رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

أنـا آسـف «بورقيبـة»!

ما يثير الاشمئزاز، أن يقوم الإعلام البذىء للتيار المتأسلم، بنشر صور ضحايا الحروب الأهلية التى أشعلوها وإلصاقها بغيرهم، وهم أصل الداء والوباء، الذى اجتاح العالم العربى والإسلامي، ودماء الضحايا أطفالا ورجالا ونساءً، تقطر من أفواههم وأياديهم، بعد أن نجح الأعداء الاستعماريون، فى تصنيع هياكل شيطانية تتحدث باسم الله، وتحلل سفك الدماء وإهدار الأرواح هدرا بلا رحمة أو ضمير، وتتذرع بالنصوص بإخراجها عن مقاصدها عنوة، لتتوافق مع مقاصد «القرضاوي» أكبر أدواتهم، من فاق «راسبوتين» عتوا وفجوراً!.

فهذا الوحل العربى الذى نعيشه، ليس وليد اليوم، ولكن ثمرة سوداء للجهل الذى مكن القوى الاستعمارية منذ اتفاقية (سايكس بيكو) من السيطرة على المجتمعات العربية وإخماد نشاط القوميين العرب العاملين على بعث الروح العربية ثقافيا وتاريخيا وجغرافيا، والرافضين للحكم الاستعماري، والداعين للاستقلال الوطني، والبحث عن المصالح الوطنية المناقضة للمصالح الاستعمارية، فكانت الوسيلة الاستعمارية لمواجهة المد القومي، إنشاء كيان يدعو للوحدة الإسلامية ويرفع شعارات المزايدات فى محاربة الاستبداد والفساد والدفاع عن فلسطين وهى شعارات مطلقة، لا يعارضها عاقل، ولكنها الحق الذى دائما يراد به باطل، فظهر ما يسمى بجماعة (الإخوان المسلمين) فكانت مهمتها خلط الدين بالسياسة كمادة عاطفية مطاطة لزوم المزايدات على المواقف الوطنية والقومية، وكانت الأرض الخصبة لربيع الجماعات المسلحة، للمأجورين والموتورين والجهلة، وبدأت جرائمهم باغتيال «أحمد ماهر» رئيس الوزراء المصري، الذى رفض عملهم بالسياسة إلا وفق اللعبة السياسية الوطنية، بإنشاء حزب علني، وعدم خلط الدعوة الدينية بالطموحات السياسية، فهذا السبب الحقيقى لاغتياله، ولكن المزايدات لم ينقصها الأسباب، وبحجة إعلانه الانضمام للحلفاء فى الحرب العالمية والتى كانت توشك على الانتهاء، وأراد «ماهر» الاستثمار السياسى لهذا الموقف للاتجاه نحو الاستقلال الوطنى لمصلحة مصر، إلا أن يد الإرهاب السياسى باسم الدين، استثمرت جهل العامة والشباب، لاغتيال الرجل السياسى المحنك، ولا تفيق الأمة العربية من شرور الفكرة، التى تتجدد باستمرار، فكلما أخمدت عادت لإضعاف الأوطان، لتصل إلى ما نحن فيه من وحل أخلاقى وسياسى وحضاري، يروح ضحيته الزعماء والسياسيون الوطنيون، بالتشهير بهم بشعارات متجاوزة للواقع، تحرق مراحل طويلة نحو التقدم، وبدأت عمليات القتل وسفك الدماء بهم، حتى وصل للأطفال الرضع الذين يدفعون ثمن التخلف، أشد أنواع الأسلحة هلاكا!.

فى اعتقادى أن الغرب الاستعمارى رغم ما فيه من تباينات قد نجح فى إغراق العرب فى وحل الربيع ــ أسوأ الفصول ــ لقرن كامل، بفكره أنه لا مانع بأن يحكم الشعوب المتخلفة، نخب أشد تخلفا، قادرة على رفع عناء مواجهة النخب الوطنية المعاندة للمصالح الاستعمارية، وهذا الربيع المشئوم مهد بأقل التكاليف، لتصحيح (سايكس ــ بيكو) القديمة، بتقسيمات جديدة فى صالح أمريكا، ومن يتبعها، كما أعلنها صراحة فى الثمانينيات (زبيجينو بريجنسكي) المفكر الأمريكى اليهودي، ومستشار الأمن القومى فى عهد الرئيس كارتر.

إذا كانت الدراسات الغربية والبحوث الدقيقة قد نجحت خلال قرن من الزمان فى توجيه الأحداث لصالح المصالح الغربية، حتى أصبح البترول بلا ثمن، واقتتل العرب فيما بينهم، وتنعم إسرائيل بالأمن والهدوء التام، فإن التجربة أثبتت وآخرها جريمة (أورلاندو)أو أن السيطرة على هذا الفكر الإرهابى غير ممكنة، ولا نجاة منه إلا بمواجهة جذرية، مع هذا الفكر، وتحويل مروجيه ودعاة الفتنة إلى محكمة الجنايات الدولية، بدلا من إغراقهم بأموال الجزيرة القطرية وأردوغان العثمانى الذى خطط لتحويل العالم العربى لولايات إخوانية تابعة له!.

هذا الوضع المأساوى لا يخلو من فائدة، باتفاق المجتمع العربى على إفلاس التيارات الإسلاموية، وجهلها وافتقارها للمشروع القادر على حل المشكلات الحياتية للناس، وكما يرى الفيلسوف الإيطالى (توينبي) أن التعصب ليس إلا خيارا قابلا للتطبيق، لم يعد هذا الخيار قابلا للتطبيق، فى مجتمع أصبح أكثر قابلية للحداثة والتقدم، منه إلى الاستعمار أو الاستحمار.. ويجب علينا الاعتذار لكل رموزنا الوطنية من ضحايا تخلف خلط الدين بالسياسة أمثال (أحمد ماهر)، وعلى حزب النهضة التونسى قبل أن يتراجع عن فكره المتطرف أن يقول أولا.. أنا آسف «بورقيبة» الزعيم التونسى الحداثى الذى اتهم بأبشع الألفاظ البذيئة!.

لعلنا نستفيد من نصيحة والدى رحمه الله بتغليب العقل والرشد على الحماس وكأنه كان يتنبأ بالمحنة العربية التى لم يسبق لها مثيل بسبب «الحماس»!

لمزيد من مقالات وفاء محمود

رابط دائم: