رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أدوار مصر العاجلة للإنقاذ العربى

إذا كان الطموح إلى تأسيس مؤتمر للأمن والتعاون الإقليمى فى الشرق الأوسط بين دول عربية وكل من إيران وتركيا يبدو طموحاً غير منطقى فى ظل الظروف العربية والإقليمية الراهنة شديدة التعقيد، وقبلها الظروف الداخلية المصرية التى لا تقل تعقيدا، فإن مهمة مصر لإعادة بناء وترميم ما تهدم من هياكل الدول العربية تبدو مهمة أولية وواجبة. هناك أدوار مصرية على المستوى العربى أضحت شديدة الأهمية وآنية ويصعب تأجيلها إذا كنا نريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يسقط البناء العربى على رءوس الجميع، فى ظل شيوع واقع عربى مأساوى جديد بات يهدد بسقوط النظام العربي، ليس فقط السقوط المؤسسى لجامعة الدول العربية بل وأيضاً سقوط حدود الدول وسقوط هوية الشعوب. هناك دافع آخر يحتم ضرورة قيام مصر بأدوارها العربية هو أن هذا الدور العربى لمصر يعتبر ركيزة الدور المصرى كله، فالوطن العربى هو المجال الحيوى الأمنى للدور المصرى وللأمن الوطنى المصرى وأى إخلال بهذا الدور ينعكس مباشرة على مصالح مصر الحيوية وأمنها. ولذلك فإن مصر مطالبة أولاً بالوعى بأهمية هذا الدور ومطالبة ثانية بتحديد معالمه وآفاقه، وهى بهذا الوعى المزدوج يجب أن تكون مسئولة عن القيام بحزمة من الأدوار التى يمكن وصفها بـ«أدوار الإنقاذ» للوجود العربى وللهوية العربية.

أول هذه الأدوار والمهام أن تخرج مصر قوية متماسكة متمتعة بعافيتها من تداعيات أحداثها الثورية، وأن تكون قادرة على تقديم النموذج الأجدر بالقيادة والريادة وليس غيرها. نموذج الكفاءة والاقتدار، وحسن إدارة الموارد وحسن صيانتها وحمايتها من كل أنواع الفساد، وتقديم النظام السياسى الديمقراطى القادر.

ثانى هذه الأدوار والمهام الإسراع بتقديم مبادرات واعية وجريئة بالمشاركة مع دول عربية بعينها (السعودية - الإمارات المغرب الجزائر- الأردن- العراق) لحل الأزمات العربية المتفاقمة خاصة فى سوريا واليمن وليبيا، والتوصل إلى ميثاق شرف جديد يضع نهاية للحروب والصراعات والانقسامات الطائفية والعرقية المصطنعة التى ولدتها الممارسات التعسفية لأنظمة الحكم العربية التسلطية المستبدة قبل أى أسباب أخري. ثالث هذه الأدوار والمهام المبادرة بتقديم تصور لنظام عربى جديد يأخذ فى اعتباره كل الدروس المستخلصة من تجربة تداعي، إن لم يكن سقوط، النظام العربى الراهن. وأولها أنه لم يكن نظاماً ديمقراطياً يحترم إرادة الشعوب ويعبر عن تطلعاتها بقدر ما كان نظاماً إقصائياً للإرادات الشعبية، قام على قاعدة من نظم حكم تسلطية ومستبدة أجهضت متعمدة الأهداف النبيلة التى قام ذلك النظام من أجل تحقيقها. فهذه النظم هى التى أفشلت كل دعوات الاندماج والتكامل الاقتصادى العربى بدرجاته المختلفة، وهى التى أفسدت كل محاولات تحقيق منظومة أمن قومى عربى بولوعها بالتمدد نحو الاحتماء بقوى خارجية على حساب إرساء قواعد الثقة والأمن المتبادل مع غيرها من الدول العربية، على حساب الأمن الجماعى العربي، وهى من أهدر الموارد المالية العربية واستثمرها فى الدول المعادية على حساب التنمية والتقدم الاقتصادى العربي، وهى من أقصى الشعوب كشريك فى القرار العربي، أقصى الشعوب على مستوى القرار الوطنى داخل كل دولة، وأقصى إرادة الشعوب على مستوى القرار السياسى العربي، الأمر الذى أدى إلى انفجار الدول من داخلها، وأدى بالتبعية إلى تساقط النظام العربى كله. مصر معنية ومطالبة قبل غيرها أن تكون لها الريادة والقيادة فى تقديم مشروع جديد لنظام عربى أكثر ديمقراطية وأكثر عدالة وأكثر فعالية، مشروع يعيد طرح مفهوم جديد للعروبة: العروبة الديمقراطية، والعروبة التكاملية القادرة على تحقيق الاندماج والاتحاد العربي، وأخيراً العروبة الإبداعية القادرة على تجديد الأفق الحضارى للأمة العربية.

رابع هذه الأدوار والمهام هو العودة بالقضية الفلسطينية مجدداً قضية عربية مركزية، والتمسك بحقوق الشعب الفلسطينى دون تفريط، خاصة الحق فى الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة على كل الأرض التى احتلت بعد عدوان الخامس من يونيو عام 1967، والحق فى القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، دون أى تفريط فى حق العودة للاجئين الفلسطينيين. القضية الفلسطينية فى حاجة إلى مشروع عربى جديد، مصر مطالبة بتقديمه، مشروع واعٍ بحقيقة الصراع الذى يخوضه الكيان الصهيونى ليس ضد فلسطين وحدها بل ضد كل العرب. فهم، ولسنا نحن العرب، من يخوضون الصراع باعتباره «صراع وجود وليس صراع حدود»، قادتهم يؤكدون ذلك، ويرفضون أى حل يطالب بالانسحاب من الضفة الغربية وإنهاء سياسة الاستيطان بل يرفضون اعتبار أن الضفة الغربية أرضاً محتلة.

والقضية الفلسطينية بحاجة إلى مشروع عربى جديد مصر مطالبة بقيادته ينطلق أيضاً من قناعة مفادها أن الالتزام العربى بمركزية القضية الفلسطينية كان العامل الأهم الموحد للعرب، وأن التخلى العربى عن العداء لإسرائيل وعن مركزية القضية الفلسطينية كان المدخل والسبب الأهم لانفراطهم وتداعى تماسكهم وتوحدهم. والمطلوب أن نجدد الوعى بهذه الحقائق، وأن نتوقف عن عبث وسراب دعوات سلام لا يحمل من معنى إلا تفريط العرب فى حقوقهم والاستسلام لشروط عدوهم التاريخى والأبدي.

خامس هذه الأدوار والمهام يخص الأمن الخليجى المهدد. فمصر مطالبة، قبل غيرها، أن تقدم مشروعاً للأمن العربى المهدد فى الخليج بسبب تفاقم المخاوف من مغبة «الفراغ الأمنى والاستراتيجي» الناتج عن الانسحاب الأمريكي، مشروعاً يضع نهاية لمفهوم «الموازن الأمنى الخارجي» المأساوي. فالأمن لا يمكن شراؤه أبداً. والأمن لا يكون إلا وطنياً خالصاً. ومن هنا فإن مصر مطالبة بقيادة مشروع أمنى عربى فى الخليج ينهى المخاوف الراهنة من حالة «فراغ القوة» تكون مصر طرفاً أساسياً فيه مع دول مجلس التعاون الخليجى واليمن والعراق والأردن يكون قادراً على تحقيق التوازن بين ضرورات الأمن الاستراتيجى وأولوية الأمن التعاوني، يمكن أن يؤسس مستقبلا لـ «منتدى أمن إقليمى خليجي» يربط هذا الأمن أولاً بالأمن القومى العربي، ويشكل ثانياً قاعدة تعاون مع دول الجوار الإقليمى للخليج خاصة إيران وباكستان والهند على قاعدة توازن المصالح مع هذه الدول.

لمزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس

رابط دائم: