دق قلبى الموجوع فزعا والموبايل يعطينى اشارة ورود رسالة، فالساعة كانت السادسة والربع صباح الأحد قبل الماضى ولما قرأت الرسالة تضاعفت آلامى فالخبر كان عن استشهاد رجال الشرطة الثمانية فى سيارتهم على كورنيش حلوان.. وبمتابعة التفاصيل تبين ـ كما قيل ـ أن أربعة ملثمين اطلقوا نيران بنادقهم على سيارة الأمن من كل اتجاه، وانهم كانوا يترصدونها ويراقبونها وكانوا يعرفون مواعيدها وتحركاتها بخط سيرها! ومعنى ذلك أن الإرهابيين تلقوا اتصالا تليفونيا فور تحرك السيارة وربما كان يوجد شخص يستقل سيارة أخرى ويسير خلفها ليبلغ عن مكانها أولا بأول ليستعد الجناة فى الوقت المناسب.. فهل جرى هذا نتيجة خيانة اخترقت موقع الشرطة؟ أم أنه كان نتيجة اهمال جعل هذه الدورية تخرج بالسيارة لمهامها كل يوم فى نفس التوقيت وتسلك نفس المسار.. مما جعلها فريسة سهلة للاصطياد؟ وإذا كان ذلك كذلك فلماذا يحدث؟ ولماذا تتكرر نفس الأخطاء التى عانينا منها وعلمتنا التجارب ان نغيرها فى ضوء ما سبق فنحن نكافح الإرهاب منذ سنوات بعيدة.. بل نكافح المهربين والخارجين على القانون منذ عشرات السنين وتعلمنا كيف يمكن أن تخرج قوة شرطة لأداء مهمة معينة دون أن يعرف أفرادها أين.. وانما فقط تكون المعرفة لدى قائدها الذى يطلب من السائق التحرك فى اتجاه خاطيء.. ثم يغيره ويبدله حتى يقترب من الهدف فيفصح لرجاله عن طبيعة المهمة وذلك كله ليس تخوينا لأحد وانما حفاظا على السرية.. فما الذى حدث؟ وكيف تكون الاستفادة من التجارب إذا خرجت سيارة ـ مثل تلك التى نتحدث عنها ـ دون أن يكون رجالها فى وضع استعداد.. ودون أن تراعى مسبقا .. قواعد التأمين؟.
اننا مع الشرطة قلبا وقالبا.. وندرك مدى خطورة وجسامة المسئوليات التى تقوم بها سواء بمفردها أو بالتعاون مع القوات المسلحة الباسلة فى مكافحة طاعون الإرهاب الأسود.. ومن ثم فانهم ـ أى رجال القوات المسلحة والشرطة ـ بعض منا.. ونحن بعض منهم.. ولذلك نسمح لأنفسنا بشيء من النقد الذاتى تنقيبا عن أصابع خيانة ـ إن وجدت! ـ وسعيا لتطوير الأداء.. فإلى متى يستمر نزيف الدم ويسقط الشهداء كل يوم؟
ويتحتم أن تعرف الشرطة بكل مستوياتها.. ويعرف رجالها بكل درجاتهم.. انهم فى حرب حقيقية تتطلب فرض السرية على أعمالهم ـ أيا كانت ـ وعدم التحدث عن تحركاتهم.. مع حسن التعامل مع المواطنين الذين يشكلون الظهير الشعبى للأمن، فإن تحسنت العلاقة بين الطرفين.. كان الظهير أكثر ايجابية! ثم ـ وبالمناسبة ـ فاننى لا أعرف لماذا تتقاعس الشرطة دون تفعيل قوانين موجودة أصلا.. مع أن هذا التفعيل يقى من شرور كثيرة ويسهم فى تضييق الخناق على الخارجين عن القانون بل ويكشفهم! ومن هذه القوانين غير المنفذة ـ على سبيل المثال ـ ضرورة أن يبلغ كل حائز لوحدة سكنية عن الأجنبى غير المقيم إذا استضافه خلال زيارته لمصر.. أو إذا تعاقد معه على استئجار المسكن سواء خاليا أو مفروشا. بل يبلغ حتى إذا كان الايجار لمصرى يستضيف بدوره شخصا غير مصري، إذا علم صاحب المسكن بذلك.
ولماذا لا يعمل أى شخص فى مهنة «بواب» عمارة أو «حارسا» أو «مناديا للسيارات».. إلا إذا حصل على ترخيص من قسم الشرطة بعد تقديم مستندات منها: صحيفة الحالة الجنائية والرقم القومى وخطاب من اتحاد شاغلى المبني، أو من اتحاد الشاغلين وأصحاب متاجر ـ حسب المنطقة ـ فى حالة المنادي.
فإن البواب والحارس والمنادي.. يكونون واعين لمهامهم للإبلاغ عن غير المصريين وعما يرتابون فيه.. ولمباحث الشرطة إتخاذ الإجراءات سلبا أو ايجابا.
وكما قلنا فى مقال سابق فان هذه المهام لا تشكل عبئا على الشرطة لأنها يمكن أن تستعين بشباب يعملون معها بعقود.. كما أنها تحصل من طالبى التراخيص: أى البواب والحارس والمنادي.. رسوما بسيطة لا تزيد على مائة جنيه بما فى ذلك قيمة الصحيفة الجنائية وبطاقة الترخيص.. والمصروفات الإدارية. وأكرر مجددا.. أننا أكثر حرصا على الشرطة.. وعلى سلامة المجتمع والوطن.. وعلى سمعة مصر وأمنها..
وأكرر أهمية الاستنفار بتطوير الأداء.. علميا، وبتشديد الانضباط والسرية وتنويع الخطط.. وضرورة تفعيل القوانين المعطلة.. وأشدد على حسن التعامل مع المواطنين ومساعدة الناس بدلا من تصيد الأخطاء أو غير ذلك!! فإن هذا يجعل من كل مواطن خفيرا وظهيرا وحاميا.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.
لمزيد من مقالات محمود مراد رابط دائم: