رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

خوارج اليسار وعقدة عبدالناصر

مثلت ثورة يوليو وقيادة جمال عبدالناصر عامل العداء المشترك الأعظم بين العديد من القوى السياسية فى مصر والمنطقة العربية والعالم لعقدين من الزمان، كانا فترة حكمه. إلا أن الأمر أخذ بعدا عمليا وواقعيا بعد ال 30 من يونيو فسرعان ما تكون حلفا أو تناغما من القوى السياسية التى تعادى أى تشابه ولو شكليا فى أذهانهم لأى قيادة سياسية بها أى تشابه مع ثورة يوليو وقيمها وخطوطها العامة، من استقلال الإرادة الوطنية ومعاداة الاستعمار الجديد والإيمان بالتنمية المستقلة والصراع ضد الرجعية إلا أن الجديد هو انضمام أحزاب وتنظيمات تحمل أسماء اشتراكية إلى هذا الحلف.

هذا الحلف لا يعادى عبدالناصر فقط ولكنه يعادى أى حاكم مصرى قوى يبدو ولو لوهلة من بعيد أن لديه نوايا الانحياز الاجتماعى ولو همسا ونوايا توسيع آفاق السيادة الوطنية ويعتزم الصراع مع الرجعية الدينية. هذا الحلف هو ما يصارع الدولة المصرية اليوم ويسعى لصنع أزمات متتابعة ترهق الدولة وتقطع الطريق على عبدالفتاح السيسى كحاكم يبدو فى ذهنهم بشعبيته الكبيرة أن له آفاقا تتوازى مع عبدالناصر ويستطيع تجاوزهم بوحدة المصريين لقهر إرادة خصومه وخصوم البلاد،

المتتبع بتصريحات قيادات الإخوان المسلمين يدرك جيدا أن العداء لعبدالناصر مركزى فى تفكيرهم وتراثهم لذلك لم تكن مصادفة أن يدشن محمد مرسي حكمه بعبارة «الستينيات وما أدراك ما الستينيات» لم تكن العبارة مجرد تدشين عاطفى، وإنما كانت جسرا لكل القوى السياسية والاجتماعية المعادية لثورة يوليو، وما أكثرها أعداء ثورة يوليو كثر. فمنهم من فقدوا أملاكا وأراضى كعائلة ساويرس مثلا، الذى لا يخفى عداءه الواضح لناصر. وهناك أصحاب المليارات الذين صنعوا ثروات من السمسرة أثناء بيع مؤسسات القطاع العام، والذين رأوا أهمية تفكيكه حتى تفتح لهم الأبواب للثراء. وهناك الواهمون بنبل العصر الملكى، أو الذين لا يرون إلا شعارات الديمقراطية المجردة من أى بعد اجتماعى.

كان جرم عبدالناصر عظيما كان جرمه فادحا، فلقد تجاسر على انتزاع ثروات الأغنياء لصالح المعدمين كانت جريمته عالمية، فقد سعى لاستقلال الإرادة المصرية فى صراعه ضد الاستعمار. وكان مارقا، فقد حارب الإخوان المسلمين والرجعية الدينية وهدم ممتلكات الشرق. وكان لعبدالناصر شرف إطلاق السهم الأخير للحركة الوطنية التى انهكت الملكية والاستعمار. كان عبدالناصر لذلك ابنا لكفاح الحركة الوطنية الطويل متفاعلا مع عزم جديد. عزم أصحاب الاشتراكية العلمية وأعظم منظماتها فى تاريخ مصر الحديث وهى (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى ـ حدتو)، تلك التى أعلن أبناؤها أنه (لا وطنية دون سيادة وطنية ودون انحياز اجتماعى) وكانوا هم من أعلنوا أن ثلاثية الاستعمار والرأسمالية هى (الاستغلال ـ التجارة بشعارات الدين والديمقراطية ـ والحرب). كانت مصر تموج بالأفكار، فمن شهدى عطية لمحمد مندور لسلامة موسى لطه حسين كانت مصر تستعد لعقد اجتماعى جديد، مدركا لبرنامجهم ومرتديا لوشاح الاشتراكية وحاملا سيفها، تقدم جمال عبدالناصر من ميسرة الصفوف، فلقد كان ابن زمانه، زمان انتصار الفقراء والمحرومين، زمان أصداء ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى.

المطالبون بالثأر لذلك من يوليو وعبدالناصر كثر ولم يكن الاشتراكيون المصريون منهم أبدا، فلقد كان عبدالناصر أحدهم وابن زمانهم الذى صارعهم وصارعوه، ولكنهم دفعوه إلى الأمام دوما ودافعوا عنه ببسالة بعد رحيله كان تنظيم الضباط الأحرار مستبدا فكريا وتنظيميا وسياسيا على أصحاب الاشتراكية العلمية فى منظمة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى (حدتو) فلقد كان القاضى أحمد فواد العضو فى حدتو هو كاتب برنامج النقاط الست، وكانت المطبعة السرية لتنظيمهم هى ما يطبع منشورات الضباط الأحرار. وكان البطل يوسف صديق هو من اقتحم قيادة الأركان ليلة الثالث والعشرين من يوليو.

كذلك كان الفارس أحمد حمروش هو من حاصر القصر الملكى فى رأس التين أما عن خالد محيى الدين فلقد كان هو الآخر عضوا فى نفس التنظيم الملتحف بعباءة الاشتراكية العلمية، وكان رفيق فكر وسلاح مع جمال عبدالناصر وكان عضوا بمجلس قيادة الثورة وارتفع اسم خالد محيى الدين كرمز للديمقراطية فى هبة مارس 1954، وإن كان حالد محيى الدين ذاته قد اعتبرها جزءا من الثورة المضادة ومن أزمة الثورة المصرية بين عامى 1953 ومارس 1954، حينما تداخلت تخوم قوى الثورة مع قوى الثورة المضادة اختلط الحابل بالنابل، وغاب وضوح الرؤية.

بلور الاشتراكيون المصريون مواقفهم عبر مسلسل ضخم من التضحيات فى السجون والمعتقلات حول سمات ثلاث هى (الدفاع عن السيادة الوطنية والعداء للاستعمار ـ النضال ضد الاستغلال ـ والتصفية الفكرية للإسلام السياسى) وهكذا فلقد كانوا هم قيادات اللجنة الوطنية للطلبة والعمال عام 1946، وكانوا هم دعاة تأميم قناة السويس والعاملين لتكوين اتحاد عمال مصر وكان منهم شهداء فى البلاد ضد القواعد الأجنبية فى القناة عام 1951 ثم كانوا علامات بارزة فى المقاومة الشعبية فى بورسعيد عام 1956 فى تعاون وتحالف عميق مع الدولة المصرية فى بورسعيد 1956أثناء العدوان الثلاثى.

وانتقل عبدالناصر بهم ولمزيد من الانحياز لفكر الاشتراكية العلمية فهو يسميها فى الميثاق نهجا للدولة فى علامات بارزة بلغت ذراها للسعى لبناء حزب واحد للاشتراكيين المصريين مع جمال عبدالناصر سنة 1964، وهنا يجدر الذكر أن إنكار الذات للاشتراكيين المصريين فى مواقفهم كان مأثرة وطنية عظيمة، وخالدة.

فلقد كان شهدى عطية ورفاقه هم أصحاب خط التحالف مع عبدالناصر، رغم عذابات عظيمة وراء الأسوار فها هو شهدى عطية قائد منظمة حدتو يقف فى محاكمته فى الإسكندرية مؤيدا لتأميمات البنوك فى مصر ويقتل بعدها فى أبوزعبل تحت التعذيب فى 15 يونيو. ويستمر رفاقه فى خط تأييد جمال عبدالناصر لأنهم آمنوا بأن التغيرات الاجتماعية فى البلاد من الخطورة بما يفرض عليهم الانحياز لها بغض النظر عما ارتكب ضدهم من جرائم كان موقفهم ذاك وسيظل مثلا أعلى فى الوطنية والنضال وانكار الذات.

أما اليوم فنحن نشهد من يطلقون على أنفسهم «ناصريون أو اشتراكيون ثوريون» أو أحزاب تحمل اسم تحالف اشتراكى أو 6 ابريل يتبنون مواقف خارجة عن صتراث الاشتراكية فى مصر، بل ويتجاهلون عن عمد عاصفة الاستعمار الجديد وجريمته ضد الإنسانية فى حق ملايين العرب. إنهم يتناغمون ويتحالفون ويصطفون مع الإخوان المسلمين لإحداث عاصفة تطيح بالدولة المصرية اليوم، وهى تتشبث بسارى سفينة تخوض بحر ظلمات اقتصادى وسياسى دولى واقليمى. منظمات تتبنى التجاهل المتعمد لحقيقة الصراع فى الشرق كقلب لسياستها فلقد اختزلت تلك الأحزاب الصراع الدولى والإقليمى إلى قضية الحريات. وربما لم يكن غريبا أن يمجد بعضهم المفكر البريطانى كريس هيرمان أحد رموز منظمة الاشتراكيين الثوريين، تلك المنظمة التى تتهم فى بريطانيا بتجارتها بالشعارات الثورية، والتى لم يخجل هيرمان ذاته من هجومه على هوشى منه الزعيم والثورى الفيتنامى، بينما فيتنام تحت القصف الأمريكى.

وللاشتراكيين تاريخيا قواسم وأدوات للتحليل فأصحاب الاشتراكية العلمية هم أهل منهج (التحليل الاقتصادى الاجتماعى) للظواهر وهم كذلك أصحاب (الرؤية الطبقية) للعالم وشعار العسكر ذاك لا ينطوى تحت هذا أو ذاك فهو شعار مجرد من البعد الاقتصادى والاجتماعى ومتباعد عن أى تحليل طبقى. والاشتراكيون المحدثون فى مصر والذين ظهروا حول يناير تدور شعاراتهم حول قضية الديمقراطية ويضعون عليها قداسة عظمى، بينما هم فى الواقع يختزلونها لا لحرية التعبير إنما لحرية التظاهر والاعتصام والاحتجاج العنيف إن الدفاع عن السيادة الوطنية ومركزية العداء للاستعمار الجديد وجرائمه هى ورقة عباد الشمس التى ستحدد الطبيعة الحقيقية لأى قوى سياسية اليوم بغض النظر عما تتسمى به من أسماء ناصرية أو اشتراكية.


لمزيد من مقالات د‏.‏ حازم الرفاعي

رابط دائم: