رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
أتذكر التعليم على أيامي، كانت الدروس الخصوصية نادرة وفى أضيق الحدود وفى مواد معينة، وكان الغش حالة استثنائية وعارًا على مَنْ يُعرف بأنه غشاش، ومن يضبط وهو يغش يسير ذليلاً مطأطئ الرأس بين زملائه، وكان للمدرس مهابته واحترامه داخل الفصل وخارجه، وللمدرسة وجود فعلى ونظام متميز يطبق على الجميع بحزم، ولم نكن نعرف شيئًا اسمه “مدرسة خاصة”، إذ كانت المدارس الحكومية الأرقى فى منسوبيها ومستوى تدريسها، وجميع رؤساء مصر منذ اللواء محمد نجيب وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسى تخرجوا فى مدارس حكومية. وكان .. وكان .. وكان .. فما الذى حدث ليتدهور التعليم إلى الحال التى آل إليها من، فوضى وانعدام ضمير، وغش وصل - على ما تناقلته بعض الصحف - إلى اعتداء أولياء الأمور فى بعض لجان البدارى بالصعيد على المراقبين الذين يمنعون الغش، والأدهى ما قيل إن هناك لجانا بعينها خصصت لأبناء فئات نافذة، يجرى فيها الغش جهارًا نهارًا تحت سطوة الآباء النافذين! لقد قيل إن المباحث ألقت القبض على الشاب الذى يدير موقعًا يسرب الامتحانات،كما تم القبض على المسرب الأصلى فى المطبعة السرية إلا أن لم يخبرنا عما سيتخذ للحيلولة دون تكرار المهزلة مستقبل. وفى تقديرى إن عقابًا مشددًا لابد أن يلاقيه المسئول عن تسريب الإمتحانات، فلا أقل من السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات، فهو بفعله لم يخن الأمانة فقط، وإنما أيضًا أسهم فى تخريب مستقبل الوطن بتدميره قيم شبابه. ويبقى الأهم وهو ضرورة إعادة النظر فى العملية التعليمية المتهالكة، التى تسببت فى معظم هذه المهازل، والأخذ فى الاعتبار أنها تتكون من أربعة أركان : الطالب والمدرس والمدرسة والمنهج, فأما الطالب، فالأمر الذى لا شك فيه أن طالب اليوم غير طالب الأمس، فهو ظاهريًا أوفر حظًا من سابقه، بحكم ما أتيح له من وسائل تحصيل لم يحظ بها السابقون، لكنه من حيث الاهتمام به أقل حظًا من نظيره فى الماضي، فالمدارس مكتظة، والوالدان يسهلان على أنفسهما مهمة متابعته بالموافقة على الدروس الخصوصية، التى تعوده على الاعتماد على غيره وليس على نفسه. والمعلم فقد احترامه حين تخلى عن واجبه التربوى وخالف ضميره، ليتفرغ لتحصيل المال من الدروس الخصوصية، متعللاً بضعف الراتب وغلاء المعيشة ومتناسيًا أن هناك من أولياء الأمور من يقلون عنه راتبًا ويطحنهم الغلاء نفسه. أما المدرسة فباتت مع اكتظاظ الفصول عاجزة عن القيام بدورها، وتشهد جداول الغياب اليومى على المهازل فى هذا المجال، فلا أحد يراقب أو يهتم. تتبقى المناهج الدراسية، فمناهجنا – للأسف – تكرس الحفظ والحشو والتلقين لدى الطالب، أكثر من سعيها إلى ايقاظ عقله، وتنشيطه وتدريبه على المناقشة والاستنباط والتحليل، فى تفكير منظم يعلى قيمة العقل، ويغرس فى الطالب كيفية البحث العلمى والمناقشة الموضوعية والتحليل المنطقي، فضلاً عن إهمالها الكامل للنشاطات اللا منهجية، التى أثبتت الدراسات الحديثة أنها تعين الطالب على استيعاب ما يدرسه، وترشده إلى الطريق الذى يختاره فى دراسته الجامعية، حيث تستكشف قدراته وتظهر دلائل نبوغه أو تفوقه فى فرع ما من فروع المعرفة، ومناهجنا بصورتها الحالية عقيمة غير قادرة على تحقيق هدفها فى تأسيس جيل متسلح بالعلم والمعرفة، جيل قادر على حمل مشعل تنمية الوطن مستقبلاً. إن تجاهل ايجاد حلول علمية لما أشرت إليه، سوف يعود بالضرر على مسيرة التنمية على المدى الطويل، عبر تخريج أجيال من الشباب نصف المتعلم، يضاف إلى ملايين من العاطلين الذين لا يجيدون سوى الجلوس إلى المقاهي، مما يدفعنى لمناشدة الرئيس السيسى التدخل لايجاد حل فاعل لهذه القضية، فهى قضية مستقبل البلاد. لمزيد من مقالات أسامة الالفى