبادل المراكز . كان يلعب « تيكى تاكا « البطيئة ، أبيض واسود . ولو راجعتم شريط مباراة الزمالك مع ريال مدريد فى القاهرة خلال الستينيات سترون كيف كان المدريديون يتبادلون الكرة والمراكز وكانوا يفعلون ذلك فى الثلث الأخير من الملعب ....

لكن برشلونة فى إطار تطويره للإسلوب ، جعل التمرير وتبادل الكرة والمراكز هدفا فى حد ذاته لإنهاك الخصم ، ومارس الإسلوب على مساحة الملعب كله .. إذ يمتلك برشلونة الكرة كثيرا ويتبادلها ويتناقلها ، ويدخل بها مرمى الخصم ويسجل ليستر سيتى هدفا من ثلاث تمريرات ، ويعتمد على سرعات لاعبيه . وفى الحالتين تشدك كرة القدم .. تنتظر طويلا هدف برشلونة الذى تتوقعه . ولاتتوقع هدفا من ليستر سيتى ، وتراه يهاجم ، ويهاجم ، ثم يسجل ، ويمتعك ذلك .. وألمانيا ذاتها لعبت بأسلوب تيكى تاكا أكثر تطورا .. فلامات الإسلوب لأن البرتغال فازت باللقب ، ولا أصبح الدفاع خيارا جميلا دائما لمجرد أن إيطاليا أتقنته وأن البرتغال توجت به بأول بطولة ..وفى أحيان يتفوق إسلوب تيكى تاكا أمام عجز الفرق المنافسة على مواجهته كما حدث بين برشلونة وريال مدريد تحت قيادة مورينيو ، بينما عجز برشلونة عن هزيمة ريال مدريد زيدان فى أحيان أخرى لبراعة الريال فى مواجهة إسلوب برشلونة ..

دفاع بولندا وفرنسا

وأذكر هنا أن من أهم أساليب الدفاع فى الأمم الأوروبية ماقدمه منتخب بولندا أمام ألمانيا ثم ماقدمه منتخب فرنسا أمام ألمانيا أيضا . فقد أدرك المدربان المنافسان للألمانى لوف أن خطورة الألمان تكمن فى دخول المنطقة بعدد كبير من لاعبى الوسط ، خمسة وربما أكثر .. فضيق الفريقان بولندا وفرنسا المساحات داخل الصندوق ، فلم يكن دفاع منطقة من منتصف الملعب ، لأنه يمكن إختراقه بالتحركات والمهارات والسرعات الألمانية ، وفى هاتين المباراتين تحديدا سقط مايسمى بدفاع المنطقة .. لكن التراجع إلى الصندوق يشكل خطورة فائقة على أى فريق يفقد فيه مدافع واحد تركيزه ..

زمن ميسى ورونالدو

إذن مهم جدا أن يتعامل النقاد والخبراء والمحللون مع متغيرات كرة القدم كى يتذوقون أوجه الجمال فى اللعبة .. ففى زمن المساحات كانت المهارة الفردية تتجلى ، و تعبر عن إيقاع العصر وعن طبيعة اللعبة . ثم تطورت كرة القدم واليوم علت قيمة المهارة الجماعية ، وندرت المهارة الفردية . ففى وقت من الأوقات كان عالم كرة القدم عامرا بالمواهب .. بيليه ، دى ستيفانو ، بوشكاش ، بوبى شارلتون ، بيكنباور ، كرويف ، جورج بست ، جارينشا ، فافا ، ديدى .. ومع الوقت كان دور الفريق يكبر وتقل ظاهرة اللاعب الفرد صاحب المواهب الخارقة والعبقرية ..حتى أصبح العالم الأن يتصارعه ميسى ورونالدو .. ومع ذلك لاتتوقف المقارنات بينهما مع أن مهارة ميسى تختلف عن مهارة رونالدو ..

ميسى يبتكر ، ويبدع ، وينتصر غالبا فى كل صراع على الكرة بأى مكان بالملعب .. ينتصر فى أضيق مساحة . ينتصر برفق . بوداعة .وهو ليس مجرد عضلات تحقق الأرقام . كما يفعل رونالدو . وهو ليس قطار سريع ، يملك السرعة والقوة كما يملك رونالدو . وميسى جزء فى ألة برشلونة ، التى تنتج القماش . بينما رونالدو هو الخطوة الأخيرة التى تنتهى بصباغة قماش ريال مدريد ..

ميسى يمر من خصمه ، ويضحك عليه ، ويمر كأن هذا الخصم لايراه . ورونالدولابد أن يسبق خصمه كى يمر منه . ميسى رسام بالقدم . ورونالدو مطرقة فى القدم . . ميسى هو اللاعب نحن . ورونالو هو اللاعب أنا .. هكذا أقارن بين النجمين .. فيما تقتصر كل المقارنات على الأرقام . كم هدفا سجل هذا وكم بطولة فاز بها هذا .. ويقال اليوم إن رونالدو انتصر على ميسى بعد فوزه بكوبا أوروبا بينما ميسى خسر المنافسة لأنه خسر كوبا أمريكا ؟!

هدفان صورة طبق الأصل ..

لاتصلح تلك المقارنات . ولايمكن مقارنة لاعب فى زمن بلاعب فى زمن آخر . لايمكن مقارنة بيليه ومارادونا ، ولا حتى ميسى مع مارادونا .. مع أنهما فى معظم المهارات صورة طبق الأصل تقريبا ..

يوم 19 إبريل 2007 .. فى مباراة برشلونة وخيتافى فى كاس الملك راوغ ميسى أربعة لاعبين ثم حارس المرمى من منتصف الملعب . راوغ بارديس ، وناشو ، وأليكس ، وبلينجوير مرتين ، وحارس المرمى لويس جارسيا . ولمس ميسى الكرة 13 مرة ، وقطع مسافة قدرها 55 مترا فى زمن قدره 11.10 ثانية . فكان صورة طبق الأصل من هدف العبقرى دييجو مارادونا فى مرمى إنجلترا . ففى يوم 22 يونيو 1986 راوغ النجم الأرجنتينى كل من ريد ، وبيردسلى ، وبتشر مرتين ، وفينويك ، ثم حارس المرمى بيتر شيلتون . ولمس مارادونا الكرة 13 مرة ، وقطع مسافة قدرها 53.5 مترا ، فى زمن قدره 10،89 ثانية . وبالطبع هناك فارق بين تسجيل هدف بهذه الصورة فى مرمى خيتافى فى كأس إسبانيا ، وبين تسجيل هدف مماثل فى كاس العالم فى مرمى إنجلترا . لكن ليونيل ميسى دخل بهذا الهدف قائمة أصحاب الأهداف التاريخية الرائعة فى كرة القدم ، من نوع هدف زين الدين زيدان فى مرمى بايرليفركوزون فى نهائى أوروبا ، وهدف بيليه فى مرمى تشيكوسلوفاكيا بكأس العالم . وهدف ماركو فان باستن فى مرمى روسيا فى نهائى أوروبا ، وهدف بوبى شارلتون فى مرمى المكسيك بكأس العالم ، وهدف سعيد العويران فى مرمى بلجيكا فى كاس العالم .

لكن هناك سؤال مهم يشرح معنى عبقرية لاعب .. وهو هل سجل ليونيل ميسى هذا الهدف الرائع بقرار مسبق اتخذه منذ اللحظة الأولى .. هل قرر أن يراوغ ويتوجه نحو مرمى خيتافى مباشرة من منتصف الملعب .. ام أن تلك الثوان كانت وليدة الفطرة ؟!

أترك الكرة إلى ميسى كى يجيب على السؤال : «تسلمت الكرة ورأيت مساحة أمامى فتحركت إليها كما أفعل دائما . ثم رأيت زميلى صمويل إيتو فى موقع متميز ، لكنه كان مراقبا بلاعبين . فقررت أن أنطلق بنفسى نحو المرمى»..

ومن المواجهة فى كرة القدم بين جماعة وجماعة أخرى يأتى الشغف وتأتى المتعة ، ففى الصراع الجماعى فوق البساط الأخضر الكثير من أوجه الجمال، فالمساندة والمعاونة ، وروح الفريق ، والتحركات المرسومة والمحسوبة ، تشد انظار المتفرجين وتحبس أنفاسهم .. لكن تبقى موهبة الفرد وتميزها عملا خلابا .. ففى تلك الحظة يبدو الفرد هنا فارسا منقذا وبطلا وقائدا للمجموع !

وربما تلك واحدة من اللحظات وواحدة من المباريات التى تؤكد فيها كرة القدم أن موهبة الفرد تثير الإعجاب والاحترام حين تنتصر على الجماعة ، وأن الإبداع الفردى له موقعه الدائم فى تلك اللعبة الجماعية ..!


لمزيد من مقالات حسن المستكاوى

رابط دائم: