رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

د. أحمد سالم استاذ الفلسفة بـ «آداب» طنطا :مصر بحاجة إلى خطاب دينى جديد
لدينا تراث كبير من التجديد لكنه لم يتحول إلى تيار رئيسى فى الفكر الدينى
خطاب جديد لا تجديد

حوار ـــ محـمد حـربـى
الحداثة فرضت على الإصلاحيين تجديد خطابهم الدينى التقليدى فظهر إبداع محمد عبده والخطاب السائد حاليا لاعقلانى وإقصائى يرفض قبول الآخر.

ليس عيبا أن تتبنى الدولة الدعوة إلى التجديد فالعلاقة بين السلطة والفكر قديمةبعد رحيل المفكر المصرى الكبير نصر حامد ابو زيد اثير السؤال التقليدى: من يخلف نصر فى ارث التفكير العقلانى بمصر ويواصل المسيرة ؟ وكان الجواب حاضرا بقوة مع تلميذه الدكتور على مبروك استاذ الفلسفة المساعد آنذاك باداب القاهرة والذى واصل فى طروحاته الفكرية ما بدأه نصر ومن قبلهما امين الخولى وطه حسين والامام محمد عبده عن امكانية الالتقاء بين العقل والنص الدينى بعيدا عن التوفيقية التقليدية.


وأخيرا رحل عنا على مبروك قبل ان يكتمل مشروعه النقدى والتساؤلى فى فهم النص الدينى فهما عقلانيا يعيد اليه طبيعته باعتباره ساحة او فضاء عميقا لانتاج المعنى والمحبة

واثير السؤال مجددا ومن يخلف مبروك ويواصل المسيرة ؟

لن نحاول الاجابة عن هذا السؤال باليقين القطعى وطرح اسماء باحثين يبدعون ويتساءلون ويقدمون رؤاهم بعيدا عن صخب الميديا ،ولكننا سنطرح الاسئلة التى طرحها الرجلان نصر ومبروك على التراث فى محاولة لاعادة التفكير بصوت جماعى فى الدعوة لتجديد الخطاب الدينى وهل هى دعوة صحيحة ام اننا بحاجة الى دعوة لابداع خطاب جديد كلية.

وفى هذه الأيام التى يطالعنا الجميع فيها بالصراخ العلنى والسرى فى الميديا والمنتديات حول ضرورة تجديد الخطاب الدينى من دون أن يتوقف الكثيرون ممن يصرخون ولو للحظة ليقولوا لنا ما الخطاب الذى يحاولون ــ أو يدعون إلى ــ تجديده، أو ليقولوا لنا كيف يمكن تجديد خطاب من دون قتل القديم فهماً كما قال بحق أمين الخولي، أحد الحالمين الكبار بخطاب دينى جديد .

فى هذه الأيام تصبح استعادة نصر أبو زيد والقائمة الطويلة من المفكرين التنويريين عملا منهجيا لأن الرجل الذى قدم فى بداية مشواره الفكرى قراءة عن مفهوم النص القرآني، لم يتوقف عند دائرة ضيقة لفهم القرآن الكريم، بل طوّر أدواته البحثية وانتقل إلى النظر إلى القرآن باعتباره خطابا، ثم خطابا متعددا ما يعنى أننا أمام باحث لا يتوقف عند عتبة واحدة من عتبات الفهم والتفسير والتأويل، بل يحاول ويجتهد

نطرح التساؤل حول الخطاب الدينى وأعيننا على تجديد الخطاب الفكرى كله، سواء حول الدين ومقولاته الحاكمة أو حول الحياة الاجتماعية والسياسية كلها، لأن التجديد الجزئى لن يصلح ما أفسدته الدهور.

ونحن نستعيد نصر نتذكر قافلة طويلة من الذين حاولوا واجتهدوا، أصابوا أحيانا وأخطأوا فى أخرى، لتجديد الخطاب الفكرى المصرى والعربى وتفكيك مقولات الدين أو الفكر الدينى التى تم إنتاجها فى القرن السابع الهجرى والقرون التى تلته: ومنهم الإمام محمد عبده وتلامذته الذين كان منهم السلفى والليبرالى والعلماني.. ثم أمين الخولى وتلميذه محمد أحمد خلف الله ونصر أبو زيد ومحمد إسماعيل، وعلى مبروك الامتداد لمنهجية نصر.

ولا يعنى أننا ننشر رؤى البعض أننا نتفق معها فليست هذه مهمتنا.. بل مهمتنا عرض الرؤى المختلفة حول الخطاب أو الخطابات الدينية، فليس هناك خطاب واحد، وتقديمها للنقاش الحر بعيدا عن سلطة المؤسسات الدينية والفكرية والسياسية. فلا تجديد يمكن أن يكون ذا جدوى ينطلق تحت سقف الأطر الجاهزة .

أهلا بالنقاش الحر حول قضية تستحق أن يكون النقاش فيها جاداً وأصيلاً وبلا قيود.

> ما المقصود بمصطلح الخطاب، وهل يمكن تطبيقه على النص الدينى المقدس أو ينسحب فقط على النصوص الشارحة ؟

> هل ثمة خطاب دينى واحد شامل جامع أم أنها خطابات دينية حتى فى الدين الواحد تنطلق من منطلقات التاريخ والتأويل، فلا يصح أن نتكلم عن خطاب دينى بل خطابات متعددة بتعدد الازمنة والرؤى ؟

> كيف تقرأ عملية الإصلاح الدينى وتجديد الفكر الإسلامى منذ محمد عبده فى مصر وخير الدين التونسى حتى الآن ، ولماذا لم تصبح تيارًا سائدًا فى الثقافة المصرية؟

> هل يمكن أن نتكلم عن استئناف توحيد المذاهب أو التقريب بينها كما فعلت لجنة الأزهر برئاسة الشيخ شلتوت رحمه الله فى الستينيات، وهل من الممكن التقريب بين الخطابات الدينية المنطلقة من أسس مذهبية؟ وهل يمكن أن يؤدى ضيق الخطابات وتشددها الى حرب مذهبية فى المنطقة كما تلوح بعض الادبيات السياسية ؟

> هل نحن بحاجة إلى تجديد خطاب راسخ بالمعنى الإصلاحى أم أننا بحاجة إلى خطاب جديد أو خطابات جديدة تنطلق من الافكار وعلاقتها بالواقع لا من الماضي؟ وكيف يمكننا ذلك: هل بإعادة قراءة النص أم بجعله ساحة للحوار وماهى قوانين اعادة القراءة ؟

> هل من المنطقى أن تنطلق الدعوة لتجديد الخطاب الدينى من رأس السلطة السياسية؟ وهل هذا من مصلحة الدعوة للتجديد أم أن ذلك يلقى بضغط عليها يجعلها أسيرة تصورات الدولة أو السلطة السياسية لمنطق الدين وتفسيره ؟

> ما هى الملامح الأساسية فى الخطاب الدينى السائد و التى تراها بحاجة إلى تجديد إن اتفقنا على تجديد الخطاب كحل مرحلى؟ وما هى الملامح التى تفسد عملية تجديد الخطاب اوانتاج خطاب جديد؟

> ما هى العناصر المفقودة أو الفريضة الغائبة فى الخطاب الدينى السائد فى مصر والتى ترى أن وجودها أمر جوهرى فى أى خطاب دينى معاصر؟

هل يمكن للدين أن يكون أداة للتغيير الاجتماعى أم أنه بطبيعته التى تفرض إيقاعها يثبت الواقع؟ وهل ثمة تناقض فى دعوة الناس للتغيير بينما هو يسعى لتثبيت رؤاه؟

> يرى الباحث السودانى عبد الله النعيم أن علمانية الدولة فريضة إسلامية تحرر الدين من تبعية تصور الدولة وتجعله وسيلة لتحرر الإنسان وصدقيته مع نفسه، كيف ترى العلمانية : هل هى حجر أساس فى مشروع التجديد أم عامل مكمل، وهل تراها تتعارض مع فكرة الدين؟

> هل تجديد الخطاب أمر نخبوى لا يصح للعامة الحديث فيه بمنطق إلجام العوام أم أنه حديث جماهير يقود إلى دمقرطة الخطاب الديني، أم أن ذلك خطر على الدين والتجديد معا ؟

> كيف ترى دور التصورات الشعبية للدين فى عملية أنسنة الفكر الدينى وتجديد الخطاب وهل اصبح محكوما على الاسلام بحتمية التحول الى الصوفية او الروحية كما يدعو البعض فى الغرب ؟

> لما ذ ا لم يشهد التاريخ الإسلامى تيارًا كبيرًا يمكن تسميته بـ «لاهوت» التحرير أو فقه التحررب على غرار ما حدث فى أمريكا اللاتينية من مزج بين اللاهوت والماركسية على أيدى رجال الدين ؟

ينطلق الباحث الدكتور أحمد سالم أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة طنطا من فكرة محورية ترى فى الإسلام دينا عقلانيا بل وعلمانيا لا يخاصم الدنيا ويتنكر للتاريخ. ولذلك ركز فى دراساته عن التراث العربى والإسلامى على القراءات الحديثة لهذا التراث مقدما أطروحة بالغة الأهمية حول إشكالية التراث فى فكر المفكر المغربى البارز محمد عابد الجابرى مع مقارنتها مع أفكار المفكر المصرى المعروف حسن حنفى.

ويقدم سالم بعد ذلك فى كتابه عن الإسلام العلمانى قراءة فى أطروحات المجدد الكبير الشيخ أمين الخولى فى القراءة الأدبية للنص الديني، ويقترب سالم من مفهوم نظرية التطور بشكلها الفلسفي. ويقرأ سفر التطور الدينى عند الخولى وغيره من رواد حركة التجديد الدينى فى أوائل القرن العشرين على أساس نظرى من قضية التطور .

فى هذا الحوار «الشهادة» يقدم الدكتور أحمد سالم رؤيته البسيطة والعميقة فى آن حول الخطاب الدينى السائد وهل نحن بحاجة إلى تجديده أم إلى ابتكار خطاب دينى جديد يكون أقرب للواقع والعصر من الماضى.

طروحات سالم ليست فصل خطاب ولم تأخذ حقها من التوسع بحكم المساحة التى نطرح فيها الملف لكنها تصلح مثل غيرها من شهادات المشاركين فى الملف كفاتحة لحوار أوسع وأكثر تفصيلا وهذا نص شهادة الدكتور أحمد سالم :

أولا ما المقصود بمصطلح الخطاب، وهل يمكن تطبيقه على النص الدينى المقدس أو ينسحب فقط على النصوص الشارحة والتفاسير ؟

مصطلح الخطاب يعنى ذفى اللغة العربية ذالقول أو الحديث، وهو قائم على بنية أو منظومة العلاقات الداخلية فى القول، ثم علاقة البناء بمنظومة العلاقات الخارجية التى أسهمت فى تشكيل الخطاب من الداخل، وأعنى بالعلاقات الخارحية ذلك المحيط الذى تشكل فيه الخطاب، ونعنى به الأثر السياسى والإقتصادى والاجتماعى والأيديولوجى .

ويمكن تطبيق مفهوم الخطاب على النصوص المقدسة، وهو ماانتهى إليه نصر أبوزيد فى مرحلته الأخيرة ، حيث رأى أن القرآن لاتقتصر دراسته على امفهوم النص »، بل يحمل خطابات متعددة، ولكن نتائج تطبيق مفهوم الخطاب على الكتب المقدسة لاتكون مرضية لأصحاب التوجهات التقليدية فى النظر إلى القرآن، فهم يرون ضرورة عدم إخضاع النص المقدس للمناهج البشرية، وهذا مابدا واضحا فى كتابات سيد قطب، بينما كان الشيخ أمين الخولى يطالب بضرورة قراءة القرآن فى ضوء المناهج الأدبية. إنه صراع طويل بين دعاة التقليد ودعاة الحداثة على جسد المصطلح واعتقد أن هذا الصراع لن ينتهى.

هل ثمة خطاب دينى واحد شامل جامع؟ أم أنها خطابات دينية حتى فى الدين الواحد تنطلق من منطلقات التاريخ والتأويل، فلا يصح أن نتكلم عن خطاب دينى بل عن خطابات؟

ليس ثمة خطاب دينى واحد ولكن هناك خطابات دينية ، قد تختلف هذه الخطابات وفقا لاختلاف المذهب العقائدى ، فيتنوع الخطاب من أهل السنة إلى الشيعة والخوارج. وقد تتنوع الخطابات على مستوى الخطاب الفقهى من شافعية أو حنفية أو مالكية، أو حنابلة، وقد تتنوع وفقا لطبيعة البناء المعرفى مثل الخطاب الفلسفى حول الدين، أوالخطاب الصوفى، أو الخطاب الكلامى، ولذلك لايمكن أن نتحدث عن خطاب واحد، ولكن الحديث يكون عن خطابات دينية متعددة، والأمر يفسر أننا أمام نص دينى واحد يتحرك فى التاريخ وفقا لتنوع خلاق فى حركة المجتمع، وتغير زمنى وبيئى مستمر، مما يؤدى إلى ظهور تعدد فى القراءات والتأويلات للنص القرآنى، ولذلك كان الاجتهاد ضروريا حتى تكون هناك قراءات متعددة للنص تواكب حركة المجتمع والتاريخ، وهو ماجعل البعض يتساءل: هل الإسلام واحد أم متعدد؟ والواضح أن تجليات حضور الإسلام فى حركة التاريخ كانت متعددة، فإذاكان الدين فى نصه الرئيسى واحدا فإن التدين كانت له صوره المتعددة التى فرضتها حركة التاريخ والمتجتمع المتغيرة عبر الزمن.

كيف تقرأ عملية الإصلاح الدينى وتجديد الفكر الإسلامى منذ محمد عبده حتى الآن ، ولماذا لم تصبح تيارا سائدا فى الثقافة المصرية؟

إن حركة الإصلاح الدينى فى الثقافة المصرية والعربية منذ رفاعة الطهطاوى وإلى الآن فرضتها طبيعة الحراك التاريخى الذى جاءت به الحداثة، حيث طرحت الحداثة العديد من الأسئلة الشائكة على الثقافة العربية ذبطابعها الدينى ــ تتعلق بمفاهيم العلم، والحرية، والعقلانية، والعلمانية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وتأصيل المؤسسات الحداثية كالبنوك وتعاملاتها وغيرها، هذه المسائل فرضت نفسها بقوة على خطابات الرواد من أمثال الطهطاوى، وجمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبى، وعبد الحميد الزهراوى، وأمين الخولى، ومحمد فريد وجدى، ولاشك فى أن تبنى النخب الليبرالية والعلمانية فى الثقافة المصرية لمفاهيم الحداثة قد شكل قوة ضاغطة على خطاب الإصلاح الدينى لكى يعيد قراءة الفكر الدينى، بما يجعله يساير حركة المجتمع والتاريخ، لذلك سعى معظم هؤلاء الرواد إلى أن يؤصلوا لتلك المفاهيم من داخل التراث التقليدى للمجتمع، فكان هنالك العديد من الاجتهادات المهمة لهؤلاء الرواد فى تأصيل مفاهيم الحداثة من خلال التراث الكلاسيكى فيتبنى محمد عبده على سبيل المثال الفكر الاعتزاى فى العقائد، ويؤسس لفقه جديد يقوم على المصلحة، ويقدم الفتاوى المهمة حول إباحة التصوير، وتقييد تعدد الزوجات، وتقييد الطلاق، فأصبح الفقه يساير تطور المجتمع وفقا للمصلحة. وفى هذا الإطار أيضا يمكن أن نفهم أهمية جهود أمين الخولى وعبد المتعال الصعيدى، ومصطفى صبرى، وغيرهم من المصلحين والتجديديين. ولكن الأزمة أن تيار الإصلاح الدينى لم يصبح تيارا سائدا ومسيطرا فى الثقافة المصرية، بسبب قوة التوجه المحافظ التقليدى، وتحول الصراع على من يملك الحديث باسم الإسلام بين الحركات الدينية المعاصرة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين والجهاديين، وسعى تلك الحركات إلى تقديم صورة خاصة للدين ارتضتها كل حركة لنفسها، واعتبرت أن قراءتها الوحيدة للإسلام هى القراءة الصحيحة، ونفت كل القراءات المغايرة لها. وينبغى أن نعى أن السلفية التى انتقلت لمصر منذ السبعينيات من القرن المنصرم كانت وبالا على الحياة الدينية فى مصر بسبب تشددها، وهذا يغاير طبيعة الروح الدينية المعتدلة فى مصر. ويذكر التاريخ أن الإمام أحمد بن تيمية بفكره المتشدد الناتج عن ظروفه التاريخية لم تقبله مصر فى عهد الدولة المملوكية، وقد قضى معظم حياته فى مصر مسجونا .

تقريب المذاهب

هل يمكن أن نتكلم عن استئناف توحيد المذاهب أو التقريب بينها كما فعلت لجنة الأزهر برئاسة الشيخ شلتوت رحمه الله فى الستينيات، وهل من الممكن التقريب بين الخطابات الدينية المنطلقة من أسس مذهبية ؟

إن المحنة الكبرى فى مسألة التقريب بين المذاهب الدينية تنطلق من طبيعة العلاقة بين الأنظمة السياسية بالدرجة الأولى، فلو كانت العلاقة بين الأنظمة على اختلافها توجهاتها العقائدية طيبة ومقبولة هنا يمكن الحديث عن التقريب بين المذاهب، لأن حركة الاجتهادات فى المجال الدينى ترتبط للأسف برضا أو عدم رضا الأنظمة السياسية. فى حين أن التقريب بين المذاهب ينبغى أن يكون جهدا فكريا وعلميا وثقافيا بالدرجة الأولى، وأن يكون بالأساس مطروحا داخل التعليم الدينى السائد بين المذاهب المختلفة. فينبغى أن يقر التعليم وجوه التقريب بين المذاهب، وأن يرسخ لفقه الاختلاف والتسامح بين هذه المذاهب، ويؤكد أن التقارب بين المذاهب الإسلامية أكبر بكثير من مساحات الإختلاف، ولكن الفضاء العشوائى فى مجال الدعوة بين التوجهات المختلفة لدى قطاع أهل السنة بالذات، والتوجهات المحافظة والمتشددة ترسخ لإقصاء الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى. وهذا وضع كارثى لايمكن أن يخدم الإسلام بأى حال من الأحوال.

وهل نحن بحاجة إلى تجديد الخطاب الراسخ بالمعنى الإصلاحى أم أننا بحاجة إلى خطاب دينى جديد أو خطابات جديدة تنطلق من الواقع لا من الماضي، وكيف يمكننا ذلك: هل بإعادة قراءة النص أم بجعله ساحة للحوار ؟

نحن بحاجة إلى خطاب دينى جديد يركز على فقه الواقع والمقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، والكليات العامة التى تحدث عنها القرآن مثل العدالة، والتكافل، والصدق، والعمل، واحترام الإنسان، خطاب جديد يقوم على التسامح وقبول الآخر، والتعايش بين الأعراق والأديان، والمذاهب، والملل المختلفة، خطاب يركز على نسبية الحقيقة ونسبية المعرفة البشرية، وأن الإدراك البشرى للدين هو نتاج لظروف تاريخية خاصة. ولذلك فإن الفهم البشرى للدين فى زمن ما يمكن أن يتغير إذا تغيرت الظروف والواقع التاريخي.

خطاب الدولة

هل من المنطقى أن تنطلق الدعوة لتجديد الخطاب الدينى من رأس السلطة السياسية، وهل هذا من مصلحة الدعوة للتجديد أم أن ذلك يلقى بضغط عليها يجعلها أسيرة تصورات الدولة أو السلطة السياسية لمنطق الدين وتفسيره؟

ينبغى أن نعى أن تلك مسألة شائكة وذلك لأن السياسة والسلطة السياسية محورية فى الأداء الفكرى والثقافى والديني، لأنها هى التى تمنح الحرية فى المجتمعات المتخلفة للنقاش الفكرى والدينى والثقافي، وأن السياسة هى التى تتبنى خطابا دينيا معينا ويتم ترسيمه كخطاب رسمى للدولة، ولذلك فمن المهم أن يكون هناك إيمان قوى لدى السلطة السياسية بضرورة تجديد الخطاب الديني، وأن السلطة السياسية مسئولة عن تطوير الخطاب الدينى فى المؤسسات التعليمية الدينية وغير الدينية ، وكذلك فى مؤسساتنا التربوية، والإعلامية.

وينبغى أن نتعلم من التاريخ أن السلطة السياسية فى الحضارة الإسلامية هى التى أعلت يوما ما من شأن المعتزلة فكان ما كان لها فى التاريخ الفكرى الإسلامي، وحين غضبت عليها تم إقصاء المعتزلة من فضاء الثقافة الإسلامية، وحرق معظم كتبها وانتاجها الفكرى، ومن ثم لابد من تضافر الدينى والسياسى معا فى مسألة تجديد الخطاب الديني، ونشر الفكر الدينى الجديد فى فضاءات التعليم والإعلام والتربية، بشرط ألا يجور أى طرف على الآخر.

سمات الخطاب

ما هى الملامح الأساسية فى الخطاب الدينى السائد والتى تراها بحاجة إلى تجديد إن اتفقنا على تجديد الخطاب كحل مرحلى؟

الخطاب الدينى السائد فى العالم العربى يتسم بمجموعة من السمات السلبية، أولاها أنه خطاب منغلق على نفسه، وثانيتها أنه خطاب جامد لا يساير حركة الزمن والتاريخ ولا يلبى احتياجات الواقع الفعلى، كما أنه خطاب إقصائى يتم فيه إقصاء الفكر المختلف لأصحاب الأديان والملل الأخرى، ويرفض قبول الآخر، وهو خطاب يحض على العنف وسفك الدماء، كما أنه خطاب يصور الدين على أساس الترهيب وفقط، ويفهم الدين على أنه منطق الحلال والحرام فقط، وهو أخيرا خطاب يسيطر فيه السلف على الخلف وهم فى القبور ، لأنه خطاب يتجاهل قيمة تطور الواقع والتاريخ والبيئة، وخطاب يغيب العقل والاجتهاد لحساب النقل ولذلك قلت إننا بحاجة إلى خطاب جديد لا إلى تجديد للخطاب السائد والذى سيطر على العقل الإسلامى لظروف تاريخية خاصة.

ما هى العناصر المفقودة أو الفريضة الغائبة فى الخطاب الدينى السائد فى مصر والتى ترى أنها جوهرية فى أى خطاب دينى معاصر ؟

هناك الكثير من العناصر المفقودة فى الخطاب الدينى السائد.. تدعيم كل القيم التقدمية فى الإسلام مثل العدالة، والحرية، والعمل، والصدق، والإخلاص، ضرورة تقديم الدين فى ثياب الترغيب والمحبة وليس الترهيب والعقاب، وضرورة احترام الأديان والثقافات المغايرة، وضرورة التعلم من أصحاب تلك الثقافات بصرف النظر عن مللهم وأديانهم، والتركيز على فقه المقاصد الأساسية للدين من الحفاظ على الدين والنسل والعقل والمال ، وليس التركيز على فقه الحيض والنفاس، وفقه الحجاب، التركيز على إيمان القلوب، وليس فقط التشريع لسلوك الإيمان .

هل يمكن للدين أن يكون أداة للتغيير الاجتماعى أم أنه بطبيعته التى تفرض إيقاعها تثبيت الواقع، وهل ثمة تناقض فى دعوة الناس للتغيير بينما هو يسعى لتثبيت رؤاه؟

لابد من الوعى بأن الدين فى ذاته قابل للتوجيه فى تفسيره إما لاتجاه كونه أداة المحافظة وتثبيت الواقع، أو فى اتجاه الثورة والتغيير. والأمر متوقف على قدرة علماء الدين فى توجيه دفة الفكر الدينى إلى هذا أو ذاك، فكان الإمام على بن أبى طالب يقول (القرآن حمّال أوجه) ويقول أيضا (القرآن خط مستور بين دفتين لاينطق بما يقول وإنما ينطق عنه الرجال). والرجال هنا هم العلماء الذين يفسرونه فى مسار التقدم والتغيير أو فى مسار التخلف والجمود، والأمر متوقف على السياق المجتمعى والثقافى. ودعنا نؤكد أن الإسلام حينما نزل وأوحى به كان بمثابة خطاب للتغيير فى واقع العرب، فقد غير مسار التاريخ، وجعل من الرسول ليس فقط صاحب رسالة ولكن مصلحا اجتماعيا كبيرا .

يرى الباحث السودانى عبد الله النعيم أن علمانية الدولة فريضة إسلامية تحرر الدين من تبعية تصور الدولة وتجعله وسيلة لتحرر الإنسان وصدقيته مع نفسه، كيف ترى العلمانية : هل هى حجر أساس فى مشروع التجديد أم عامل مكمل، وهل تراها تتعارض مع فكرة الدين؟

إن الإشكالية الكبرى تكمن فى تشويه الخطاب الإسلامى السائد لمفهوم العلمانية باعتبار أنها مصطلح غريى ظهر فى سياق حضارى مغاير وأن الإسلام لامجال فيه للعلمانية، وذلك على الرغم من الاستفادة البينة لمعظم أقطاب الحركات الإسلامية من العلمانية الغربية للذين يعيشون فى الغرب، ويمنح لهم الحق فى حرية التدين وبناء أماكن العبادة وغيرهما. ولكننا نريد أن يكون لمفهوم العلمانية معناه الخاص والملائم لطبيعة البيئة الإسلامية، مثل العقلانية، ومراعاة الزمن والبيئة فى إدراك حقائق الأمور، والعناية بالدنيا وليس التحقير منها، ولذلك أحيانا ما يترجم مفهوم العلمانية بالدنيوية، وفصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، وليس فصل السياسة عن منظومة القيم الدينية، والأمر متوقف على تحديد معنى العلمانية بما يتناسب مع ثقافتنا وليس ثمة تعارض بين الإسلام والعلمانية، وأنا أتفق مع عبد الكريم شروش المفكر الإيرانى فيما ذهب إليه بأن الإسلام دين علمانى بامتياز .

هل تجديد الخطاب أمر نخبوى لا يصح للعامة الحديث فيه بمنطق إلجام العوام أم أنه حديث جماهير يقود إلى دمقرطة الخطاب الدينى، أم أن ذلك خطر على الدين والتجديد معا ؟

أمر تجديد الخطاب الدينى هو شأن العلماء، لكن حوار الجماهير حول التجديد أمر مهم، فالجماهير قد تطرح الإشكالات على الخطاب الدينى التى تستحث على التجديد فى مسألة معينة تتعلق بعلاقة الدين بالشأن الاجتماعى والاقتصادى والسياسي، والجماهير هى المعنية بتجديد الخطاب، لأن هذا التجديد يصب فى سلوكيات تلك الجماهير عبر الفضاء السبراني، وعبر التعليم والتربية، فتجديد الخطاب الدينى هو من سلطة العلماء، ولكن مايفرز الحاجة للتجديد هو علاقة الدين بحركة تطور المجتمع، ومدى مسايرة الدين لشأن التطور الإنسانى فى شتى المجالات.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق