رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

فيلم مهم يحلل ظاهرة انهيار الاقتصاد الأمريكى فى 2007
«ذى بيج شورت» قضية صعبة الهضم فى قالب سينمائى جذاب

بهاء الدين يوسف
إذا كان هدفك من مشاهدة فيلم ما هو قضاء وقت لطيف والاستمتاع بمشاهدة مسلية، فلن يكون فيلم “ذي بيج شورت” هو هدفك بالتأكيد، لكن إذا كنت تبحث عن فيلم يناقش قضايا جادة تمنحك نظرة متعمقة لأحداث سياسية أو اقتصادية وقعت في وقت سابق، فسوف يكون رأيك في الفيلم يشبه رأي رابطة منتجي السينما الأمريكية الذين صوتوا له كأفضل فيلم انتجته هوليوود في العام المنتهي.

قصة الفيلم المأخوذة من دراسة اقتصادية لمايكل لويس صدرت في كتاب عام 2010 تحمل نفس الاسم، تحكي بعمق شديد قد لا يناسب المشاهد العادي الازمة المالية العالمية التي هزت الاقتصاد الغربي ومن ثم العالمي عام 2007، بعدما بدأت شظاياها في أمريكا نتيجة ما يعرف في أوساط الاقتصاديين بفقاعة الائتمان.

بداية الأزمة كما رصدتها أحداث الفيلم التقطها مايكل بوري العبقري الاقتصادي، وهو شخصية حقيقية جسدها في الفيلم الممثل كريستيان بيل بطل سلسلة أفلام الرجل الوطواط بامتياز استحق عنه ترشيحه لجائزة أوسكار أحسن ممثل مساعد.

يكتشف مايكل أن قروض الرهن العقاري التي انتشرت بشكل مخيف في أمريكا في بداية الألفية الحالية ليست سوى فقاعة اقتصادية غير مستقرة، وأن البنوك تعيد جدولة أغلب القروض أو بيعها في السوق مرة أخرى في صورة سندات مالية لتجني أرباحا خيالية دون تنبيه صغار المستثمرين للمخاطر المحتملة جراء تعثر المقترضين عن السداد.

بناء على تحليله للوضع يقرر بوري أن سوق الرهن العقاري ستنهار تماما في الربع الثالث من عام 2007، ويقرر الاستفادة من الوضع بالاستثمار فيما أطلق عليه «مقايضة الائتمان الافتراضي» او بعبارة أكثر بساطة يقرر الاستثمار ضد الحكومة الأمريكية.

هذا الأمر جلب له مشاكل سخرية العشرات من مديري البنوك والائتمان، وعرضّه لمشاكل عديدة لدرجة جعلته على حافة فقدان وظيفته خاصة أنه لم يكن يوجد مؤشر في ذلك الوقت من عام 2005 على أن سوق الرهن العقاري يمكن أن تنهار.

في نفس الوقت يتوصل جاريد فينيت (ريان كوسلينج) الموظف في دويتشه بنك الذي يعد من أكبر البنوك التي تستثمر في سوق الرهن العقاري، لنفس الحقيقة فيبدأ في إقناع مستثمر يهودي يدعى مارك بوم (ستيف كاريل بطل حلقات المكتب) بالاستثمار في مقايضة الائتمان الافتراضي ويعدد المكاسب التي ستعود عليه جراء ذلك مقابل حصوله شخصيا على 50 مليون دولار مكافأة.

تتناثر أخبار مايكل بوري ورهانه المجنون في السوق لتصل إلى مستثمرين صغيرين، ويتناقشان في احتمالاته مع صديقهما الخبير السابق في الأسواق المالية بن ريكرت (براد بيت) الذي يجري عدة أبحاث سوقية تؤكد ما وصل إليه مايكل، فيقرر الثلاثة المضي قدما للاستثمار ضد الحكومة.

تمر الشهور دون ان يحدث شيء ما يضع بوري وبوم والمستثمران الصغيران في مواقف صعبة، قبل أن تصدق التنبؤات وتبدأ سوق الرهن العقاري في الانهيار السريع، ويتمكن كل منهم من تحقيق ثروات خيالية من الاستثمار ضد الحكومة.

أبرز ما في الفيلم الأداء المدهش لكريستيان بيل في دور الدكتور مايكل بوري العبقري المجنون، حيث كشف من خلاله عن إمكانيات فنية هائلة لم يكن يستطيع تقديمها في دور الرجل الوطواط المعتمد بشكل أكبر على القدرات الجسدية.

وتفوق بيل على براد بيت الذي قدم دورا هامشيا في الاحداث، لكنه ترك بصمته الخاصة بحضوره الواثق وأدائه المتمكن لدور خبير الأسواق المالية غريب الأطوار.

أهمية براعة الممثلين تضاعفت بسبب أحداث الفيلم وتركيبة السيناريو والحوار التي جعلته أقرب للفيلم التسجيلي أكثر من كونه دراميا رغم اجتهاد المخرج آدم مكاي الذي شارك في كتابة السيناريو، لإضفاء خلفيات درامية للأبطال الرئيسيين كنوع من كسر رتابة السرد الاقتصادي الممل.

كذلك اجتهاده في وضع بعض اللمسات غير التقليدية على أحداث الفيلم، مثل المفارقات الكوميدية في بعض المشاهد، ومثل استعانته بعارضة مثيرة تشرح تفاصيل أزمة الرهن العقاري المتوقعة وهي تستحم عارية داخل مغطس خاص، فضلا عن لجوئه في مشاهد أخرى لتقنية برامج «تليفزيون الواقع» بخروج الممثل من المشهد الدرامي ليبدأ في التحدث للمشاهدين مباشرة.

كل ذلك لتفادي شعور المشاهد العادي بالملل من الإغراق المستفيض في تفاصيل اقتصادية غير مستساغة للعامة طوال أحداث الفيلم الذي تبلغ مدة عرضه على الشاشة 130 دقيقة (ساعتان و10 دقائق). هذا الجهد الواضح من آدم مكاي لتقليل الفجوة بين عرض تفاصيل القضية الخطيرة التي يتصدى لها، وبين استيعاب وتقبل الجمهور لها، ربما كان السبب الأساسي في ترشيحه لجائزة اوسكار أحسن إخراج متنافسا مع كل من جورج ميلر مخرج فيلم «ماد ماكس.. طريق غاضب» وليني ابراهامسون مخرج «غرفة» وغيرهما.

كما رشح السيناريو الذي شارك مكاي في كتابته مع تشارلز راندولف لنيل أوسكار أحسن سيناريو مقتبس، ليمثل الفيلم نقلة مهمة في حياة المخرج الذي لم يترشح من قبل لأي جائزة مهمة رغم غزارة عمله سواء كمخرج أو كاتب قصة وسيناريو أو حتى كمنتج، وحيث قدم خلال العام الماضي 2015 ستة أفلام دفعة واحدة بعضها كوميدي مثل «النوم مع أشخاص آخرين» بالإضافة إلى فيلمي «كن صلبا» و»بيت بابا» مع الممثل ويل فاريل، وبعضها الآخر من نوعية أفلام المغامرات مثل «الرجل النملة».

كما ذكرت من قبل نجح مكاي في تقديم عمل متكامل ببراعته فى المزج بين المعلومات والاحداث الوثائقية والدراما الإنسانية، كما رصد في الفيلم بعض سلبيات مجتمع المال والاعمال الأمريكي بشجاعة تحسب له، حيث قدم نماذج لموظفين يعملون في الهيئات الرقابية الأمريكية يفترض بهم مراقبة عمل البنوك وتقييم المخاطر التي تنتج عنها، بينما هم في الحقيقة لا يهتمون سوى بتوثيق علاقاتهم مع مدراء تلك البنوك لإيجاد فرص عمل لهم بأضعاف رواتبهم في الهيئات الرقابية، ومن ثم لا يمانعون في التعاون معهم بغض النظر عن أي مخاطر، أو حتى تقديم معلومات عن السوق لهم.

فضلا عن ذلك فقد تصدى الفيلم للكشف عن الفساد الضخم الذي يدار به الاقتصاد الأمريكي مما قاده إلى أزمة الرهن العقاري ومن غير المستبعد ان يقوده إلى أزمات أخرى مشابهة في المستقبل، لان الأساس الذي تدار به الامور فاسد.

في النهاية يمكن القول إن الفيلم يستحق ما ناله من إشادات سواء من المنتجين وصناع السينما الأميركية والتي تمثلت باختياره كأفضل فيلم أنتج في 2015 من قبل جمعية المنتجين، ثم ترشيحه لنيل 5 جوائز أوسكار نال منها واحدة عن أفضل سيناريو مقتبس، او من النقاد حيث حصد نسبة %88 في معدل الجودة الفنية على موقع روتن توماتوز النقدي، وهي نسبة مرتفعة جدا لم تنلها سوى أفلام قليلة في العام الماضي. الامر الغريب أن الفيلم حقق نجاحا جماهيريا مقبولا رغم تركيبته غير الشعبية، بحسب عوائد شباك التذاكر حيث تجاوزت ايراداته131 مليون دولار مقابل ميزانية متواضعة لم تتجاوز 28 مليون دولار.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق