رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
فى تاريخ الانسانية عديد من التجارب الروحية التى تعكس محاولات الإنسان لتلبية نوازع نفس تهفو للتسامى والتقرب من الذات الإلهية والوصول لحالة الصفاء الروحى والخشوع . ورغم تعدد هذه التجارب واختلاف اساليبها وتداعياتها, فلا تزال الحالة الصوفية أكثر إثارة للجدل والحيرة ليس فقط من حيث سمو الغاية واختلاف الوسيلة باعتبارها محاولة استجلاء معرفى للحقيقة تقوم على أساس من الربط بين المعرفة ومختلف النشاطات التى يسلكها الإنسان فى علاقته بالعالم، مما يجعلها تجربة معرفية وحياتية فى آن واحد بل أيضا لما ارتبط بها من أقوال وأحيانا بدع وما مثلته من تداعيات فكرية وثقافية ومحاولة توظيفها سياسيا.. ويصف د. نصر حامد أبو زيد التجربة الصوفية بأنها فى جوهرها محاولة لتجاوز حدود التجربة الدينية العادية التى تقنع بالعادى والمألوف من مظاهر التصديق والإيمان وتقتصر على مجرد الوفاء بالتكاليف الشرعية والامتناع عن المحرمات الدينية أو ما يسمى الوفاء بمتطلبات الشريعة والوقوف عند حدودها ورسومها، فيطمح الصوفى إلى تجاوز حدود الإيمان للدخول فى تخوم الإحسان التى شرحها جبريل للنبى (صلى الله عليه وسلم) حين ظهر له فى صورة أعرابى وأجاب عن أسئلته عن الإيمان و الإحسان قائلا» أن تؤمن بالله وملائكته ورسله، وأن تؤمن باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، و أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». وما بين حالة صوفية تسمو فيها الروح وتتجلى فيها اشراقات النفس وجهاد طويل بأمل الوصول الى معرفة الله والتواصل المباشر معه واستجلاء المعنى فيما جاء على لسان رسوله( صلى الله عليه وسلم) ومابين البدع الشاذة الخارجة عن صحيح الدين أو انبهار بعض المستشرقين بالتجربة الصوفية أو التعامل معها من منظور غرائبى يكرس لكل الخيالات والتهويمات الغربية حول الشرق باتت الصوفية فى نظر الكثيرين وكأنها نقيض للإسلام والتبست الصور وحملت النصوص الصوفية بهواجس وتخريجات خرجت بها فضاءاتها مما أدى الى اهدار تراث فكرى وأدبى تعددت فيه مستويات المعنى واللغة ومساحات الخيال وإيماءات الرمز ودلالاته وتجاهل ميراث هائل من ابداعات اصحاب الرؤى المتعطشة الى استجلاء المعانى والوصول لحالة نورانية تشف فيها النفس وتترسم هدى النبى وسير الصحابة والعارفين بالله ممن جاءت افعالهم وأقوالهم متسقة مع جوهر الاسلام ومبادئه. وعلى الرغم من أن المتصوفة فرقة دينية فى الأساس إلا أن الدور الذى لعبوه فى المجتمع المصرى سياسيا واقتصاديا وفكريا لا يمكن تجاهله منذ وفد إلى مصر أبو ذر الغفارى ومن بعده ثوبان بن إبراهيم المُكنى بذى النون المصرى الذى أقام باخميم إلى أن توفى سنة 245 من الهجرة. وطبقا لما يؤكده كل من الكندى والمقريزى وغيرهما؛ فإن أول ظهور لطوائف الصوفية المصرية على الساحة السياسية كان فى نهاية القرن الثانى للهجرة حين ظهرت فى الإسكندرية (سنة 198هـ - 813م) أول جماعة للصوفية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ومثلما وجد الوجدان الشعبى المصرى فى الصوفية المزيج السحرى للجمع بين النزعات الروحية والصبر والاحتفاء بالطقوس والتعامل مع جدلية الموت والحياة عكس الأدب قديما وحديثا تراث التجربة الصوفية ومدى ارتباطها بحياة الناس سواء بمستوياتها النفسية أم عبر ممارسات و طقوس ترددت أصداؤها فى عدد من الاعمال الروائية و الشعرية منذ فرق ذو النون المصرى الأب الحقيقى للتصوف بين المعرفة الصوفية التى تقوم على القلب والكشف والمشاهدة، أو بتعبير الناقد الكبير د. شوقى ضيف بأنها معرفة باطنة تقوم على الإدراك الحدسي، ولها أحوال ومقامات وتختلف عن المعرفة العلمية والفلسفية التى تقوم على الفكر والمنطق، أو عندما عبرابن العربى عن الوحدة الوجودية بين العارف والذات الربانية عن طريق امتزاجهما فى بوتقة عرفانية تتجاوز ثنائية الوجود: ابن الفارض المصرى الذى عاش ما بين القرن السادس والسابع الهجرى وتأثر بالتجربة الصوفية للسهروردي: وصولا لأعمال نجيب محفوظ ويحيى حقى وجمال الغيطانى وأحمد الشهاوى وغيرهم. وتشير الباحثة فاطمة محمود أحمد عثمان فى دراستها «توظيف الصوفية فى الرواية المصرية» إلى أن التجربة الصوفية والتجربة الأدبية كلتاهما تلتقيان عند المنبع؛ وهو الروح والوجدان والشعور، أما الغايات فقد تتفق وقد تختلف مثلما يختلف توظيف الصوفية فى الشعر عنه فى الرواية..وللحديث بقية لمزيد من مقالات سناء صليحة