رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
فى جلسة رمضانية جمعتهما سأل الشاب الفتى جاره الجنرال المخضرم الذى سبق له أن خاض وشارك وانتصر فى حرب رمضان 1973: هل هذه سيناء يافندم التى صدعت رأسنا ومازالت تتسبب كل يوم فى وجع قلب مصر على انفجار إرهابى وشهيد جديد؟ فأجابه المحارب القديم بسؤال: ـ كيف تراها وهل تستحق هذه التضحيات؟ فقال الفتى: صحراء ممتدة ورمال وجبال لا تساوى ما يبذل فيها كل يوم من أموال ودماء وشهداء! ـ لكن إذا كانت صحراء ممتدة وبحر من الرمال لا يساوى .. فلماذا أعلنت معارضتك لاتفاق ترسيم الحدود المعروض الآن أمام البرلمان الذى يهدد تيران وصنافير وتطالب بسقوط الحكومة التى باعت الأرض ..وفرطت فى العرض؟ فقال الشاب : هذا موقف سياسى وحرية فكر وممارسة لحقوق الانسان فى التظاهر بالآليات الديمو... لا يهمنى مادار فى الحوار وهذه الاسطوانة المشروخة بين طرفين على أرض مصر تفصل بينهما بحور من جبال ورمال وصحراء جرداء من عدم الثقة وسوء الظن .. وأن هذا الشاب الذى يرى أن سيناء «صدعت رأسنا» هو مجرد واحد من الألاف الذين لم يجدوا فى النظام التعليمى والإعلامى والتربوى من «يحنو عليه» ويشرح له معنى التضحية وتكاليف بناء الأوطان، ولا يكفى أن هذا الجنرال العجوز ظل هو وحده دون سواه يعرف معنى ارتواء كل حبة رمل فى سيناء بدماء شهيد واستعداده لأن يعاود الكرة مرتين وثلاث لتحرير أهلنا فى سيناء من حصارالعزلة والإرهاب، وكأن هناك قوة جبارة وغاشمة أصرت ألا يعرف الجيل الجديد معنى الروح التى تجلت فى العاشر من رمضان . لكن الذى يهمنى هو التنبيه إلى أن ماجرى فى هذه الحرب كان نقطة البداية الصحيحة التى تحتاجها مصر والعرب الآن، لأن ذلك الانتصار ـ الذى أجل إعلان موت العرب ـ منحنا الفوز فى الجولة الأولى من الحرب التى لم تنته بعد، ومازلنا نشهد فصولأ من «العقاب الجماعى» تمارسه القوى التى بنت سيادتها على العالم بعد انتصارها فى الحرب العالمية الثانية، ولهذا السبب شهدنا فصولأ لإجهاض نتائج هذا النصر مستخدمين قوى التخلف والظلام لإجبارنا على العودة للخلف وتغيير البوصلة و«لف وارجع تانى» على حد تعبير الناظر صلاح الدين فى الفيلم وليس الناصر صلاح الدين فى التاريخ! ولا يهمنى ما قاله هذا الشاب للجنرال : يااااه.. مفيش جديد وهل هناك أمة تستمر فى اجترار انتصار يتيم حدث قبل أربعين سنة ؟! ولماذا صرنا أمة مستضعفة بعد الانتصار؟..ولماذا صار لدينا وزيرة لا تشعر بالحزن عندما تعلن فى نشرة وزارتها أن الدين الخارجى لمصر ارتفع من 33 مليار دولار فى 2010إلى 48 مليار عام 2016 بفضل نشاطها فى «التعاون الدولى» وجلب القروض والمنح والديون؟ لأن إجابتى بسئوال : كيف صارت الهند بتناقضاتها أمة منتجة واتخذت قرارا بوقف استيراد أى شىء بينما صرنا بوحدتنا أكبر مجتمع مستهلك عرفه التاريخ؟ السؤال طرحة الراحل المبدع صلاح عبد الصبور فى مقال له نشر عام 1979، وقارن شاعرنا الكبير بين الميراث الثقافى الذى ورثناه وميراث الهند، فقد ورثنا والعرب الثقافة الاسلامية التى تقوم على المساواة بين البشر وكل فرد مستقل يسعى فى مناكبها ويأكل من رزقها ويحوز ثمرة سعيه قبل أن ينتقل إلى الدار الآخرة، بينما ورث الهنود ثقافة تقوم على الحكم الطبقى الجائر والمتدرج بين البراهمية وينتهى بالمنبوذين وبينهما طبقات لاتعرف مرونة الصعود والهبوط ولكنه ميراث لايزول إطلاقا، فلابد أن تعيش أى طبقة منابذة للطبقات الأخرى بكل ماتحمله من التعصب والعنف والشر فى الحياة الدنيا، أما فى الآخرة فقد وعدنا بالعدالة الأخروية التى تقوم على ما كسبت أيدى الناس فى الدنيا بينما استبدلت الهندوكية العدالة الأخروية إلى هبوط مستمر للروح حتى تسكن هوام الأرض وخشاشها، وطبعا مع إيمانى الكامل بحق كل إنسان فى تقديس ما يعتقد، لكننى لا آخفى إعجابى بما صنع الهنود بحياتهم خلال ثلاثين عاما وتجاوزوا مرحلة التصنيع واقتحموا عصر التكنولوجيا رغم هذا الموروث الثقافى المتعدد العنيف الذى تجسده ورقة العملة «الروبية الهندية» المكتوبة بـ 14 لغة! أما ماجرى لنا وفينا بسبب انتصار «العاشر من رمضان» هو إصرار عنيد على أن تظل مصر والمنطقة سوقا للفوضى، فلا يكفى أن تنكمش داخل حدودها لتبنى وتنمى وتتجاوز النكسة بحرب استنزاف يخوضها جيشها ثم انتصار خلال 6 سنوات يزهل العالم ويقلب الموازين، ولا يكفى أن تنعزل عن محيطها العربى ومسئولياتها التاريخية كما حدث بعد مبادرة السلام، ولا يكفى تحويل كيان الجامعة العربية الهلامى إلى كيان عاجز عن حل أى أزمة عربية كما حدث فى غزو الكويت، ولا يكفى أن تنبطح الجامعة للغرب وتعطيه الغطاء لتدمير دولة ليبيا، ولا يكفى أن يكون اقتصاد مصر كما تعطف علينا بيريز ذات ليلة من ليال ديفوس مابعد اتفاق أوسلو إلى سوق للخدمات السياحية ،لأنهم اكتشفوا أن تشجيع مصر ـ التى تملك آثار وشواهد أعظم حضارات العالم ـ على أن تكون بلدا سياحيا معناه ببساطة أن يكون خطابك السياحى لأبناء مصر ولعشاق مصر القادمين من اليابان وكوريا وروسيا واليونان وفرنسا وألمانيا فيه أمل وتأكيد على أن تعود مصر كما كانت قبلة للعالم ورقما صعبا فى رسم سياسات وخرائط المنطقة! المطلوب فقط الآن أن تكون مصر سوقا للفوضى، ليتها الفوضى «الخلاقة» بل الفوضى التى «بنت» اليمن و«بنت» ليبيا و«بنت» العراق و«تبنى» الآن وتعشش وتعمر فى سوريا، وفى طريقها إلى الإعلان الرسمى عن اكتمال «تأمين» مصادرالبترول لضمان أمن إسرائيل وضمان تدفق البترول الى «العالم الحر» وتأديب دول الخليج وكل الدول التى استخدمت سلاح البترول فى حرب رمضان1973 تمهيدا لتحقيق نبوءة نزار قبانى بالإعلان رسميا عن وفاة العرب؟! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف