تدرس مصر حاليا تنويع مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة بفكر جديد من خلال استخدام طاقة حرارة باطن الأرض فى صناعة الكهرباء ، باعتبارها صمام الأمان للمحافظة على البيئة، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، انطلاقا من بعض الأماكن فى جنوب سيناء كعيون موسى، وحمام فرعون.
فى هذا الصدد أكد رئيس هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، الدكتور صلاح السبكى، ضرورة تعدد أشكال الطاقات المتجددة المستخدمة فى مصر لإنتاج الكهرباء، مشيرا إلى أنه سيتم تحديد بعض الآبار الاختبارية من خلال أطلس يساعد فى تحديد أماكن تواجد الحرارة بباطن الأرض.
وأضاف أن الدراسات ستكون فى بعض الأماكن مثل عيون موسى وحمام فرعون باعتبار أن الحصول على الحرارة من باطن الأرض أحد العناصر الإضافية للطاقات المتجددة ، فكل طن من الوقود الأحفورى ينتج 3 أطنان من أكاسيد الكربون، لذلك يحمى كل طن نوفره من الوقود الاحفورى ، ونستبدل الطاقات المتجددة به، البيئة، ويتماشى مع خطة مصر فى المبادرة الإفريقية ، واتفاقية مؤتمر باريس، للاسهام بشكل فعال وإيجابى فى الحد من أكاسيد أو غازات الاحتباس الحرارى ، وكذلك الحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض، وفق قوله.ويضيف : نسعى الآن بحيث تصبح الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، من أهم مصادر إنتاج الكهرباء بالتوازى مع الطاقات التقليدية، وفى خلال السنوات الست المقبلة سيكون إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقات المتجددة سواء بصورة مركزية أو غير مركزية (فى المنازل والمصانع)، بجانب خطط ترشيد استهلاك الكهرباء، وسبل استخدام كفاءة الطاقة من أجل استخدام أمثل.
طاقة الباطن
ولمعرفة طبيعة طاقة باطن الأرض يوضح الدكتور مجدى عبدالله ، الأستاذ المتفرغ بهيئة الرقاية النووية والاشعاعية ، أن قلب الأرض منصهر ، ويحتوى على كثير من الطاقات الحرارية التى تتدفق نحو الطبقات العليا ، كما أن قوى الجاذبية واحتكاك طبقات الأرض ، بعضها ببعض ، ينتج عنه ارتفاع كبير فى درجة حرارة تلك الصخور والمياه الموجودة فيها ، وكذلك فإن تحلل المواد المشعة الموجودة فى باطن الأرض ينتج عنه ارتفاع درجات حرارة جوف الأرض، كتحلل الراديوم واليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم وغيرها من العناصر ذات النشاط الإشعاعي. وأضاف أن هذا ما يجعل جانباً كبيراً من الطاقة الحرارية للأرض متجددة بفعل النشاط الإشعاعى الطبيعى ، وقوة الجاذبية والاحتكاك.
ويتابع الدكتور مجدى أن الطاقة الحرارية الجوفية هى مصدر طاقة بديل ونظيف ومتجدد ، كما أنها طاقة حرارية مختزنة فى الصخور المنصهرة بباطن الأرض ، إذ إن نواة الأرض تحتوى على مواد منصهرة ذات درجات حرارة مرتفعة جداً قد تصل إلى 6000 درجة مئوية فى حين أن القشرة الأرضية - التى يتراوح سمكها ما بين 5 و60 كيلومتراً - تتراوح درجة الحرارة فى أعماقها بين 500 و1000 درجة مئوية ، فيما ترتفع درجة الحرارة بزيادة تعمقنا من سطح الأرض إلى جوفها بمعدل نحو 2.7 درجة مئوية لكل 100 متر فى العمق ، أى أنها قد تصل إلى نحو 27 درجة مئوية على عمق كيلومتر واحد ، وهكذا .
الأماكن والتجارب
ويوضح د. مجدى أن معدل الطاقة الحرارية الجيولوجية يقدر بنحو ضعف كل ما يستخدمه الإنسان الحديث من الطاقة من المصادر المختلفة ، وأن كفاءة استغلال الطاقة الحرارية الباطنية فى توليد الطاقة الكهربائية تعتمد على درجة الحرارة ، مما يسهل وجود الينابيع الحارة ، واستغلالها بأسعار زهيدة، وتسمى المناطق الواسعة من الموارد المائية الحرارية التى تظهر طبيعيا بـ «خزانات الطاقة الحرارية الأرضية». وتقع معظم تلك الخزانات فى أعماق الأرض، ولا توجد عليها ، حتى الآن، أدلة ولكن عادة ما توجد بشكل نشط على طول حدود الصفائح الكبرى حيث تتركز الزلازل والبراكين ، فضلا عن أن الجيولوجيين يستخدمون أدوات مختلفة للبحث عن مكامن الطاقة الحرارية الأرضية، إذ يعد حفر الآبار واختبار درجات الحرارة لأعماق الأرض هو الأسلوب الأكثر موثوقية.
وتنقسم مصادر الحصول على الطاقة الحرارية الجوفية إلى قسمين: المياه الحارة الجوفية، والصخور الحارة الموجودة فى المناطق النشطة بركانيا ، أو فى الأعماق البعيدة تحت سطح الأرض. ويشير الدكتور مجدى إلى أنه توجد 24 دولة على مستوى العالم لديها محطات لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية، فيما تعتبر أيسلندا من أكثر الدول تقدما فى هذا المجال، إذ تنتج 53% من الطاقة المستخدمة لديها من طاقة باطن الأرض، وكذلك تنتج الصين 1440 ميجاوات كهرباء سنويا من الطاقة الحرارية الأرضية.
ميزات وعيوب
يرى د. مجدى أن أهم ميزات ذلك النوع من الطاقة أنها متجددة ، وغير مضرة بالبيئة ، مع قلة تكاليف إنتاج الطاقة الكهربية ، بعد تكاليف إنشاء المحطة ذاتها، التى قد تكون باهظة، ويعد ذلك من عيوبها إذ يتكلف إنشاء محطات توليد كهرباء باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية أعباء اقتصادية عالية بسبب صعوبة حفر آبار لاعماق سحيقة، وبأعداد كبيرة، كما أن تلك التقنية يمكن أن تؤدى إلى زعزعة استقرار القشرة الأرضية فى بعض الأماكن.ولتفادى وقوع مثل هذه المشكلات الخطيرة يمكن ضخ كميات من المياه الباردة للمحافظة على ضغط الماء فى الخزان المائى تحت الأرض ، وكذلك تحتوى السوائل التى يتم استخراجها من باطن الأرض على مخلوط غازات، منها ثانى أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين والميثان والأمونيا وبعض الأملاح الذائبة مثل الزئبق والزرنيخ واليود والأنتيمون، حيث تترسب تلك الكيماويات عند تبريد الماء، وتحدث أضرارا بالبيئة. وللتغلب على تلك المشكلة البيئية تقوم محطات القوى بإنشاء وحدات ضبط وفصل للغازات من أجل خفض تأثيراتها السلبية على البيئة ، وكذلك فإن إعادة استخدام الماء الساخن المستخرج وضخه إلى أعماق الأرض مرة ثانية، يعد من العوامل التى تقلل التأثيرات السلبية على البيئة. وأخيرا يشار إلى أنه من إيجابيات هذا النوع من الطاقة، وفق تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) فى عام 2015، أن استخدام الطاقة الحرارية الجوفية فى الصوبات الزراعية قد أسهم بشكل كبير فى عدم تفشى الفطريات.
رابط دائم: