رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رؤيتي لـ «القرن الحادى والعشــرين» (134)
ابن رشد فى أبو ظبى

اتسمت الدورة السادسة والعشرون للمعرض الدولى للكتاب الذى عقدته أبو ظبى فى مايو من هذا العام بميزتين: الميزة الأولى أن شعار المعرض كان اسم الفيلسوف الاسلامى العظيم ابن رشد. والميزة الثانية أن ايطاليا كانت ضيف شرف على المعرض.

والسؤال اذن:

لماذا ابن رشد؟ ولماذا ايطاليا؟

فى 11/5/2008 شاركت فى ندوة أقيمت فى أبو ظبى تحت عنوان “ رائد التنوير ابن رشد” مع البروفيسير الاسبانى خوسيب بويغ مونتادا أستاذ الدراسات العربية والاسلامية بجامعة مدريد وبحضور سفراء دول عربية وغربية. وكان عنوان محاضرته “علاقة ابن رشد بدولة الموحدين” التى أسسها ابن تومرت فى عام 1129 فى الأندلس. وبعد أن تولى الخلافة أبو يعقوب يوسف (1163-1184) طلب من الفيلسوف ابن طفيل شرح ما غمض من عبارات الفيلسوف اليونانى أرسطو فأوكل هذه المهمة إلى ابن رشد ووافق الخليفة. ومع ذلك حدثت أزمة بين ابن رشد والخليفة المنصور ابن أبى يعقوب يوسف.

والسؤال اذن: ما سمة هذه الأزمة؟

جواب بويغ أن الأزمة مردودة إلى أن ابن رشد كان ناشطاً فى دولة الموحدين، ولكنه لم يكن جزءاً من تكوينها العقائدى، إذ كان ابن تومرت مؤسس الدولة يتبع الأشعرية التى تقف عند حد المعنى الظاهر للنص الدينى دون أن تتجاوزه إلى المعنى الباطن الكامن فى النص، ولهذا كانت تشترط الإجماع فى التشريع. أما ابن رشد فكان على الضد من ذلك.

أما جوابى فقد جاء على النحو الآتى:

الأزمة مردودة إلى سببين: السبب الأول مفهوم ابن رشد عن التأويل، إذ جاء على غير الشائع والمألوف، إذ يعرفه بأنه “ إخراج اللفظ من دلالته الحقيقية (أى الحسية) إلى دلالته المجازية”. وبناء عليه قسم الشريعة إلى ظاهر وباطن، والباطن يخضع للتأويل، ومع التأويل لا اجماع، ومن ثم لا تكفير. ومن هنا جاء اكتشافى لمغزى عنوان كتاب ابن رشد “ فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال” وهو قولى بأن “ الحكمة (الفلسفة) هى الشريعة مؤولة”. ولا أدل على سلامة قولى من تقرير ابن رشد أن الحكيم يخل بالشريعة إذا أفصح عن تأويلاته لها خارج كتب البرهان. وفى هذا السياق هاجم ابن رشد المتكلمين وفى مقدمتهم الأشعرية التى تناولها بالتحليل والنقد فى ثلاثة من مؤلفاته “ فصل المقال” و“ مناهج الأدلة” و“ تهافت التهافت”. قال عنها فى مؤلفه الأول “ إن طرقهم التى سلكوها فى اثبات تأويلاتهم ليسوا فيها لا مع الجمهور ولا مع الخواص لكونها – إذا تؤملت- وجدت ناقصة من شرائط البرهان، ولا هى مع ذلك مما يفهمه جمهور الناس، بل كثير من الأصول التى بنت عليها الأشعرية معارفها هى سوفسطائية”. ونصوص عديدة من قبيل هذا النص كفيلة بأن تُكتل المتكلمين وتدفعهم إلى وضع خطة تآمرية للاطاحة بابن رشد، وقد كان إذ أُحرقت مؤلفاته واتهم بالكفر ثم نفاه الخليفة المنصور إلى قرية أليسانه المسكونة باليهود. ومن هنا أذاع أعداؤه أنه يهودى وليس مسلماً، وأنه ينسب إلى بنى اسرائيل.

هذا جوابى عن السؤال الأول: لماذا ابن رشد؟

أما عن جوابى عن السؤال الثانى: لماذا ايطاليا؟

دُفنت الفلسفة الاسلامية فى نهاية القرن الثانى عشر بقرار سياسى من الخليفة المنصور، ولكنها بُعثت إلى الحياة فى فرنسا وايطاليا بمرسوم سياسى من فردريك الثانى ( 1197- 1250) ملك نابولى وصقلية فترجمت مؤلفات ابن رشد إلى اللاتينية والعبرية. وإثر ذلك شاع فى فرنسا وايطاليا تيار فلسفى اسمه “ الرشدية اللاتينية” لمقاومة السلطة الدينية المدعومة من كبار الاقطاعيين وذلك فى مواجهة الطبقة الصاعدة وهى طبقة التجار. وقد نشأ عن هذه المقاومة بفضل الرشدية اللاتينية عصر النهضة وعصر الاصلاح الدينى فى القرن السادس عشر وعصر التنوير فى القرن الثامن عشر.

وإثر الانتهاء من القاء بحث بويغ وبحثى دار الحوار بين السفراء المشاركين وما ورد فى البحثين. قال سفير المغرب عبد القادر زاوى “ إن تنظيم هذه الندوة الفكرية يؤكد أن فكر ابن رشد لم يكن جسراً بين العرب والغرب فحسب إنما كان حلقة وصل بين الحضارة اليونانية والحضارة العربية والاسلامية أولاً وبين الحضارة العربية والاسلامية والحضارة الأوروبية ثانياً. وتأسيساً على ذلك يمكن القول إن الحضارة العربية الاسلامية متجسدة فى الحضارة الانسانية”. ودعا السفير الاسبانى مانويل بينييرو إلى تدعيم اللجنة المشتركة بين المغرب واسبانيا لدراسة ابن رشد لتكون إطاراً بين مفكرى البلدين.

وقبل مغادرة القاعة همس فى أذنى أحد السفراء العرب قائلاً: “ إن مشروعك الرشدى ليس أمراً سهلاً، إذ هو فى حاجة إلى أزمنة هذا إذا حدث”.

لمزيد من مقالات مراد وهبة

رابط دائم: