رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أم حمزة وراء تسريبات الثانوية و«بخ» لوزير التعليم

مظاهرتان وحالتا انتحار شخَّصوا حالة التعليم المصرى وأتاحوا الفرصة الأخيرة للخلاص من نظامنا التعليمى العشوائى، ووضعوا مؤسسات الدولة وصانع القرار أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار فى حالة «شبه الدولة» وبالتالى استمرار مصر فى العتمة والتخلف مع سبق الإصرار، وإما نسف النظام التعليمى وتقديم تفويض جديد للرئيس السيسى لإنقاذ التعليم فى مصر يشبه نداء ٢٦ يوليو ٢٠١٣ضد الإرهاب، لإعادة بناء مؤسسات التعليم كما حددها الدستور ودحر شبكة المصالح المستفيدة من بقاء الوضع التعليمى المدمر لمستقبل الوطن !

المظاهرتان بينهما عام دراسى كامل، المظاهرة الأولى حدثت فى بداية العام حين طُلب من وزير التعليم جس نبض أطراف العملية التعليمية لمعرفة مدى شجاعتنا فى احتساب الحضور والغياب وأعمال السنة من الدرجات النهائية لتحقيق نوع من الانضباط فى المدارس، وتقليل الاعتماد على امتحان آخر السنة، وقتها اعتصم الطلاب واحتج الأهالى وغذى المظاهرات حيتان الدروس الخصوصية، فتراجع معالى الوزير، أما المظاهرة الثانية فكانت قبل الأسبوع الأخير من الامتحان حين عجزت الوزارة عن منع الغش والتسريب، وكانت الطامة الكبرى فى امتحان الفيزياء والديناميكا وتم تسريب الأسئلة والإجابات النموذجية، وتقرر إنقاذ ما تبقى من هيبة الدولة بتأجيل امتحان الجيولوجيا وأخواتها فاندلعت مظاهرات الطلاب والأهالى فى كل أنحاء المحافظات، ولو عدنا للمظاهرتين سنجد أن نفس الوجوه التى تظاهرت فى أول العام وأجهضت تجربة جس النبض هم الذين أصابهم الإحباط من تأجيل الامتحان وتهديد حلم الدرجات الأعلى !

كان من الطبيعى أن يتسبب نظام تعليمى هذه ملامحه فى إهدار 70 مليار جنيه من ميزانية الدولة إلى جيوب مافيا للدروس الخصوصية ويجلب الهم والأزمات القلبية للأهالى والرغبة فى الانتحار بين الطلاب منهم سارة راجح بنت قرية النواصر بإسنا التى انتحرت منذ شهر والطالبة ب ج من بسيون غربية حاولت الانتحار بسبب صعوبة الفيزياء، وأخيرا هدير بنت فاقوس شرقية، كما دفع النظام التعليمى نائبا فى البرلمان إلى التخاطب بألفاظ سوقية واتهم الوزير أنه «يقول كلاما منضبطا عن مسئوليته السياسية لكن النتيجة بخ»، وبدلا من الانعقاد الدائم للبرلمان وجلسات استماع وطلبات إحاطة واستجوابات لرئيس الوزراء لمواجهة كوارث الامتحانات فإن «برلمان الثورة» قرر شغل فاصل الجلسات بين إجازاته بجدل عقيم حول قانون التوقيت الصيفى ومناقشات لاقتراحات غير ملحة، مثل فرض ضرائب علي مواقع الفيسبوك وآخر لتحديدخطبة الجمعة بـ ٢٠دقيقة وثالث لاستبدال الغرامة المالية بتجنيد أبناء الأغنياء فى الجيش ورابع بالتهرب من الاستحقاق الدستورى باصدار قانون الاعلام الجديد والانزلاق وراء اقتراح مصطفى بكرى بتعديل المادة 68 فقط من قانون تنظيم الصحافة لإعادة تشكيل المجلس الأعلى بشكل غير دستورى لتبقى الارتباكات فى الصحافة القومية على ماهى عليه!

وإلى أن يعود البرلمان لممارسة دوره بالجدية المطلوبة منه فى هذه القضية الخطيرة، أقدم هذه القصة الواقعية لتحديدالمتهم الأول فى التسريبات وانحطاط التعليم والرياضة البدنية معا لعل مجلس التعليم والبحث العلمى برئاسة الجمهورية يلتفت إليه عند بدء أى خطة طموح تليق بتعليم مصر.. والحكاية أن أم حمزة لاحظت أن ابنها يتقدم بـ «العافية» فى التحصيل الدراسى رغم الدروس الخصوصية التى يحصل عليها، لكنه يقبل بحب وشغف على لعبة التايكوندو، ووصل الى المركز الثانى فى النادى، واستطاع رغم عدم اهتمام المدرب أن يمثل النادى فى بطولة الجمهورية، وفى أثناء البطولة التى تمتلئ فيها المدرجات عن آخرها بأهالى اللاعبين، لاحظت أم حمزة أن نقاط ولدها صفر مقابل 12 للمنافس، مالت إحدى الأمهات عليها وقالت: حرام ابنك هايضيع من إيديكى، الولد يحتاج دروس برايفت ـ وما معنى هذا «البرايفت» ؟ فأوضحت:ـ درس خصوصى فى الالتحام يعلمه كيف يكسب النقاط وبحافظ عليها .

ـ بكم ؟

ـ تدفعى 85 جنيها وتكسبى بطلا وتضمنى مستقبله!

وبعد ثلاثة أشهر فى «البرايفت» تقدم حمزة بسرعة، كان يذهب إلى المدرسة فى السابعة صباحا وفى الثانية عشرة يزوغ من المدرسة ليذهب الى الدروس الخصوصية وفى الثامنة مساء يذهب الى النادى وفى العاشرة يهرول إلى مدرب «البرايفت» الخاص بجمع النقاط فى التايكوندو، حتى حصل على ثانى الجمهورية، فمالت أم البطل عليها وسألتها باستغراب: جرالك ايه ياأم حمزة أليس لديكم طموح فى المركز الأول !

فسارعت أم حمزة: كيف ؟

أعرف مدرب «فايتنج» ممتازا .. ألف جنيه فى الشهر، وتشوفى ابنك بطل الجمهورية، حرام عليكى ابنك خسارة !

ولم تضيع أم حمزة الفرصة، استفزته بسارة زميلته بنت الجيران فى المدرسة، التى تحصد البطولات بسبب درس «البرايفت» فى التايكوندو و«البرايفت» فى السباحة و«البرايفت» فى الجمباز، وبسبب دروس «البرايفت» المكثفة لحمزة زادت فاتورة الدروس التعليمية الخصوصية وفاتورة مدرب النادى الأصلى الذى وجدها فرصة لابتزاز الأسرة، فبعد كل حصص «البرايفت» ممكن أن يضيع مستقبل البطل لو لم يختره فى البطولات، وتجاوز بزنس المدرب الرشاوى المالية الى الهدايا والرحلات وعزومات المصايف!

.. ولم تنته حكاية الطالب حمزة ابن حى الزمالك لأنه مازال يناضل لإشباع تعطش أسرته للحصول على بطولة الجمهورية، لكنه و«حماميز» عديدة فى التجمع و6 أكتوبر والرحاب والمنصورة يتبخر شبابهم كل يوم كما يتبخر مفهومهم للرياضة والتعليم، لأنهم جميعا ضحايا شبق الأهالى ونهمهم للجمع بين كأس المركز الأول فى البطولة ونسبة المائة فى المائة بالثانوية العامة، والنتيجة .. «بخ» !

لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف

رابط دائم: