رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
وذلك تحت ضغوط الحياة التى لم يعد قادرا على احتمالها. إن عقله الواعى يرفض الاعتراف ببعض تفاصيل الواقع ويستعيض عنها بالأوهام والأباطيل والهلاوس غير الموجودة. وطبعا ستكون النهاية- حمانا وحماكم الله- ضياعا تامّا . لكن السؤال: هل الشىء نفسه يمكن أن يحدث مع الأمم والشعوب؟ هل من الوارد أن يقرر الشعب كله- طائعا مختارا وبمحض إرادته- أن ينفصل عن الواقع فيسقط سقوطا حرا فى دوامة من الهلاوس والترهات والأوهام؟ نعم ممكن. إن بعض الشعوب قد يحدث لها ذلك أحيانا؛ إما تحت ضغط الاستبداد المتأصل، أو القمع المتجذر، أو بسبب بلوغ ضغوط الحياة اليومية- من فقر ومرض وظلم اجتماعى وبطالة وارتفاع للأسعار وانعدام للخدمات الحيوية- درجة عصيّة على الاحتمال. لقد رأينا فى المسلسل أعراض هذا السقوط الحر عند الأفراد.. والتى أدتها ببراعة النجمة نيللى كريم والفريق العامل معها.. لكن يا ترى ما أعراض ذلك «السقوط الجماعى الحر» عند الشعوب؟ إن الأعراض عند الإنسان هى أن الفرد سيظل يهذى ويصرخ، وتتخشّب مفاصله، وتتحجر نظراته، وقد ينسال لعابه على زاويتى فمه.. فهل تهذى الشعوب؟ آآآآه.. تهذى ونص! وكيف يكون ذلك؟ بصّ يا سيدى. إنك لتسمع عندهم - مثلا- عن أم تذبح رضيعها.. فهل من العقل أن تذبح الأم ضناها؟ وإنك لتقرأ فى جرائدهم عن قصابين (يعنى جزارين) يذبحون الحمير بدلا من الجاموس والبقر( وآهى كلها لحمة!) مع أن المعروف أن الحمير-ولامؤاخذة- خلقها الله لتركب لا لأن تذبح فتؤكل. وإنك لترى الامتحانات بالمدارس والجامعات يتم تسريبها للتلاميذ عيانا بيانا فينجح التلاميذ الغشاشون بتفوّق، ليصبحوا هم الأطباء والمهندسين والمحامين وقادة الرأى.. وآنئذ لا يكون السقوط حرّا فقط.. بل ومدوّيا أيضا (!!!) وعند المقارنة بين كلا السقوطين؛ الفردى والجماعى.. يمكنك الحديث عن ثلاث مقارنات: الأولى .. إنه فى السقوط الحر لدى الأفراد تكون تلك الأعراض التخشبيّة تعبيرا عن رفض لحركة الحياة.. ولولا الخوف من الموت لكانوا جميعا قد قتلوا أنفسهم فورا ( لكن الحياة حلوة رغم كل شىء!).. أما لدى الشعوب فإن هذه الأعراض تكون تعبيرا عن رفض لحركة التقدم. إنك ستجد الناس وقد تفشى فيهم الكسل، وعدم الانضباط فى العمل والتزويغ منه بشتى الطرق، والسأم من الآخرين المحيطين بهم.. بل والرغبة فى إيذائهم والانتقام منهم كلما أمكن.. وأيضا- والشر برّه وبعيد- «النفسنة» والغل والتنمر. والثانية.. أنه فى السقوط الحر لدى المرضى العاديين تكون ثمّة مقاومة شديدة لتلقى العلاج.. والاستكانة للراحة الخادعة التى يهيؤها المرض للمرضى. أما فى حالة السقوط الحر الجماعى فإن المقاومة- التى تبلغ حد الاستماتة- تكون لكل القيم التى تحث على التقدم. إنك لن تجد استجابة لأى خطط لإقامة تعليم جيد، ولا ترحيبا بأى تحديث فكرى أو تنوير ثقافى، ولا رغبة حقيقية فى قبول فكرة تجديد الخطاب الدينى.. ولا استعدادا لتشييد صرح الديمقراطية الجادة المحترمة.. ولا أدنى تفكير فى إعادة توزيع ثروة المجتمع بحيث تحافظ على السلام الاجتماعى به. والمقارنة الثالثة.. أن السقوط الحر للمرضى الأفراد يمكن أن يكون قابلا للعلاج وفق شروط معينة.. أما فى حالة السقوط الجماعى للأمم فإن الخروج من التاريخ يكون حتميا.. ولا رجعة فيه.. ومن ثم ما لم تتدارك الأمة مسببات فشلها وهشاشتها وخيبتها الثقيلة مبكرا فسيكون قد فات الأوان.. وساعتها لن يكون لها من دون الله كاشفة. لمزيد من مقالات سمير الشحات