شهدت الأيام الأخيرة تطورات مقلقة تتطلب سرعة التحرك الجماعى غير المتردد لمواجهة تداعياتها المحتملة من بينها تنامى العلاقة بين تنظيمى داعش وبوكو حرام الإرهابيين وتصريح مسئول أمريكى رفيع بأن مسلحين من الحركة النيجيرية وصلوا إلى ليبيا ويقاتلون مع داعش الذى دعا أيضاً لاستهداف بعثة الأمم المتحدة فى الصحراء الغربية والسياح الغربيين ومقار الأمن والشركات الأجنبية بالمغرب وما تردد عن مبايعة قبائل القذاذفة وأولاد سليمان وورفلَّه الليبية ذات النفوذ له.
القلق يتمثل فى احتمال أن يؤدى تزايد نفوذ داعش فى ليبيا وتنامى التعاون والتنسيق مع بوكوحرام إلى توغل عناصره صوب الجنوب فى منطقة الساحل التى تضم تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالى وموريتانيا واتخاذها منصة انطلاق لشن هجمات إرهابية أوسع فى وسط وغرب إفريقيا فى ضوء الرقابة غير المحكمة على الحدود بين ليبيا وتلك الدول وبينها وبين بعضها البعض مما يهدد مصالح الدول الكبرى الاقتصادية والاستراتيجية فيها،ويكفى مثالاً على تلك المصالح أن ما بين 25% و40% من اليورانيوم اللازم لتشغيل محطات الطاقة النووية الفرنسية يتم استخراجه من النيجر، فإذا تأكد حدوث تعاون بين التنظيمين اللذين يحاصران تلك الدول من الشمال والجنوب ستزداد فاعلية تحركاتهما وعملياتهما الإرهابية بخطف الرعايا الغربيين وتفجير الفنادق التى يرتادونها كما حدث فى مالى وبوركينا فاسو وساحل العاج، وشن هجمات على قوات حفظ السلام.
مسئول أمريكى كبير قال إن هناك مؤشرات على قدوم مقاتلين من بوكو حرام إلى ليبيا عبر الحدود المملوءة بالثغرات للدول الواقعة جنوب الصحراء،وقال وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند إن النية لإقامة اتصال مباشر بين التنظيمين موجودة بشكل واضح، مشيراً إلى مبايعة بوكو حرام لأمير داعش فى يونيو الماضى لكن الأدلة مازالت قليلة على وجود تعاون، غير أن ذلك التعاون غير مستبعد فى ضوء الرغبة المشتركة فى الانتقام والضربات العسكرية التى تعرض لها داعش فى سوريا والعراق وفقد بسببها 45% من الأراضى التى سيطر عليها فى الأولى وما بين 16% و20% فى الثانية وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، وانسحابه مضطراً من درنه وبنغازى فى شرق ليبيا، وشروعه فى شن هجمات على أهداف بالمناطق المجاورة لسرت، وسيطرته على منطقة أبو قرين الإستراتيجية قبل أن تستعيدها القوات الحكومية فى وقت لاحق ومحاولة السيطرة على مناطق إنتاج البترول بمنطقة الهلال النفطي،يضاف إلى ذلك دعوة أبو الوليد الصحراوى قائد فرع داعش فى الصحراء الكبرى للمرة الأولى لضرب السياح والشركات الأجنبية بالمغرب وبعثة الأمم المتحدة بالصحراء الغربية، مطالباً بنصرة ما وصفها بالخلافة الإسلامية فى المغرب الإسلامي.أما بوكوحرام فتعرضت لضغوط عسكرية أشد أجبرتها على الانسحاب من المدن والقرى التى سيطرت عليها والاختباء فى غابة سامبيسا بشمال شرق نيجيريا، واتخاذها نقطة انطلاق لشن هجمات خاطفة وعمليات انتحارية بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، من هنا نبَّه زعماء أفارقة إلى أن استقرار ليبيا أمر أساسى لمحاربة بوكوحرام وتحسين الأمن بالمنطقة.
فى ضوء تلك التحذيرات بادرت الدول التى أقلقتها تلك التطورات بعقد مؤتمر فى العاصمة النمساوية فيينا لدعم حكومة الوفاق الوطنى الليبية فى مواجهة داعش ومؤتمر آخر فى أبوجا عاصمة نيجيريا للتصدى لبوكو حرام والقضاء على التطرف فى المناطق التى ينتشر بها، فى المؤتمر الأول أعلنت الدول الكبرى استعدادها لتسليح وتدريب قوات حكومة الوفاق لمساعدتها على محاربة داعش،وقال جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى إنهم سيدعمون طلب طرابلس فى مجلس الأمن لرفع الحظر المفروض على توريد السلاح، مضيفاً أن داعش تهديد جديد لليبيا ويتعين التصدى له، وأن الدعم بالسلاح جزء من حزمة إجراءات تم الاتفاق عليها تتضمن أيضاً مساعدات غير عسكرية، ومع أن إلغاء حظر السلاح خطوة مهمة سبق أن طالبت بها مصر منذ أكثر من عام لدعم الحكومة الشرعية إلا أن دولاً مثل ألمانيا تحفظت عليه بدعوى أن حكومة الوفاق لم تسيطر على الأوضاع بما يكفى لمنع وقوع تلك الأسلحة فى أيدى ميليشيات مسلحة أوجماعات إرهابية، كما أعلن نائب الأمين العام لحلف الأطلنطى ألكسندر فيرشيو استعداد الحلف لمساعدة ليبيا إذا طلبت ذلك حكومتها بشرط أن تعزز سلطتها،وهى شروط تبدو غير قابلة للتحقق قبل أن تتلقى المساعدات.
وفى مؤتمر أبوجا طالب المشاركون ومنهم فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة المجتمع الدولى ببذل جهد أكبر لمحاربة بوكو حرام واجتثاث التطرف من مناطق انتشاره باستخدام القوة العسكرية والقوة الناعمة، وحذر بلينكن مساعد وزير الخارجية الأمريكى من أنه إذا تم القضاء على بوكو حرام ولم تتم معالجة جذور التطرف ومنها الفقر والحرمان وغياب فرص التعليم ستظهر جماعة أخرى شبيهة بها، ومع ذلك لم يعلنوا عن إجراءات محددة للمساعدة فى محاربة بوكو حرام ولا لتنفيذ القوة الناعمة للقضاء على الفقر والحرمان للحد من تفريخ أتباع جدد للحركة، كما لم يحلوا مشكلة تمويل وتدريب وتسليح القوة الإقليمية المتفق على تشكيلها قبل عام من 8700 جندى للقضاء على بوكو حرام ولم تبدأ مهمتها بعدّ!.
لمزيد من مقالات عطيه عيسوى رابط دائم: