رئيس مجلس الادارة
أحمد السيد النجار
رئيس التحرير
محمد عبد الهادي علام
جاءت الزيارة الرسمية الأولى للرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند لمصر من 17 إلى 19 أبريل لتؤكد إستمرار تطور وتنامى العلاقات الثنائية منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الأمور فى البلاد فى يونيو 2014. والواقع أن تلك ليست الزيارة الأولى لأولاند، وإنما سبقها حضوره إفتتاح مشروع توسيع وإزدواج الممر المائى لقناة السويس فى 6 أغسطس الماضى. وكان هو الزعيم الغربى الوحيد الذى حضر تلك الإحتفالية. وكان لذلك دلالة رمزية واضحة، تمثلت فى تأكيد التقارب الكبير بين البلدين على الأصعدة العسكرية والسياسية والإقتصادية خلال الفترة السابقة. وهو ماتمخض عن توقيع مجموعة من صفقات السلاح خلال العام المنصرم، أهمها شراء 24 مقاتلة "رافال" متعددة المهام. وقد حلقت فوق موقع الإحتفال بإفتتاح القناة الجديدة أولى ثلاث طائرات من هذا الطراز تسلمتها مصر بمقتضى الإتفاق الموقع فى فبراير 2015. وكان ذلك تأكيدا للتقارب مع فرنسا ولتوجيه رسالة للخارج مفادها أن مصر لن ترضخ للضغوط الخارجية التى حاولت أن تمارسها الولايات المتحدة باستخدام المساعدات العسكرية. وكانت أولى نتائج تلك الضغوط توجه مصر نحو تنويع مصادر السلاح من خلال إبرام صفقات مع فرنسا وكذلك روسيا. وقد وقعت القاهرة وباريس خلال زيارة أولاند الأخيرة إتفاقية لتزويد مصر بقمر صناعى للإتصالات العسكرية بقيمة 600 مليون يورو. والواقع أن التقارب الكبير بين مصر وفرنسا فى الفترة الأخيرة، والذى جسدته بصفة خاصة صفقات السلاح، يرجع بصورة أساسية للوضع المضطرب الذى يعانى منه العالم العربى منذ عام 2011 والذى أدى لإنتشار عدم الإستقرار السياسى والأمنى والنزاعات المسلحة فى العديد من دوله، خاصة ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وإتساع ظاهرة الإرهاب باسم الدين، والتى طالت بعض البلدان الأوروبية، خاصة فرنسا. وتتفق رؤيتا مصر وفرنسا بشأن ضرورة التصدى لهذه الظواهر وإنعكاساتها السلبية على المنطقة وعلى أوروبا، والتى تمثلت مؤخرا فى تدفق ملايين اللاجئين على الدول المجاورة لتلك النزاعات وأوروبا. وتنظر فرنسا لمصر فى هذا الإطار بإعتبارها نقطة إرتكاز أساسية للحفاظ على إستقرار المنطقة، ومن ثم ضرورة تزويدها بما تحتاج إليه من السلاح المتقدم لمجابهة التحديات الإقليمية التى تواجهها، وفى مقدمتها النزاع فى ليبيا المجاورة والتى تمددت فيها جماعة داعش الإرهابية، مستفيدة من الفراغ السياسى والأمنى الذى خلفه الصراع الداخلى. ووفقا لأخر المعلومات التى أعلنها الشهر الماضى ديفيد رودريجز قائد القيادة العسكرية الأمريكية فى أفريقيا (أفريكوم)، فإن عدد مقاتلى داعش فى ليبيا تضاعف خلال عام 2015 ليصل إلى ما بين 4000 و6000 مقاتل بعد أن كانت التقديرات تشير فيما قبل إلى أن عددهم يتراوح بين 2000 و3000. ويعزى هذا التزايد للضربات العسكرية الشديدة والمتلاحقة التى يوجهها التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة للتنظيم الإرهابى فى سوريا والعراق، بالإضافة للضربات الجوية الروسية فى سوريا. وقد أدت جميعها إلى تراجع داعش وفرار الكثير من قياداته ومقاتليه إلى ليبيا، التى هى بمنأى حتى الأن من تلك الضربات. ونتيجة لذلك، إنخفض عدد مقاتلى داعش فى سوريا والعراق فى نفس تلك الفترة إلى نحو 19 إلى 25 ألف مقاتل بعد أن كانت تشير التقديرات إلى تراوح أعدادهم بين 20 و 33 ألف مقاتل. ويعنى ما سبق تصاعد المخاطر الأمنية والسياسية التى تواجه مصر من ناحية حدودها الشرقية، وكذلك التحديات التى تتعرض لها بصفة خاصة دول أوروبا المطلة على الضفة الشمالية للبحر المتوسط والمواجهة لليبيا، ومنها فرنسا. ولذلك يتواتر الحديث فى الأونة الأخيرة عن قرب قيام حلف شمال الأطلنطى بالتدخل العسكرى ضد داعش فى ليبيا بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطنى. وتتقارب وجهتا نظر مصر وفرنسا تجاه ما يجب القيام به إزاء الخطر الذى تمثله داعش فى ليبيا، إذ ترى الدولتان بضرورة القيام بجهد دولى أكبر لمواجهة المخاطر المترتبة على تنامى الإرهاب والتطرف الدينى. وتقدم مصر فى هذا الشأن المساعدات العسكرية والفنية للجيش والشرطة فى ليبيا من أجل مكافحة الإرهاب طبقا للإتفاق الموقع فى أكتوبر 2014 خلال زيارة رئيس الوزراء الليبى السابق عبد الله السنى للقاهرة. كما تتعاون الحكومتان لفرض مزيد من الرقابة على الحدود المشتركة الممتدة لنحو 1115 كلم لمنع تسلل المقاتلين وتهريب السلاح. ومن جانبها، تقوم فرنسا، وفقا لصحيفة "لوموند"، بعمليات سرية خاصة ضد قيادات داعش فى ليبيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا. وتسعى تلك العمليات لهدم قدرات داعش القيادية وتحطيم معنويات مقاتليها. ولاشك أن تعرض فرنسا فى يناير ثم فى نوفمبر 2015 لإعتداءات إرهابية دامية تبناها تنظيم داعش كان له أبلغ الأثر فى تبنى فرنسا سياسة تدعو لمحاصرة وتحطيم قدرات الجماعة الإرهابية. كما أن الهجمات التى تعرضت لها بروكسيل عاصمة بلجيكا ومقر الإتحاد الأوروبى وحلف الأطلنطى فى مارس الماضى، والتى أعلن تنظيم داعش مسئوليته عنها، زادت من مخاوف باريس وإصرارها فى ذات الوقت على محاصرة التنظيم فى موطنه، أى فى المنطقة العربية، من خلال شن هجمات مباشرة ضده، كما هو الحال من خلال مشاركتها فى الضربات الجوية فى سوريا والعراق أو من خلال العمليات الخاصة فى ليبيا. وتعمل فرنسا كذلك على التنسيق مع دول المنطقة التى تحارب داعش وعلى تزويدها بالسلاح المتطور حين الحاجة إليه، كما هو الحال مع مصر بعد تعرضها لبعض القيود فى توريد السلاح من جانب الولايات المتحدة عقب عزل محمد مرسى فى يوليو 2013. وكانت الإستجابة السريعة لفرنسا فى توريد السلاح عاملا حاسما فى التقارب مع القاهرة. فلم يقتصر الأمر على طائرات رافال، وإنما تعداه لمجموعة من السفن الحربية المتنوعة التى بلغ عددها سبع قطع فى فترة لم تتجاوز عامين وهو زمن قياسى لإبرام مثل هذا النوع من صفقات السلاح. وتأتى فى مقدمة ذلك حاملتا طائرات الهليكوبتر "ميسترال" والفرقاطة "فريم" متعددة المهام. ولا يخفى ما لتلك المجموعة المتنوعة من القطع البحرية من أهمية حاسمة فى مواجهة التحديات الإقليمية التى يتجاوز نطاقها الحدود الجغرافية المباشرة لمصر. ويأتى فى مقدمة ذلك، بالإضافة لليبيا، النزاع فى اليمن الذى يتحكم، مع جيبوتى، فى مضيق باب المندب وهو المدخل الجنوبى للبحر الأحمر الذى تسلكه السفن المارة عبر قناة السويس. ولا ريب أن القناة هى أحد أهم مصادر الدخل فى مصر. وقد أنفقت الحكومة 60 مليار جنيه على مشروع توسعة القناة وتحويلها إلى مركز عالمى لتقديم الخدمات اللوجستية للسفن من أجل دفع عجلة التنمية الإقتصادية وزيادة دخل البلاد من العملات الأجنبية. لمزيد من مقالات د. هشام مراد