رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

30 يونيو بين ثورات المصريين

أهم نتائج ثورات المصريين منذ عرابى وحتى ثورة 1919، كان الاعتراف بأن الأمة مصدر السلطات بعد أن كان الخديوى يعلن أن الشعب هم عبيد إحسانات أسرة محمد على ، وأن العرش مصدر السلطة .

مبدأ سلطة الأمة قبل ثورة 1952م ترجم شكلياً من خلال برلمان يقر القوانين والميزانية ويسائل الحكومة وله حق سحب الثقة منها، ودستور ينص على حرية الصحافة والاجتماع، إلا أن هذا الإنجاز الورقى تواطأت النخبة السياسية والطبقة الأرستقراطية وكبار الملاك على الالتفاف عليه، وفى عام 1926عينت الأحزاب نواب الشعب واقتسمت الغنيمة فيما بينها، وقتل الحلف الرأسمالى دستور 1923 بعد ثلاث سنوات فقط من إصداره.

الشعب الذى تم إهداؤه دستوراً شبيهاً بالدستور البلجيكى كان غارقاً لأذنيه فى العبودية الاقتصادية والاجتماعية، والبرلمان لا يُرشح له إلا القادرون مادياً وعلية القوم وتضمن قانون الانتخابات نصاً يقضى بدفع المرشح أمانة نقدية كبيرة لضمان أن يكون النائب من كبار الملاك وأصحاب الدخول الكبيرة، وفى ظل ديمقراطية شكلية كان هناك – كما قال الرئيس عبدالناصر – من يستطيع إسقاط الوزارة بخمسين ألف جنيه وظلت السيطرة للإقطاع ورأس المال والعائلة المالكة والإحتلال، وظل الشعب عاجزاً عن فرض إرادته بسبب تبعيته لملاك الأراضى وكبار الرأسماليين الذين كانوا هم وحدهم المتحكمين فى كل شئ، والقادرين على تأسيس أحزاب وصحف وعلى الالتحاق بالمجالس النيابية.

ثورة 1952م أزاحت عن المصريين الظلم الاقطاعى والفساد الرأسمالى والتبعية للأجنبى، وكان عبد الناصر واقعياً وموضوعياً عندما كان يربط بين هذه الإجراءات والحديث عن الديمقراطية؛ فما قيمة النظام الدستورى والديمقراطية الشكلية وقد استغل أشخاص فاسدون نظاماً يضارع أرقى النظم الأوربية فى قهر الشعب واستعباده؟

وكادت ثورة 25 يناير بجانبها الشعبى الإيجابى العفوى أن تزيح مظالم اجتماعية واقتصادية مشابهة لولا وقوعها فى أيدى قوى دينية منظمة سعت لاستغلال الديمقراطية فى قهر الشعب واستعباده أيديولوجياً وطائفياً، وكما كان الإقطاعيون والرأسماليون يتسترون بديمقراطية شكلانية مفرغة من جوهرها وقيمها فعل الإسلاميون ذلك قبل ثورة 30 يونيو، وكما أضفت الديمقراطية مشروعية على الفساد الرأسمالى والظلم الاقطاعى قبل ثورة 52 وظفت لإضفاء المشروعية على النظام الطائفى الدينى الذى سعى الإسلاميون لترسيخه بعد 25 يناير وقد جاءت الديمقراطية أساساً لاستئصال تلك المشاريع التى تهضم حقوق قطاعات وتيارات داخل المجتمع فضلاً عن خلق الانقسام والطبقية فى أبشع صورها.

30 يونيو أزاحت الغطاء الديمقراطى الزائف عن حالة غير مستعدة لقبول التعددية الحزبية والفكرية وحرية النقاش وهى جوهر الديمقراطية ، حيث سعى الإسلاميون للوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع ثم قفل باب التداول أو قصره على الأحزاب الإسلامية بوصفها المؤتمنة على ما أطلق عليه المشروع الإسلامى وتطبيق الشريعة، وهو نفس ما فعله هتلر قديماً وما يفعله أردوغان حالياً وما يفعله الإخوان دائماً على حساب شطب بقية الأحزاب والتيارات العاملة على الساحة سواء كانت أغلبية أو معارضة.

انطلاقاً من هنا نستطيع تلخيص الفلسفة العامة للحالة الثورية المصرية صاحبة الخصوصية على طول تاريخها المعاصر وصولاً إلى 30 يونيو 2013 فى عدة نقاط مهمة:

الأولى: الحرص على الشفافية والوضوح فهناك محرمات فى الفعل الثورى المصرى وأولها مغازلة طموحات الشعب بالترويج لمفاهيم وقيم مهدرة فعلياً على أرض الواقع؛ فعبد الناصر على سبيل المثال لم يتشدق بديمقراطية لا وجود لها ولم يسمح بإقامة ديمقراطية شكلية بإنشاء بعض الأحزاب ونظام برلمانى مظهرى ليتم الترويج دولياً ومحلياً لديمقراطية النظام وكان قادراً على فعل ذلك ، لكنه كان حريصاً على تأسيس حياة ديمقراطية سليمة كما نصت مبادئ الثورة – وليست ديمقراطية والسلام - ، وسلامة الديمقراطية اقتضت فى 1952م تطهير الواقع الحزبى من ممارسات التعامل مع الخارج ودعم الإقطاع وسيطرة رأس المال ، واقتضت فى 30 يونيو 2013م تطهير الواقع الحزبى من ممارسات التعامل مع الخارج ودعم التمييز الطائفى والدينى، وكلاهما تشدق مخادعاً بديمقراطية لكنها ليست «سليمة».

الثانية: الحرص على عدم العودة إلى الخلف فالفعل الثورى دافع إلى الأمام وليس العكس وإن تم إعاقة عمل أحزاب كانت تسعى لإعادة ديكتاتورية رأس المال والإنجليز والمندوب السامى فى 1952 فقد انتشلت الثورة الشعب من الاحتلال والاستغلال الاقتصادى والسياسى ووضعته على طريق الخلاص والتقدم، وما قفزت التيارات الدينية على الثورات فى أى مكان فى العالم إلا وأعادت المجتمعات والشعوب إلى الخلف بالتفريق بين المواطنين على أساس أيديولوجى ومذهبى وتأجيج الصراعات العقائدية والفرز والتصويت وإسناد المهام والمناصب على أساس هوياتى وليس على أساس خبرات وكفاءات وبرامج انتخابية سياسية واجتماعية واقتصادية، لذلك يمكننا القول بأن الديمقراطية لم يتم إلغاؤها فى 30 يونيو إنما كان لزاماً اضطرار الأحزاب الإسلامية الوليدة لعملية تصحيح شاملة لتنتقل فعلياً إلى الحالة المدنية وهذا سيستغرق وقتاً طويلاً ، مع البدء فى عملية تنوير عامة الشعب وتثقيفه ليصبح قادراً على فرض إرادته فى الاتجاه الصحيح وهذا سيستغرق وقتاً أطول.

الثالثة: الحرص على سلمية الثورة وعدم عسكرتها أو انزلاقها فى مستنقعات الصراعات الميليشياوية الأهلية الدموية المدمرة، وكان تدخل الجيش فى 1952 و2011 و2013 ضامناً لمنع هذا السيناريو وتقليل الخسائر البشرية إلى أقل حد بالمقارنة مع ما يصاحب تلك التحولات الضخمة فى العالم كله على مدار التاريخ من دمار عام وخسائر باهظة فى الأرواح، وتلك النماذج الثلاثة لم يصحبها اضطهاد دينى أو استهداف على الهوية أو ملاحقة لذوى الاجتهادات المناهضة، إنما كان التعامل بحسم وحزم مصير الداعمين والمخططين والضالعين فى إنشاء تنظيمات سرية مسلحة تستهدف كيان الدولة ومؤسساتها .

الرابعة: الحرص على الهوية الوطنية الجامعة لذا أكد عبدالناصر للشارع السياسى أنه فى صراع فقط مع قيادة الهضيبى وليس مع الإسلام، أى أن صراعه مع الإخوان صراع سياسى وليس دينياً، ليظل الرابط الأهم الجامع بين ثورات المصريين حتى ثورة يونيو هو الحرص على كسر احتكار تيار ما للحديث باسم الإسلام وتحويل الصراع السياسى إلى صراع عقائدى تكفيرى مدمر للهوية الوطنية.

[email protected]


لمزيد من مقالات هشام النجار

رابط دائم: