رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تمويل مشروع الطاقة النووية من الخارج:
مصدر للقلق أم دلالة على مصداقية الاقتصاد

تتحدث وسائل الإعلام فى مصر عن خطر الاقتراض من وروسيا، من أجل بناء محطة نووية للطاقة، وأبدأ بالقول بأننى لا أعرف تفاصيل هذا المشروع المقترح تمويله من الجانب الروسي، بتكلفة يقال إنها تحتاج الى قرض بنحو 25 مليار دولار تسدد للدائن (روسيا) خلال فترة تزيد على ربع قرن، وبطبيعة الأحوال، فإن النتيجة الطبيعية لعدم معرفة تفاصيل هذا المشروع وشروط تمويله، هى صعوبة إبداء آراء قاطعة بالموافقة أو الاعتراض على هذا المشروع، انتظارا لإعلان كل تفاصيل المشروع، ومع ذلك، وبرغم هذا النقص فى المعلومات المتاحة، فقد تعددت الآراء المعلنة بخطورة هذا المشروع نظرا لضخامة حجم المديونية المترتبة عليه، فهل هذا كاف لإبداء آراء حول الموضوع؟!

وليس الغرض من هذا المقال هو تأييد أو الاعتراض على المشروع فى ذاته، فذلك يتطلب دراسة كاملة لاقتصادات المشروع وشروط القرض وأساليب سداده والمواعيد المقررة لذلك.

ولكن السبب فى إعداد هذا المقال، هو أن معظم التساؤلات حوله كانت متعلقة بخطورة المشروع بالنظر لضخامة حجم القرض، وبما قد يعرض الاقتصاد المصرى فى المستقبل لصعوبات نحن فى غنى عنها، وسؤالى هو: هل ارتفاع قيمة القرض ـ وبصرف النظر عن مواصفات المشروع الفنية والاقتصادية ـ كاف للحكم بأن ارتفاع قيمة القرض، فى ذاته، يهدد مستقبل الاقتصاد المصري؟ هذا هو السؤال.

وقبل أن أجيب عن هذا السؤال بشكل مباشر، فأود أن أذكر أن ارتفاع قيمة القرض فى أى علاقة مالية، لا تعنى بالضرورة ـ أن هذا المدين فى موقف حرج لأنه مضطر للاستدانة، بقدر ما تعنى أن هذا المدين والمشروع الذى يقدمه يتمتع بمصداقية عالية مما يدعو مؤسسات التمويل لتوفير التمويل اللازم لهذا المشروع، فالملاحظة الأولية المستخلصة من توفير هذا التمويل الأجنبى هى تأكيد مصداقية المقترض وشهادة على سلامته المالية وعلى الثقة فى المواصفات الفنية وقدرته على توليد عائدات كافية لسداد أقساط القرض. وبشكل عام، فإنه كلما ارتفعت قيمة القرض المقترح، كانت مؤسسات التمويل أكثر تشددا فى التأكيد من سلامة المشروع فنيا وماليا، وبالتالى امكانات النجاح. والسبب فى ذلك، هو أنه إذا كان المستفيد الأول من نجاح المشروع هو المالك المقترض، فإن الخاسر الأكبر من فشله هو الدائن الذى لن يستطيع أن يستوفى حقوقه بسهولة ويسر، ويكفى أن ننظر إلى أوضاع اليونان حاليا مع الدول الأوروبية الدائنة، فنظرا لكبر حجم القروض الأوروبية لليونان، وعدم قدرة الاقتصاد اليونانى فى وضعه الحالى على الوفاء بالتزاماته، فإن التفكير يتجه إلى تقديم مزيد من الدعم المالى لليونان لتمكينها من إجراء اصلاحات اقتصادية ومالية تساعدها على البدء فى سداد ديونها خلال فترة قد تمتد إلى أربعة أو خمسة عقود. فالخاسر الأول من فشل المشروع هو الدائن، ولذلك فإنه يحرص ـ عادة ـ على الدراسة الجادة للمشروعات قبل تقديم أى تمويل. ومن هنا جاءت العبارة الشهيرة للاقتصادى البريطانى كينز بأنه »إذا كنت مدينا للبنك بألف جنيه فأنت فى مأزق، أما إذا كنت مدينا للبنك بعشرة ملايين جنيه فالبنك فى مأزق« فالخاسر الأكبر من فشل المشروع هو الدائن ، وذلك فإن ارتفاع قيمة القرض لا تعنى بالضرورة ـ بأن المدين فى وضع سييء، بقدر ما تعنى أن هذا المدين يتمتع بثقة ومصداقية فى الأوسط المالية، فالمدين الأكبر فى العالم اليوم هو الولايات المتحدة، وهذه المديونية العالية إنما هى نتيجة ارتفاع الثقة فى الاقتصاد الأمريكي. وقد استطاعت الولايات المتحدة، خلال الأزمة المالية فى 2008، أن تزيد قروض الخزانة الأمريكية بعدة تريليونات من الدولارات تم توفيرها من الأسواق المالية، وكان هذا تأكيدا على قوة الاقتصاد الأمريكي، وليس ضعفه، فإقبال الدائن على تمويل المدين هو بالدرجة الأولى دليل ثقة هذا الدائن فى مصداقية المدين وفى المشروع الذى يموله.

وليس معنى ذلك، أن المشروع يصبح جيدا لمجرد وجود تمويل أجنبى فى شكل دائنين من الخارج، فقد يكون المشروع مرتفع التكاليف بالمقارنة بعروض أخرى أو بسبب قصور فى النواحى الفنية أو التأثيرات البيئية.

فسلامة المشروع لا تتوقف على ارتفاع أو انخفاض القروض التى يحصل عليها، بقدر ما يتوقف على سلامة اقتصاديات المشروعات وقدرته على تحقيق إيرادات كافية فى المستقبل لسداد تكلفة انشائه، فإذا توافرت هذه المقومات ولم توجد عروض أفضل، فإن قبول الدائن بتوفير تمويل للمشروع بمبالغ كبيرة تسدد على فترة زمنية طويلة انما هو دليل على الثقة فى المشروع وفى مصداقية الدولة التى تتعرض لاقامة هذا المشروع.

وبالنسبة لي، فإننى لم اطلع على تفاصيل هذا المشروع، فإنه يبدو لى للوهلة الأولى ان قبول دولة أجنبية ـ روسيا ـ تمويل مشروع بهذا الحجم، حيث يسدد القرض على فترة طويلة، انما هو دليل على سلامة المشروع والثقة فى مستقبل الاقتصاد المصرى فلا توجد دولة فى العالم تقبل تمويل مشروعات ضخمة خاسرة فى دول أخري، فهى هنا صاحبة مصلحة فى نجاح المشروع، ليس فقط لاستيراد قيمة القرض والفوائد انما ايضا لحماية سمعة الدولة الغنية والمالية، وقد سبق لروسيا ـ الاتحاد السوفيتى سابقا ـ ان قامت بتمويل مشروع السد العالى فى مصر حيث تراجع البنك الدولى آنذاك عن توفير التمويل اللازمة لذلك المشروع.

ولا شك ان مشروعات الطاقة تمثل بالنسبة لمصر أهمية استراتيجية كبرى فلا تستطيع دولة ان تتقدم ما لم تتوافر لها مصادر كافية ومضمونة من الطاقة، وتعانى مصر من نقصا شديدا فى مصادر الطاقة المتوافرة محليا ودون ذلك لا مستقبل لمجد فى مجال التقدم الصناعى والاقتصادي.. وهذا المشروع يحتاج إلى دراسة تفصيلية من جميع النواحى الفنية والمالية والبينية، ومقارنته بالمشروعات الأخرى للتحقيق من سلامته، اما رفض المشروع لمجرد تقديم قروض كبيرة لتنفيذه، فهذا فى الحقيقة لايمثل خطرا على البلد بقدر ما يقدم ثقة الممولين الأجانب فى مستقبل الاقتصادى المصري، ولكن هذه الدلالة الايجابية للثقة فى مستقبل الاقتصاد ليست قبولا كافيا لعدم إجراء الدراسات الفنية والمالية ومقارنة ذلك بالعرض البديلة، القرض الروسى المقترح ليس سببا القلق على مستقبل مصر بقدر ماهو عنصر ايجابى لثقة المستثمرين فى هذا المستقبل، ويظل الأمر معلقا باستكمال الدراسات حول تفاصيل المشروع فى هذا المستقبل ويظل الأمر معلقا باستكمال الدراسات حول تفاصيل المشروع ومقارنته بالعروض البديلة، والموضوع كله يصب فى خانة التفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصري.. والله أعلم.

لمزيد من مقالات د‏.‏حازم الببلاوي

رابط دائم: