رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

وفى مصر الواقع والمأمول

ناقشت بعض الندوات مؤخراً كيف تدير مصر أزماتها الداخلية والخارجية وقد خلصت جميعها إلى فقدان الحكومات المصرية المتعاقبة لمنهجية إدارة الأزمات فى قراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية سواء لعدم اقتناع القيادات السياسية بفكر وعلم إدارة الأزمات، أو لافتقادها للكوادر العلمية المتخصصة التى تساعد على اتخاذ القرارات فى أوقات الأزمات.

وقد تتعجبوا إذا علمتم أنه رغم مرور مصر بأزمات عديدة ابتداء من أحداث 25 يناير 2011 ، إلا أن الحكومات الخمس التى تشكلت حتى الآن لم تفطن لأهمية التواصل مع المجتمع بفئاته المختلفة للتوافق على كيفية إدارة هذه الأزمات للخروج منها بأقل قدر ممكن من الخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلاً عن عدم امتلاكهم جميعاً أدوات حقيقية للتأثير فى المجتمع الدولى لإقناعه بسلامة وجهة النظر المصرية فى التعامل مع القضايا سواء الداخلية أو الخارجية، وذلك لقصور واضح فى استخدام أدوات ووسائل التواصل والتأثير الاجتماعى سواء بوسائل الإعلام التقليدية، أو بما تمتلكه الهيئة العامة للاستعلامات من مكاتب داخلية وخارجية تجعل منها جهاز الإعلام الرسمى والعلاقات العامة بالدولة.

من الصعب أن نتصور أن تكون مؤسسات الدولة سبباً فى نشوء الأزمات وتصاعد حدتها سواء بالتهويل أو التهوين، أو بتجاهلها وعدم إدراك حدوثها، وهو ما تكشفه تداعيات الأزمة الراهنة بين وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين والتى يلعب الإعلام دوراً فى إشعالها عن قصد أو جهل بأبعاد الأزمة، فلا أتصور أن السيد نقيب الصحفيين كان يرغب فى أن تتعرض البلاد لهذا الكم من الخسائر على المستويين الداخلى والخارجى وهو يدافع عن حرية الصحافة والصحفيين فلو أنه شكل مجموعة من كبار الصحفيين لدراسة أبعاد الأزمة تمهيدا ً لإدارتها بعيداً عن أية مؤثرات داخلية أو خارجية لكانت قراراته والتوصيات الصادرة عن اجتماعاته أكثر عقلانية وقبولاً، كما أنه كان واجباً على جهاز الشرطة أن يتعامل بحكمة أكبر مع واقعة إلقاء القبض على شابين مطلوبين للعدالة ، حتى ولو كان هذا الإجراء تنفيذاً لصحيح القانون، فهنا تتجلى منهجية إدارة الأزمة والتى تضع أولويات وأسبقيات للتعامل مع الأحداث وفقاً لمدى تأثيرها على الأمن القومى المصري.

لايمكن أن يشكك أحد فى الإنجازات التى حققتها وزارة الداخلية فى الحفاظ على النظام العام والأمن منذ قيام ثورة 30 يونيو حتى الآن، بعد تكليف القيادة السياسية لها بالحفاظ على أمن الوطن والمواطنين واعتبارها الغاية القومية للدولة بعد الثورة، وقدمت المئات من الشهداء والجرحى فى سبيل تحقيق تلك الغاية، تلك التضحيات التى قدمها رجال الشرطة يندر أن تجدوا مثيلاً لها والدليل على ذلك ما ترونه بأعينكم فى الدول المجاورة ( ليبيا وسوريا والعراق واليمن )، ولا ننسى أننا خرجنا من ثورتين تعرض على إثرهما المجتمع المصرى لحالة من عدم الاستقرار والانفلات الأمني.

ورغم إدراكى بأن هناك حالة ترصد وتعمد استفزاز لرجال الشرطة من عناصر مضللة أو ممولة ومدفوعة من الخارج لافتعال أزمات على خلفية قضايا ساذجة، إلا أنهم يدركون أنها ستؤتى ثمارها نتيجة الضغوط النفسية التى يتعرض لها هذا الجهاز الوطني، وهنا يأتى دور إدارة الأزمات فى إحتواء التأثيرات السلبية للقرارات المتخذة والتمهيد المجتمعى لها لتقبل نتائجها والحيلولة دون تحميل هؤلاء الرجال تداعيات تنفيذ تلك القرارات ووضعهم فى مواجهة مباشرة مع الرأى العام، فنجاح إدارة الأزمة يكون بدرء حدوثها أصلاً وإذا وقعت يتم إدارتها بأسلوب علمى لاحتواء تداعياتها السلبية، ثم يتم دراسة أسباب حدوثها لأخذ الدروس المستفادة منها للحيلولة دون تكرارها مستقبلاً، أما أن تتكرر الأزمات مع نقابة المحامين ثم نقابة الأطباء وروابط الألتراس، فإن ذلك يؤشر إلى وجود خلل فى إدارة الأزمات لاسيما وأن قرار إلقاء القبض على الصحفيين جاء قبل اليوم العالمى للصحافة مباشرة، وبما أدى إلى ظهور مصر بصورة لا تعبر بصدق عن موقفها من قضايا حرية الرأى والتعبير، وهذا ما يدفعنى للكتابة عن أهمية تبنى مناهج إدارة الأزمة فى عمل كافة وزارات الدولة ، لأننا بالفعل نمر بأزمة داخلية كبيرة أدت إلى تراجع مناخ الثقة بين فئات المجتمع، نتيجة تغليب المصالح الذاتية الضيقة على المصالح القومية.

وينبغى التمييز بين الحالات الطارئة التى تواجهها الوزارة فى إطار عملها الروتينى والتى يمكن للإدارات المركزية والفروع التعامل معها بنجاح وبين الأزمات التى يمكن أن تواجهها وتتطلب تكوين فريق إدارة الأزمة الذى يضم ممثلين لكل أجهزة الوزارة وفروعها، ويمكن أن يستعين باستشاريين متخصصين فى التنبؤ والدراسات الإحصائية، حيث يقوم فى مرحلة ما قبل الأزمة بتحديد الأزمات التى يمكن أن يواجهها القطاع وإعداد خريطة المخاطر لتحديد إجراءات محاصرة الأزمة وحلها تضعف بحسب نوع الأزمة وحجمها والمتأثرين بها والمسببين لها والعوامل المحيطة، مع وضع سيناريوهات للأزمة وتدريب الجميع عليها، ويجب أن يتوافر لدى الوزارة أساليب لمراقبة الوضع والإبلاغ عن أية إشارات قد لا تكون واضحة لغير الخبير، مع أهمية تفعيل مركز إدارة الأزمة الذى يتواجد فيه كبار المسئولين، ويحصل على المعلومات من جميع نقاط الرصد الموجودة أو التى تضاف عند حدوث الأزمة بهدف إصدار القرارات بطريقة تفاعلية واضحة.

تقتضى إدارة الأزمات الإعداد المسبق لسيناريوهات التعامل مع الأحداث التى تطرأ، واستغلال عنصر الوقت المتاح لمتخذ القرار قبل حدوث الأزمة فى توفير المعلومات عن أبعادها المختلفة، مع تضمين تلك السيناريوهات بدائل لاتخاذ القرار، ويجب أن تراعى تلك البدائل مجموعة من الاعتبارات الداخلية والخارجية المؤثرة فى عملية صنع واتخاذ القرار، وأهمها البيئة الداخلية ويقصد بها طبيعة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية المحيطة بالأزمة، وكذا ردود الفعل الإقليمية والدولية تجاه القرارات المتخذة، خاصة فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد التى تخوض حرباً شرسة ضد الإرهاب ليس فقط التنظيمات الإجرامية التى ترتدى عباءة الدين، وإنما أيضا تورط أجهزة استخبارات لقوى دولية فى التحريض والتدبير وتوفير الملاذات الآمنة لقيادات وكوادر تلك التنظيمات، وهو ما يضع عبئاً كبيراً على كاهل متخذ القرار لأن ردود الفعل المثارة فى كل أزمة تتجاوز الحدود الطبيعية لها، ونقيس على ذلك ما كشفته أزمة نقابة الصحفيين من انقسام القيادات الصحفية حول قرارات اجتماع النقابة التى اتسمت بالتصعيد المبالغ فيه لتحقيق مصالح ضيقة لا تخدم أهداف الأمن القومى ورفض معظم رؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة لبعض توصياتها ( رفض احتجاب الصحف أو تسويدها وإقالة الوزراء).

وهنا تأتى أهمية دور الإعلام فى إدارة الأزمات، حيث يكتسب أهمية خاصة فى ظل ثورة المعلومات والسماوات المفتوحة والانتقال الحر للمعلومات والشائعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذى تستغله الكتائب الألكترونية لافتعال وإثارة الأزمات الداخلية، لاسيما مع فقدان مؤسسات الدولة القدرة على استخدام تلك الشبكات للتواصل مع فئات المجتمع لتعريفهم بالإنجازات التى تحققها الدولة فى المرحلة الراهنة، وقصر التناول الإعلامى على الوسائل التقليدية التى لايطلع عليها الشباب، وبما أدى إلى اتساع الفجوة بين المؤسسات الحكومية والشباب، وتراجع مناخ الثقة بينهما، خاصة فى ظل اتسام أداء بعض القنوات الفضائية بعدم المصداقية، أو إحترام قدسية ورسالة وأخلاقيات العمل الإعلامي، وتبنى بعض الإعلاميين المأجورين لمواقف ورسائل إعلامية تخدم مصالح وأجندات أصحابها من رجال الأعمال دون مراعاة لمتطلبات الأمن القومى فى ظل التحديات السياسية والإقتصادية والأمنية التى تواجهها مصر.

ولاشك أن غياب التنسيق بين مؤسسات الدولة والإعلام كان سبباً فى تشويه العديد من الحقائق، وبما دفع السيد رئيس الجمهورية للاتصال بالقنوات الفضائية لتوضيح الموقف وعرض إنجازات الحكومة فى بعض المجالات للتغطية على فشل المئات من المستشارين والمسئولين فى تلك المؤسسات فى التواصل مع الإعلام بجدية وحسم، كما ساهم بعض مقدمى البرامج الذين يشعرون بانتفاخ الذات والزعامة الكاذبة فى إصابة المجتمع المصرى وخاصة الشباب بحالة من الإحباط واليأس بسبب جرعات التشويه والهجوم على قيم المجتمع ومعتقداته ورموزه التى سيطرت على برامجهم مما أدى إلى فقدان الإحساس بالأمان والاستقرار والأمل لدى قطاع عريض من الشباب، ومن ثم تراجعت لديهم مشاعر الولاء والانتماء للوطن، وبما يجعل منهم فريسة للتطرف بشتى أنواعه، وبيئة خصبة للاستقطاب من جانب التنظيمات المتطرفة والإرهابية.

وبالنظر الى حجم المخاطر والتحديات التى تواجهها مصر خلال المرحلة الراهنة، وتعرض الحكومة لانتقادات مستمرة نتيجة القصور فى معالجة الأزمات، وحاجتها لتأمين إنجازاتها التى تحققت على أرض الواقع فلابد من دمج مفهوم إدارة الأزمات والحد من أخطارها فى خطط التنمية المستدامة التى تسعى لتنفيذها بهدف تعزيز الشراكة الوطنية فى مجال التطوع والمشاركة المجتمعية بما فى ذلك مؤسسات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية الوطنية للاستفادة من تواصلها مع غالبية فئات المجتمع والمساعدة سواء فى توفير عنصر الإنذار المبكر بالأزمات المحتملة، أو متابعة وتقييم أوجه التقدم التى أمكن إحرازها خلال عملية إدارة الأزمة، وبما يتطلب اتخاذ خطوات جادة وسريعة لإنشاء مركز قومى لإدارة الأزمات يتبع مباشرة رئيس مجلس الوزراء مع إمداده بالكوادر الفنية المؤهلة، فضلاً عن الاهتمام بتفعيل دور مراكز الأزمات الموجودة فعلاً بالوزارات والمحافظات لاستكمال منظومة إدارة الأزمات على المستوى القومي.

•عضو سابق باللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحد من أخطارها.


لمزيد من مقالات لواء محمد عبدالمقصود

رابط دائم: