تحديث المجتمع عملية ثورية، فالتحول إلى التصنيع، والتمدن، والإقبال على العلم والثقافة والفن، والتوسع الهائل فى المعارف، وإعادة تشكيل البنى الاجتماعية وتنوعها ، وزيادة القدرات البشرية فى التحكم فى البيئة، عملية ثورية، وتحتاج إلى تكاتف إرادات ثورية، تعمل نحو الهدف الثورى باستمرار، وإن اختلفت الأدوات، لبناء مجتمع حديث، يخلق وطنا يصلح للعيش فيه!
وتظل العلامة المضيئة فى تاريخ “محمد علي” باشا حاكم مصر،هى إرادة التحديث للمجتمع، بما هو معروف من بناء وتعليم ومواجهة قوى الجهل والتخلف، وأصبح القاعدة لبناء مصر الحديثة، لمن جاء بعده من حكام أو زعماء وطنيين ومفكرين وفنانين، اجتهدوا لنشر الوعى بقيم الحداثة الإنسانية، وإدراك فلسفة العصر الذى نعيشه، وإفساح الطريق للحاق بالتقدم الفكرى والعلمى والانسانى والاخلاقي، وإجمالا بالحضارة.
فالفن أصبح حاجة ملحة وأساسية متعددة الأهداف، منها ما هو بسيط للتسلية والإمتاع، ومنها ما يشرح أعقد الفلسفات والاتجاهات الفكرية، مما يعطى السينما والدراما التليفزيونية أهمية مضاعفة إنهما تقومان بكلا الجانبين، التسلية والإمتاع، مع معالجة الأفكار الفلسفية للمفكرين والأدباء فى شكل جمالى ومفهوم للعامة من الجمهور الواسع، خاصة الدراما التى تدخل كل بيت، فهى ليست من الفنون الأرستقراطية كالموسيقى والرسم والتى تتطلب إعدادا وتأهيلا لتذوقها، واكتشاف مواطن الجمال، ولكنها تضم كل الفنون وتصوغها فى قالب متكامل يتقبله المشاهد بلا جهد مادى أو فكري، لذلك اعتقد أنها من أهم أدوات الثورة الحداثية، لتنمية الإدراك بمعانى الحداثة، والتطور السريع الذى يحدث فى العالم، وعلينا اللحاق بركبه، بدلا من تصنيفنا فى خانة العداء للحضارة العالمية، التى أصبحت واقعا لا مهرب من التعامل معه، إما إيجابيا بفهم فلسفة العصر، وإما سلبيا بالتفجيرات الانتحارية! وقد اتضح للجميع بعد تغيير معظم الأنظمة السياسية فى العالم العربي، إن هذا التغير لم يؤد إلى أى تقدم، بل إلى الأسوأ حيث الانهيار والفوضي، لعجز المجتمعات نفسها عن تقديم البديل الأفضل، القادر على اللحاق بفلسفة العصر، لذا فليس هناك شك أن التغيير الواجب هو فى فكر وبنية المجتمعات نفسها، حتى يحدث التطور، ومن يتحكم فى عقل المجتمعات فى ثورات الفوضي، مجموعة من الجهلة، التى لا تدرى عن فلسفة العصر من سياسة واقتصاد وعلوم اجتماعية ونفسية شيئا، ولا تملك إلا حنجرة وشعارات لا ترى فى الحرية إلا العري، ولا فى الديمقراطية إلا الكفر، والدراسات الاجتماعية إلا سفسطة! وترى فى التدخل فى حياة الناس فى كل صغيرة وكبيرة، أمر بالمعروف، وفى المرأة العورة، إلى آخر رعاعة الفكر، التى خلقت من المجرمين شهداء، ومن الفوضويين ثوارا، إلى غير ذلك من الأمراض الاجتماعية المتفشية، والتى لا تتغير إلا بنمط إنتاجى صناعي، واحترام للتعليم، وحرية للفكر الموضوعى المنطقي، وهو ما يأخذ أجيالا حتى يؤتى ثماره، بالإصلاح التعليمي، وضبط مؤسسات الدولة، ولكن يبقى النور الداخلى بنفوسنا، هو المنقذ من الضلال، والهادى لطريق الله الكريم، بفضله علينا، حيث معانى الخير والتسامح، واكتشاف هذا النور لنجدتنا من الظلمات، ليس إلا بالفن رفيق الإنسان فى مشواره مع الحياة. والدراما التليفزيونية فى شهر رمضان الكريم لها دور فى تكثيف روحانية الشهر الكريم، ليكتشف كل فرد طريقه الخاص إلى الله سبحانه وتعالي، بتنوير النفس بلب وجوهر المعانى للتعاليم الدينية المجردة لتعديل السلوك، ونشر الحب، والتسامح بين الناس، والتعاطف مع المعاناة، واتخاذ طريق الرحمة فى التعامل مع النفوس الضعيفة، والتحرر من الخوف، والأمل فى وجه الله الكريم، فقدرة الفن على نشر الحب وتحليل السلوك، يضع الإنسان أمام خيارات صحيحة، يقنعه بجدوى الخير والمحبة والسلام، بالتأثير الفنى الجميل، ضد القبح فى الشكل والسلوك والألفاظ، ليتحول الشهر من دينى إلى روحانى ضد العنف والكراهية.
لست بمعرض التقييم الفنى للدراما التليفزيوينة، ولكن تقييم دورها المهم فى تطوير مجتمعاتنا، التى لا تبحث عن مخلص، بقدر ما تبحث عن طريق الهداية لفهم الدين والحياة، لتعيش الحياة بحلوها ومرها، ولكن بطمأنينة.. وكيف لى أن أقيم أى عمل فنيا، وهم أفسدوا قدرا كبيرا من قيمته بكم الإعلانات المهدر للتأثير الفنى المطلوب.. ولكن حتى الإعلانات لها قيمة فنية مؤثرة ولكن كل شيء فى وقته أفضل، حتى لا تشوش على بعضها البعض، فيلغى تأثير كل منهما الآخر!
لمزيد من مقالات وفاء محمود رابط دائم: