رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
فان انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى يمثل بلاشك نقطة فاصلة اخري، خاصة وانه يتزامن مع ازمة عالمية طاحنة تضرب الاقتصاد العالمى ككل. الامر الذى دفع بصندوق النقد الدولى الى إعادة النظر فى بعض سياساته واصبح يتساءل عن مدى صحة التوقعات بشأن الليبرالية الجديدة وهل شابها الافراط؟بل ووصل الامر الى انتقاد الاعمدة الأساسية التى تقوم عليها كافة برامجه الإصلاحية. وذلك بعدما بدأت تلوح فى الأفق بوادر أزمةاقتصادية كبري، حيث تجمعت العديد من المؤشرات الشبيهة مثلما حدث إبان الأزمات المالية التى انتابت العالم فى تسعينيات القرن العشرين. وجدير بالذكر ان انهيار التجربة الاشتراكية فى أوروبا الشرقية، وتفكك هذه الدول إلى عدة دويلات صغيرة، وسقوط جدار برلين والاندماج بين شطرى الدولة الألمانية، وغيرها من العوامل أدت إلى تبدلات جذرية فى النظام العالمى ككل، وتحولات مهمةفى التوازن الاستراتيجى العالمى كما أدى إلى انهيار النظام الاقتصادى القديم، حيث تركت الحرية للبلدان المختلفة فى تطبيق نظام الصرف الذى ترتئيه، وتم التخلى عن مبدأ التعادل الثابت للعملات. فى هذا السياق ظهر مفهوم ا العولمة ا بدلا من «الدولنة». فإذا كان الثانى يفترض مسبقا وجود دولة قومية، واقتصاد قومى وأسواق قومية، إلا أن الأول يقوم على آلية معاكسة تماما.إذ أن هذا المفهوم يشير إلى ان فضاء الإنتاج والتسويق، قد امتدا إلى السوق العالمية.وأصبح هناك المزيد من القناعة بتجانس حاجات المستهلكين، تحت تأثير «التكنولوجيا الجديدة» ووسائل الإعلام وتوحيد معايير الإنتاج. ومن هنا فإن النظام الذى كانت الدولة القومية تسعى إلى فرضه على الصعيد الخارجى هو نظام التمايز وتدويل الاقتصاد، ولم يكن ذلك يتعارض مع التجزئة، بل كان يقوم عليها. فرغم وجود مبادلات تجارية، إلا أنها كانت تتم على أساس الحماية والتعريفة الجمركية وقيود الصرف الأجنبي، وغيرها من الحواجز. أما العولمة فهى لا تنزع فقط إلى فتح الاقتصادات القومية، بل كذلك دمجها فى سوق واحدة هى «السوق العالمية» وهى لا تقتصر على المبادلات التجارية فحسب، بل وتمتد أيضا وأساساإلى العمليات المالية والآليات الإنتاجية. وكذلك العمليات التجارية التى لا تكاد تتمايز فيها أذواق وعادات المستهلكين إلا بقدر ضئيل. وعملت الشركات فى بعض الأسواق على إحداث تغيير فى أذواق المستهلكين، رغم تنوع العادات وارتباطها بالثقافة القومية، إلا ان شركات مثل «ماكدونالد» و «كوكا كولا» قد أوضحت ان هذه العادات يمكن تغييرها.وهو ما أدى إلى اكتساب العمليات الإنتاجية لطابع عابر القوميات، سواء عن طريق لامركزية الإنتاج جغرافيا بهدف الاستفادة من المزايا الممنوحة فى بعض الأقطار، كالإعفاءات الضريبية او رخص الأيدى العاملة، او عن طريق منح براءات الاختراع بهدف اقتحام السوق القومية المغلقة. ولذلك برز دور الشركات متعددة الجنسيات بصفتها المنتج الرئيسى للسلع والخدمات فى التجارة العالمية. وهكذا تزداد سطوة هذه الشركات على مقاليد الاقتصاد العالمي، وازدادت مع ارتفاع نبرة الحديث عن عالمية الاقتصاد، وفقدان الدولة القومية مبررات وجودها لصالحها. كما توسع دور المصارف الخاصة فى إيجاد السيولة الدولية التى انفكت أواصرها بنمو التجارة الدولية بحيث أصبحت الصفقات تتم خارج إطار رقابة البنوك المركزية ، ولذلك تغيرت العلاقة بين تدفقات رؤوس الأموال وأسعار الصرف وحركة التجارة الدولية، وتراخت الصلة بين النظام النقدى من جهة، والنظام التجارى من جهة أخرى . وكان ازدياد النشاط المالى خارج الجهاز المصرفى من أهم أثار التحرير، والواقع ان نمو صناديق الاستثمار فى الأوراق التجارية وفى الأسواق المالية قصيرة الأجل والنسب المتناقصة لحيازة المصارف من موجودات قطاعى الأعمال والعائلات ومطلوباتها أمر يشهد على تضاؤل دور الوسطاء الماليين التقليديين. وتتزايد أهمية هذه المسألة مع بروز دور فعال للجماعة المالية الدولية وخاصة القائمين على البنوك المركزية الرئيسية والشركات متعددة الجنسية وشركات التأمين وصناديق المعاشات، وغير ذلك من المؤسسات المالية التى تتحكم فى مليارات الدولارات التى يمكن تحريكها من بلد لأخرى بسرعة فائقة. وهى كلها أمور أدت إلى بروز ملامح وتناقضات جديدة للأزمات المالية بحيث لم تعد الأزمة الاقتصادية فى الوقت الراهن، كما كانت من قبل تتبع الدورة الاقتصادية العادية فقد تغيير طابع الأزمات المالية والنقدية من حيث إنها لم تعد فقط بل وأيضا سببا وظاهرة مرافقة للأزمات الدورية بل أصبحت تحدث فى مراحل مختلفة من الدورة الاقتصادية. ومما يزيد من تعقيد الموقف ان معظم هذه البلدان قد قامت بتحرير الحساب الرأسمالى وخصوصا ما يتعلق بتحرير التدفقات الرأسمالية. وهى عملية كانت سابقة لأوانها، لأنها تحتاج إلى أسس حكيمة فى ادارة هذه العملية حيث تتطلب إجراء إصلاحات هيكلية فى بعض المجالات لتقليل خطر سوء توزيع الموارد الناشئ عن التشوهات فى مجالات الاقتصاد المختلفة عند إزالة الضوابط على حركة رؤوس الأموال، كما يحتاج تحرير النظم المالية المحلية إلى انتهاج قواعد مالية سليمة، وانتهاج تدابير تحوطية تكفل الضمانات اللازمة لدرء خطر الإفراط فى انكشاف المؤسسات المالية وغيرها. كل هذه الأوضاع ساهمت فى الانفصام بين معطيات الاقتصاد الحقيقى والأسعار الاسمية التى تحددها المراهنات المسعورة والمحمومة التى يسمح بها النظام المؤسس الحالي. وأصبح الهيكل الحالى للنظام المالى الدولى لايتسم بالكفاءة ومفتتا، وبالتالى فهو غير قادر على ادراة المخاطر المالية المحتملة. عموما ومن التحليلات الكثيرة التى قدمت خلال السنوات الأخيرة يمكن استخلاص نتيجة واحدة بكل يقين، وهى ضرورة إعادة النظر كلية فى المبادئ الأساسية التى يعتمد عليها النظام الاقتصادى الحالي.فمازال هناك قدر كبير من عدم اليقين فى الأسواق الدولية وهناك مايشير بالفعل إلى ان العاقبة قد تكون أسوأ إذ مع احتمال حدوث ركود اقتصادى واسع وأكثر عمقا مما يؤدى إلى مجموعة من المخاطر المتشابكة التى تصيب الموقف الاقتصادى الحالى بضعف غير عادى. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالي