رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

المسحراتى

رؤوف سلام
كان عم ناجى مسحراتى الحى قد اصبح فى السنوات الأخيرة مسحراتى الحارة . فمنذ ان حلت العمارة الكبيرة محل البيوت الصغيرة فى الشارع العمومى قرر أن يقصر عمله على الحارة واﻻزقة المتفرعة منها ... فما جدوى المسحراتى مع العمارات الكبيرة . وعم ناجى يعرف كل سكان الحارة باﻻسم وهذا طبعا يساعده فى عمله كمسحراتى ينادى على كل باسمه ويضيف على الاسم بعض كلمات المديح الطيبة ويطلب منه ان يستيقظ ليوحد الدايم .

لا احد يذكر متى اصبح عم ناجى مسحراتى الحى ولا احد يعرف هل اصبح المسحراتى لانه يعرف كل الناس باسمائهم ام انه اصبح يعرفهم لانه صار المسحراتى . وفى الحقيقة فانه يعرف اكثر من الاسماء فهو يعرف كل شئ عن الجيران ولكنه فى حالة لا تعنيه احوال الناس كثيرا .

كان معظم سكان الحارة ناس طيبين ولكنه يعلم ان بعضهم ليس كذلك . فهو مثلا يعرف رامى افندى مدرس الابتدائى وكيف انه يدفع التلاميذ للانتظام فى الدروس الخصوصية معه من اول العام والا .وليس من قبيل المصادفة انه لا بنجح الا تلامذة الدروس الخصوصة ولا يرسب الا من عصى .

وهو يعرف الست سنية والتى تستضيف فى كل ليالى رمضان مجموعة من السيدات الارامل يمضين الليل جلوسا يلعبون الكونكان ويقرأن الفنجان ويتلين ما تيسر من الغيبة والنميمة .

وهو يعرف الشيخ ميمون الماذون وتساهله او تشدده فى عقود الزواج والطلاق حسى الحالة المادية وكيف انه زوج امرأة متزوجة وعندما عرف عم ناجى وذهب لينبه الشيخ ميمون وظن ان الخبر سيصعقه اذ به يقول ما انا عارف لكن هى ووليها قالوا انها غير متزوجة وانا لا افتش فى احوال الناس .

وهو ايضا يعرف عم عودة البقال وميزانة المخسوف دائما مع كل الناس ويعرف الاستاذ كامل مسئول التراخيص بالحى .

وقصة المنزل الآيل للسقوط بالحارة وكيف ان الحى قرر إزالته وبينما سكان الحارة يفكرون كيف يساعدون جيرانهم الذين سيطردون من المنزل اذ بمشتر يشترى المنزل بثمن بخس وينتقل السكان بما تيسر لهم من ثمن المنزل الى حى اخر ؛ ثم لا يقوم المشترى الجديد بالإزالة بل بدلا عن ذلك يضيف دورا جديدا للمنزل ويتضح لعم ناجى ان المشترى هو احد اقارب الاستاذ كامل وشريكه .حز فى نفس عم ناجى ان يكون على علم بكل هذا ومع ذلك يكيل المديح لهؤلاء الناس وهو يوقظهم للسحور وبدا يسال نفسه هل ما يفعله حلال . ولا يدرى ما الذى جعله يفكر فى هذه الامور الان ولم سيجد فى الامر شىء ...

لعله استوعب اكثر واكثر ما يسمعه دائما عن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وعن تغيير المنكر ولو بالقول وعن قول الصدق او الصمت .

صحيح انه لا يعنى ما يقول من اهازيج وهو يؤدى عمله كمسحراتى ولكن الحقيقة مازالت قائمة انه لا يقول صدقا وانه يساوى بين هؤلاء المفسدين وبين باقى السكان من الناس الطيبين .

قرر عم ناجى فى تلك الليلة فى جولته ولم يكن فى مزاج عدوانى ولكنه كان فى مزاج حقانى ... نعم سيقول الحق . لم ينسى ان يمدح الناس الطيبين عندما يصل الى بيتهم ولكنه كلما وصل الى بيت احد المفسدين نادى به ان « اصحى يا نايم ... وحد الدايم ثم يدعوه باسمه ويذكره بالفساد الذى ارتكبه ومازال يرتكبه ثم يطلب منه ان يتقى الجبار ويستغفر الغفار

ان عم ناجى ينادى بصوت مرتفع ويدق دفه بقوة ولكن شيئا من الخوف جعله ما انهى جولته ويسارع الى منزله .

منع الخوف عم ناجى من ان يذهب الى صلاة الفجر فى المسجد الصغير بالحارة هذا اليوم ؛ وفضل ان يكون أول لقاء له مع الناس بعد ما فعل نهارا وقال لنفسه ساخرا على الاقل تكون اقسام البوليس والمستشفيات شغالة . انه يتوقع رد فعل عنيف من المفسدين ولا يدرى ماذا سيكون موقف الناس الطيبين .

ذهب عم ناجى الى المسجد عند صلاة الظهر وكان اول من قابل عم عودة البقال والذى حياة ببشاشة ولم يبد اى غضب وبعد انتهاء الصلاة قابل الشيخ ميمون الماذون الذى بادله التحية والمزاح. عاد عم ناجى الى بيته وهو يحاول ان يفهم ما حدث وفى طريق العودة الى المنزل راى الست سنية فى شباك منزلها الذى فى مستوى الطريق فالقى عليها السلام وردت عليه بكل ود وترحاب .

وصل عم ناجى الى بيته فوجد ابنه قد استيقظ لتوه من النوم فسأله هل سمعتنى امس وانا انادى على الناس لاوقظهم للسحور فرد ابنه قائلا: طبعا لا يا ابى لقد قلت لك من قبل ان لا احد يستمع للمسحراتى هذه الايام فالناس ليسوا نياما لتوقظهم ... انهم غرقى فى المسلسلات والدش ولكنك مصر على ما تفعل ... ولا يأس .

تذكر عم ناجى ان ابنه قد قال له فعلا ان الناس لا تستمتع للمسحراتى ولكنه لم يعر كلامه انتباها فكيف يصدق ولدا من جيل التليفزيون ثم هل من المعقول ان يكون الابن اعرف من ابيه . ولكنه الان لديه الدليل ان احدا لا يسمعه هل يتوقف عن النداء على الناس لان الناس لا تسمع ام يستمر لعلهم يسمعون يوما ؟؟

فى المساء وبعد صلاة العشاء جلس مع الشيخ معروف امام المسجد وهو ايضا المقرئ والمؤذن وخادم المسجد . رجل طيب نذر نفسه للمسجد الصغير , و اخبره عما حدث وما يدور بخلده وحيرته هل يستمر ام يتوقف .

لا حظ عم ناجى ان الشيخ معروف لم يبد اى دهشة لاكتشافه ان الناس لا يستمعون للمسحراتى.قال معروف يا عم ناجى لا ... طبعا لا تتوقف يجب ان تستمرر لكن لا داعى لان تذكر فضائح الناس علنا ولا حتى ان تذكرهم بها فهم يعرفونها جيدا ولكن افعل ما اعتدنا عليه وما اعتاد الناس عليه. قبل الفجر وجد عم ناجى نفسه يمر على البيوت ينادى على الناس ويمتدحهم جميعا كما كان يفعل لسنوات طوال . بضع سنوات مرت منذ هذه الواقعة ومازال عم ناجى يفعل ما اعتاد عليه الناس ؛ وكذلك يفعل كل الناس .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق