رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
يعيش الشباب فى العالم بأسره اليوم ظروفاً صعبة: البطالة فى جميع المجتمعات لم تعد دورية، تحدث كل ثلاثين عاماً كما كان الحال عند بداية الرأسمالية. الآن أصبحت البطالة هيكلية، أو بنيوية، أى أنها اصبحت ملمحاً دائماً ومستقراً للمجتمع. ويطلق على البطالة هيكلية عندما تتجاوز سنوات البطالة عند من هم فى سن العمل عشر سنوات. ويوجد قانون بسيط يوضح لنا الأزمة. إذا بينت لنا الإحصائيات أن متوسط البطالة فى مجتمع ما هى 10% فاعلم بأنها عند الشباب 15%، وإذا كانت 20% فهى عند الشباب 30%، وهكذا .. وبالرغم من أن هذا الوضع مثير للقلق وتبذل الحكومات جهداً لتجاوزه ولكن نظرة سريعة على السياسات المتبناه وخصوصاً فى عصر العولمة تبين أن الوضع يتفاقم. فالسياسات الليبرالية الجديدة ربطت الفاعلية بالمردود المالى وقضت على الدور الاجتماعى للعمل. وأصبح مشهد إغلاق المصانع وتسريح العمال فى القرى والمدن الصغيرة طاغياً، وذلك بدعوى زيادة التنافسية والوجود فى السوق المعولمة. ومما يزيد من أزمة الشباب ارتفاع مستوى التعليم وزيادة عدد الحاصلين على الشهادة الجامعية. عدد كبير منهم لا يعمل، ومن يعمل منهم فهو إما يتقاضى أجراً منخفضاً أو يقوم بعمل مؤقت، وهو فى جميع الحالات لا يستطيع أن يتصور مستقبلاً يسمح له بتكوين أسرة وبالترقى الاجتماعى. ويرسم العالم الفرنسى إيمانويل تود صورة لما يعانيه الشباب حتى فى المجتمعات المتقدمة، فيقول: إن العولمة توحد سوق العمل على مستوى الكوكب، بما فى ذلك العالم الثالث، وهو سوق يكون الشباب نسبياً متوافرين وقابلين للسخرة، أما كبار السن فنادرون وحائزون على رأس المال. حينما ينفتح بلد على التجارة الحرة فإن المعامل الأكثر وفرة هو رأس المال، أى يكون كبار السن فى وضع مميز، والمعامل الأندر هو العمل أى يكون الشباب فى وضع خاسر. هذا بالضبط هو ما نعيشه: سحق الشباب وسحق حريتهم فى العمل والاستهلاك والحركة بواسطة التجارة الحرة. الحكومات فى موقف لا تحسد عليه، وهى مضطرة بسبب قوانين السوق والتجارة العالمية أن تفتح المجال للتجارة الحرة، وفى نفس الوقت تبذل جهوداً لتخفيض معدل البطالة عند الشباب، وتعيد لهم الأمل في إندماجهم فى المجتمع. وقد حاولت الحكومة الفرنسية أخيرا تشجيع رجال الأعمال على تشغيل الشباب. وتقدمت وزيرة العمل الفرنسية مريم الخومري بمشروع قانون للبرلمان يهدف إلى زيادة فرص الشباب في الحصول على عمل. فخففت من التزامات رجال الأعمال التأمينية تجاه المتعاقدين من الشباب، وسهلت لهم ذرائع إنهاء التعاقدات دون أن يكون أمام الشاب فرصة للتقاضي. كما سمحت لهم بحرية فرض ساعات عمل أضافية. وقد تصورت الحكومة أنها بذلك سوف تقلل من تردد أصحاب المصانع فى تشغيل عمالة جديدة. ولكن رفض الشباب كان عاماً، كما كان مبتكراً، ولم يتخذ الرفض شكل المظاهرات التقليدية وإنما تم تحديد ميدان عام فى كل مدينة يتجمع فيه الشباب عند منتصف الليل، ويعودون إلى بيوتهم مع الفجر عند استئناف المواصلات العامة. وأُطلق على هذا الاحتجاج شعار الليل واقفاً. وحظى هذا الاحتجاج بنجاح فاق كل التوقعات. قضى الشباب الليل وهم يتناقشون حول سياسات الحكومة فى الإنتاج والضرائب والتشغيل والاسكان وغيرها. انضمت النقابات العمالية التقليدية للحركة وتضامنت معها، لأنها رأت أن تمرير القانون سوف يطول أيضاً مكاسب العمال الكبار التي حققوها عبر سنوات من الكفاح النقابي وسوف يشجع رجال العمال على البحث عن ذرائع لطرد العمال الكبار ذوي التكلفة المرتفعة وإحلال الشباب قليل التكاليف وذي العمل المؤقت محله. ونظراً لأن كل بلد مرآة لجارته انتشرت الحركة في البلاد المجاورة لفرنسا رغم أنه لم يصدر عندهم قانون يستهدف تغيير قواعد التشغيل كما هو الحال في فرنسا، ولكن الشباب الأوروبي كله شعر بأنه واقع تحت نفس التهديد. صحيح أن الحكومة تقدمت بهذا القانون بحجة حل مشكلة البطالة ولكنها في واقع الحال لا تفعل سوى أنها تزيد من تحكم أصحاب رأسمال فى رقاب البشر. وتدفع بالشباب الذين يطحنهم الفقر وانسداد الأفق إلى قبول الأجر المنخفض والتضحية بالحقوق في التأمينات، أى فتح المجال لعبودية جديدة. إن تغيير الوضع يعد أمراً صعباً نظرت لتعقد الوضع الاجتماعي، فلقد زاد عدد كبار السن فى المجتمع بسبب ارتفاع معدل الأمل فى الحياة، وأصبحوا كتلة انتخابية مهمة لا تضع الشباب فى اعتبارها. كما أن من يفلت من الشباب ويحصل على عمل مناسب ومستقر تدفعه آلة الدعاية الاستهلاكية الضخمة لأن يكون مشغولاً منذ بدء حياته بأمرين: تأمين معاش كريم له، وامتلاك مسكن، وقد أدى هذا إلى ارتفاع أسعار المساكن، وأدى الحرص على الملكية المبكرة إلى اختيار مساكن صغيرة المساحة وبعيدة عن موقع العمل. وهكذا نرى أن جميع الحلول فى ظل الاختيارات الاقتصادية للدول تصل إلى طريق مسدود مما يجعل الشباب يقع فريسة الإحباط والعزلة ويدفعه ذلك بالتالى إلى العنف أو الهجرة. لكى يتحول وضع الشباب من عبء على المجتمع إلى ورقة رابحة ينبعى مراجعة السياسات الاقتصادية مراجعة جذرية ورد الاعتبار للدور الاجتماعى للعمل. لمزيد من مقالات د.انور مغيث