لم يأت شهر رمضان هادئا هذا العام أيضا، فهناك تخوف مشروع حول الأوضاع الاقتصادية في ظل تراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار وقلق من التراجع في موارد رئيسية مثل السياحة المرتبطة بالحالة في منطقة الشرق الأوسط التي لا نعلم مدي ما وصلنا إليه إلا عندما نراقب المؤشرات الرئيسية للاقتصاديات العربية لندرك أن هناك كارثة قد حلت بكل المقاصد السياحية بالمنطقة في السنوات الأخيرة مثل كرة لهب تتدحرج حتي وصلت إلي كل بيت عربي تقريباً.. وهناك حالة من صخب مصطنع لا ينتهي سواء علي شاشات الفضائيات أو علي مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. الكل يتحدث عن المفروض وما يجب أن يحدث وما ينبغي علي الرئيس والحكومة والبرلمان أن يفعلوا بينما سلوكنا الاجتماعي والممارسات التي يقوم بها من يدعون أنفسهم حراسا للقيم والأخلاق والفضيلة والدستور والخصوصية وهؤلاء ينتهكون بأفعالهم في كل دقيقة ما يطالبون به الناس ليل نهار، وما يعكرون به الأجواء العامة يكفي بل ويفيض ليضع المجتمع علي حافة الجنون وليس فقط الإرباك المتعمد الذي يخدم دعاة التخلف والرجعية ولا يسهم في إيجاد تيار جديد للوعي في المجتمع. الذي يواجه تحديات ملحة لم يعد الشجب والإدانة يكفيان للتعامل مع أسبابها ولم يعد المنهج البيروقراطي صالحا لمواجهة أزمات طارئة لأن الزمن تغير والحلول ينبغي أن تكون علي قدر التحديات المتراكمة.
انشغلت مصر علي مدي الأسبوعين الماضيين بقضايا عديدة في اتجاهات مختلفة من الثانوية العامة التي أرهقت الأسر المصرية علي مدي عقود طويلة إلي قضية العطش التي ضربت أراضى زراعية في أنحاء متفرقة مرورا بقضايا الممارسة الإعلامية الفجة من جانب شركات إعلانية تقوم بتصميم إعلانات وتبثها فضائيات ضد الذوق العام والحياء وتستغل الأطفال بطريقة لا تليق بقيم التربية الواجبة.
في حالة الثانوية العامة انتقلنا من مرحلة الضغوط النفسية بسبب مستوي الامتحانات في السابق إلي انتشار ظاهرة الغش الإلكتروني المنظم التي تهدر قيمة تكافؤ الفرص في نظامنا التعليمي المهترئ أساسا وتقدم المجتمع بصورة مشوهة وقبيحة أمام النشء خاصة عندما لا يجد الطالب المجتهد وقفة جادة من الوزارة المعنية التي يبدو من تصريحات مسئوليها عدم الصرامة والجدية في التناول بينما كانت وزارة الداخلية ممثلة في مباحث الإنترنت علي قدر المسئولية بتحركها السريع لملاحقة أصحاب الصفحات المشبوهة علي موقع «فيسبوك».
الحل الأمني ربما يكون رادعا ولكنه ليس الحل الأصوب طوال الوقت، فمواقع التواصل تتطور يوما بعد يوم وتقدم كل ما هو جديد في فنون الانفلات والالتفاف، والغش في الامتحانات هو مظهر واحد من مظاهر الخلل الكامن في أوصال المجتمع الذي أصبحت فيه مواقع التواصل أداة في يد المنفلتين، كما هي وسيلة تواصل بين رواد الشبكات الاجتماعية. فهل سنغلب نظرة الملاحقة الأمنية للغشاشين طوال الوقت ونترك أصل الداء؟.. ألا وهو ضعف مستوي التعليم وغياب الانضباط والمتابعة عن مدارسنا والاكتفاء بكلام أجوف عن إصلاح المنظومة علي مدي عقود دون نتيجة فعلية.
لقد وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي قضية التعليم أولوية قصوي في رؤيته للمستقبل وفي إستراتيجية 2030 التي تهدف إلي الارتقاء بالمواطن المصري بمعدلات محددة، تحقق أهداف التنمية الشاملة في مدي زمني معروف، وعقد الرئيس عشرات الاجتماعات من المجالس المتخصصة وخبرائها ويعلم أن الأمر يحتاج إلي وقت وفترة زمنية غير قصيرة لإصلاحه، وهو ما أشار إليه في حواره التليفزيوني الأخير. ومن ناحية الكم والكيف، توجد خطوات جيدة في العامين الماضيين في ظل أولوية تطوير التعليم لدي الرئيس السيسي، منها إطلاق مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا وهي نقلة نوعية للتعليم المصري التي تعتمد علي البحث والتجريب وأن يكون الطالب هو مصدر المعلومة. وقد وجه الرئيس بالتوسع في تلك المدارس بعد نجاح تجربة أول مدرستين, كما تم تشييد 6 آلاف فصل دراسي بمختلف مراحل التعليم للتغلب علي مشكلة تكدس الفصول الدراسية وانتهت الدولة من بناء 222 مدرسة بالفعل إلا أن مسألة توفير مدارس لكل تلك الأعداد المنضمة للعملية التعليمية ليست هينة، بينما تتواصل بكثافة أكبر من السابق عمليات التدريب والتأهيل للمدرسين وتطبيق معايير للجودة لم تكن موجودة من قبل.
وفيما قاله السيسي عن إصلاح القطاع الصحي، علي سبيل المثال، هناك مغزي لا نريد الالتفات إليه ومناقشته بجدية من جانب قوي المجتمع الحية وهو ما ينطبق علي قطاعات عدة .. فقد قال إن »الدولة كي تعمل نظامًا صحيًا يرضي عنه الجميع يحتاج ذلك جهدًا ليس ماديًا فقط«... بالفعل، المسألة ليست في الإمكانات المادية وحدها التي تضع مجتمعا علي طريق أفضل للتحديث والتطوير، فالإدارة الجيدة وحسن توظيف قدرات الأفراد والإنضباط في المنشآت العامة هي مسائل لا تحتاج إلي أموال بقدر ما تحتاج إلي من يخلص العمل ويقدر حجم المسئولية الملقاة علي عاتقه ولا يعني اللجوء إلي السلبية والاإنهزامية و »تسويد« الحياة العامة بنظرات تهدم ولا تبني من جانب فئات أو جماعات أدمنت الفشل أو تتمني للدولة السقوط أن تنجر الغالبية وراء تلك السلوكيات.
بصراحة، الدولة تحتاج إلي إظهار صرامة في التعامل مع ظواهر بعينها ولكننا لا نسأل أنفسنا : أين هو الوعي المجتمعي القادر علي أن يكون ظهيراً حقيقيا للرئيس وحكومته في التغيير وبناء مجتمع حديث؟!
ولو تطرقنا إلي مسألة الإعلانات السخيفة التي تهدر قيما إنسانية عظيمة فسنجد أن من يمتلك الوسيلة الإعلامية يقع علي عاتقه جزء كبير من المسئولية عما يقبله في قناته الفضائية أو موقعه الإلكتروني من مضامين سواء كانت مضامين رفيعة المستوي أو رديئة المستوي. ففي غياب تطبيق القانون - وتلك مسئولية الدولة وعليها أن تتحملها بالكامل وفي أسرع وقت ممكن- تكون المسئولية الأخلاقية للقائمين علي وسائل الإعلام أولوية وأن يكون الوعي بما يجب وما لا يجب تقديمه للجمهور سابقا علي تحقيق مكاسب مادية ضخمة.. لكن ماذا نقول إزاء عبث مستمر بقيمة الرسالة الإعلامية علي الشاشات وعلي الصفحات؟!
في إفطار الأسرة المصرية قال الرئيس السيسي: «لا يوجد تقدم للأمم إلا بالعمل والإخلاص والامانة« وهي عبارة صادقة من رجل يري ويشعر بكل إنسان يعاني في مصر. وفي كلمته أمام ممثلين عن مختلف فئات الأمة دعا الرئيس التجار إلي الرفق بالمواطنين... ورغم عدم قبول البعض تلك الكلمات فإن الرئيس كان يقصد أن يقول لنا إن هناك مسئولية اجتماعية علي الجميع وأولهم من يملكون القدرة علي الإمساك بمفاصل السوق المفتوح للعرض والطلب وتلك المسئولية بالقطع تتعزز عندما تقوم الدولة أساسا بدورها في المراقبة الصارمة للأسواق وتفعيل القانون ضد المخالفين. فقد طالب الرئيس التجار أن يترفقوا بالشعب، كما طالب في الوقت نفسه الحكومة بأن تقوم بدورها في مواجهة الظواهر المنفلتة وحتي لا يهدر البعض قيمة الجهد الكبير علي مستوي المشروعات الكبري وحتي يظل الشعب المصري كتلة واحدة تستطيع أن تحقق كل الآمال والأهداف مثلما يقول دائما.
نقول مجددا إن الشدة في التعامل مع الظواهر السلبية لا يمكن الجدال بشأنها خاصة أنها مطلب الشعب من رئيسه وحكومته.
ونقول أيضا إن كل ما سردناه في المقال عن ضرورة تفعيل القانون ومحاسبة المقصرين أو المتجاوزين هو أولوية يدعو إليها رأس الدولة ولا يحيد عنها وبقي أن تقوم الأجهزة المختلفة بأدوارها.
ونقول أيضا إن المسئولية الاجتماعية ترتبط بقدرتنا علي تنمية الوعي الجمعي لكل المواطنين وإن كل مسئول في موقعه سواء في جهاز الدولة أو القطاع الخاص يتحمل عبئا في تصحيح حركة المجتمع ولا يمكن أن نتنصل من المسئولية تحت أي ظرف ونقول إن الرئيس أو الحكومة هم وحدهم المسئولون أمام الشعب.
لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام رابط دائم: