رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
منذ سنتين ـ تحديدا فى 24 مايو 2014 ـ انتقل إلى رحمة الله الكاتب والصحفى سعد هجرس، ولم تتح لى فى ذلك الوقت فرصة الكتابة عنه، كونى أن المصاب بالنسبة لى كان جللا، وكان على أن انتظر زمنا حتى يمكننى أن أكتب بعيدا عن التأثر العاطفى المصاحب لفترة الوفاة، وأتصور أن الوقت أصبح مناسبا، ناهيك على أنه من الشخصيات الفاعلة التى علينا استحضارها من الناحيتين العملية والفكرية لإنارة الطريق فى زمن الظلام، ولتثبيت المواقف فى لحظات الفزع التى تمر بها أمتنا هذه الأيام، وللتذكير عربيا بالعطاء المصرى على مستوى العلاقات بين مثقفى الأمة. كنت و ماأزال وسأبقى ما حييت، أرى فى الراحل سعد هجرس الوجه الثقافى والحضارى لمصر، وقد يرى القارئ أن هذا أمر مبالغ فيه، انطلاقا من أنه يختصر عمل الفريق أو الشعب فى فرد واحد، وهذا على المستوى النظرى صحيح، لكن على المستوى العملى يُشِّكل فعل الفرد، خاصة إذا كان من المؤثرين فى الرأى العام، مصدراً للحكم على قطاع واسع من المجتمع، وبالنسبة للكاتب سعد هجرس، فقد وسع صدره وبيته كل الإعلاميين والكُتّاب العرب الذين صادقوه، أو الذين عملوا تحت إشرافه فى مؤسسات إعلامية مختلفة، وخاصة «جريدة العالم اليوم»، وكذلك الحال بالنسبة للمصريين. تعرّفت على سعد هجرس من خلال أستاذى الدكتورمحمد حافظ ذياب، فى مؤتمر عقدته الجمعية العربية لعلم الاجتماع فى القاهرة، وكان هجرس فى ذلك الوقت يشغل منصب مدير تحرير مجلة المنار التى اصدرها صديق عمره أميرإسكندرمن باريس، وقد تميزت بالطرح الجاد والعميق، وأغلقت بسبب تداعيات حرب الخليج الأولى. بعد مدة رشحنى للمساهمة معه بالكتابة من الجزائر فى مجلة المنار، وبعد أن تأسست جريدة «العالم اليوم» بشهور عيننى مراسلا لها من الجزائر، وبقيت على هذه الحال إلى أن احتميت بمصر من الإرهاب، فاقترح على رئيس التحرير عماد الدين أديب تعييني، وكان له ذلك، وبقيت فيها حتى سافرت إلى الإمارات فى نهاية أغسطس العام 2000. على مدى ربع قرن من معرفتى للراحل سعد هجرس، سواء أكان ذلك فى البداية حين كنت فى الجزائر، أو عندما صرت فى مصر وألتقى به بشكل شبه يومي، أو حين عملت فى الإمارات، كان ـ يرحمه الله ــ على خلاف أيديولوجى ومبدئى معي، وتحديدا حول موقفنا من تيار الإسلام السياسي، ففى الوقت الذى كنت أصرّ على حقه فى الحكم، كان يرى فيه خطرا داهما، علينا جميعا الوقوف ضده، وحين جئت إلى مصر هاربا من بطش الجماعات الإرهابية على خلفية صراعها مع النظام الجزائرى من أجل السلطة، لم يتطرق سعد إلى الموضوع، ولم يٌعقِّب على فشل قناعاتى، كما لم يحاول دفعى إلى مهاجمة الجماعات ـ كتابة ـ بنفس الطريقة التى كان يهاجم بها الجماعات الدينية. أذكر سعد هجرس اليوم للقول: لقد غيّر من تلك الصورة النمطية التى لازمتنا إلى وقت طويل نحن أبناء المغرب العربي، حين قارنا بين علاقتناـ نحن المعربين ــ بأساتذتنا فى المشرق، وبين نظرائنا من التيار الفرانكفوني، حيث رجحت فيها الكفة لصالح الفرانكوفونيين لجهة استمرار علاقتهم مع أساتذتهم الفرنسيين كونها تقوم على المبادئ، مصحوبة بامتداد الزمن، وكسر حواجز الجغرافيا والهويَّات، فى حين ظلت على المستوى العربى قصيرة المدى وقائمة على مصالح محدودة وآنية، وخاضعة لتغيرات السياسة... لقد غير هجرس من تلك النظرة، فعلاقته بى لم تنقطع سواء كنت خارج مصر أو داخلها. أذكر سعد هجرس اليوم، لأنه لم يفصل بين القضايا المحليةـ الوطنية، وبين القومية ـ العامة، حتى إنه فى سنوات الدم فى الجزائر كان محاربا شرسا، وحين اشتد الإرهاب فيها زارها ضمن وفد إعلامى بدعوة من الدولة الجزائر، وتجول فى مناطق عرفت بأنها خاضعة للجماعات الإرهابية، وحين عاد كتب على تلك التجربة. أذكر هجرس اليوم: لأن مساحة الحوار داخل الدول العربية ضاقت لدرجة لم يعد فى مقدور أحد مناَّ تحمل أخيه ولو إلى حين، فلا الأنظمة جديرة بالدعم والبقاء على حالها الراهنة، وعلى المعارضة تحمل هما وطنيا أو قوميا يعطيها شرعية الوجود.. إننا ندخل مرحلة الضياع والتيه، ما يعنى أننا فى حاجة لأمثال هجرس، الذى لامنى يوما حين عرف أن السلطة بقيادة الرئيس اليامين زروال دعت إلى حوار مع المثقفين فى الداخل والخارج ورفض كثير منهم، فقد قال يومها:«غريب أمركم.. أيعقل أن تدعوكم السلطة للحوار فلا يتجاوبون معها؟.. كل الناس فى دول العالم تسعى إلى الحوار إلا أنتم.. أليس الحوار نقيض الإرهاب والعنف والدم؟!». أذكر سعد هجرس اليوم، معترفا له بأن الفراق صعب، وأصعب ما فيه ألا تجد من كان يدعمك بالمشورة والرأي.. لقد كنت ناصحا لكل من عرفك، وأذكر اليوم محاولتك الجادة للحيلولة دون ذهابى من مصر مع أن عقد العمل الذى عرض على كان مغريا مقارنة بما أتقاضاه فى مصر.. كنت ترى أننى سأكبر فى مصر رغم صعوبة الحياة والتأقلم، وأصغر فى غيرها مهما أوتيت من مال أو حققت من مكانة، وقد صدقت فى قولك وفى توقعك. أذكر سعد هجرس اليوم، لأنى عشت معه أياما زادتنى حبا فى مصر، وهياما فيها، وخوفا عليها، وانتظارا لغد عربى مشرق منها رغم ما يخيم عليها اليوم من ضباب.. فى بيتك أيها الراحل الغالى عشت أنا وزوجتى وبناتى لحظات مثيلة تماما ـ وأحيانا أكبرـ لتلك التى عشناها مع أسرتنا فى الجزائر، وكان حضور أبنائك أدهم وهند وسارة فيض حنان لا ينتهي.. أيام مع العمر وإن بدت خاصة فهى بلا شك جزء من عمر أمة، هى فى بعدها الإنسانى أكبر وأعمق وأهم من حسابات السياسيين. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه