رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

بناء القيم وقضية التعليم في مصر

.د. كَتب كثير من المفكرين المصريين عن دوامة القيم الهابطة التى دمرت الشخصية المصرية وأصابت جوهرها بجروح يعرفها البيت والشارع والمدرسة والجامعة ومواقع العمل فى كل مكان.

وهذه المنظومة الخلقية التى زرعت منذ فترة مازالت شامخة فى حياتنا ولا شك فى أن معظم نظم تعليمنا ووسائل إعلامنا ومضامين ثقافتنا خير شاهد على تدهورها وأبلغ مبرر على ضرورة تغييرها واستبدالها بمنظومة جديدة تستوحى من تراثنا وتبنى من أصالتنا ، فقضيتنا الأولى ليست قضية أموال وتكنولوجيا بل قبل كل شيء قضية إنسان يعرف كيف يستخدم المال والتكنولوجيا باستقامة وأمانة لإطلاق التنمية وقيادتها فى خط صاعد نحو المستقبل ، وهذا الإنسان بقيمه وسلوكه هو ما تفتقر إليه مصر بل الكثير من دول العالم الثالث وهو ما يجب أن نعمل على تشكيله وتكوينه ليكون القوة الدافعة إلى البناء والارتقاء.

إن المشكلة الكبرى تكمن فى أن إصلاح المنظومة الخلقية تحتاج إلى سلسلة من الإصلاحات تبدأ من الأمومة إلى المدرسة إلى الجامعة إلى الشارع .. وهى إصلاحات كبيرة وخطيرة لا يمكن ان ينهض بعبئها سوى الدولة ومنظمات المجتمع المدنى ولابد أن يقوم التعاون بينهما فى هذا الاتجاه ومن خلال الاتفاق العام على حد أدنى من القيم والمبادئ الملزمة للفرد والأسرة والمجتمع ، وهذا الميثاق الخلقى أصبح اليوم ضرورة أساسية لانتظام حياتنا الاجتماعية.

كما ان انحدار المنظومة الخلقية ينعكس بالسلب على مسيرتنا الاقتصادية وما يشغل الدولة الآن هو إصلاح الاقتصاد لا إصلاح الناس وقد تخلت الدولة عن المهام الخلقية والتربوية للجمعيات الأهلية رغم ضعف هذه الجمعيات ورغم القوانين التى تحكمها وتعطل تحرجها ، كما لم تحاول إصلاح برامج التربية ولا برامج الإذاعة والتليفزيون ولا أن تحرر النشاط الثقافى من هيمنة البيروقراطية الإدارية والتسلط السياسي.

من الواضح أن هناك تعارضاً جذرياً بين إصلاح المنظومة الخلقية والنظام السياسى .. فنجاح هذا الإصلاح يستلزم نظاماً ديمقراطياً حقيقاً ومناخاً حراً نظيفاً .. من المستحيل إجراء أى إصلاح .. مع سيطرة الدولة على كل مقومات الإنسان ابتداء بمعاشه وانتهاء بقيمه وسلوكياته فلم يكن التدهور الخلقى إلا بسبب هذه السيطرة على كل الوسائل التربوية والتعليمية وصولاً إلى قيم الإنسان ومبادئه.

والمطلوب أن تكف الدولة يدها عن السيطرة بمقومات الإنسان المصرى .. أن تكف عن إرهابه والسيطرة على موارده ومدخراته وعن التحكم فى أفكاره وآرائه .. وعن احتكار وسائل الإعلام وبالتالى تسيطر على قيمه ومعتقداته، وأن تكف الدولة عن مصادرة المجتمعات المدنية .. وفرض الوصاية على أنشطتها .. فهذه المؤسسات هى التى رفعت أسم مصر طيلة قرن مضى فى التربية والأمومة والتعليم والصحة والرياضة وغيرها . . وذلك بفضل جموع مستنيرة من أبناء مصر البررة وبغير انتظار دعم حكومى من أى نوع.

إن العلاج الناجح للمنظومة الخلقية يعود بنا دائما إلى ضرورة الإصلاح السياسى فأساس البلاء يكمن فى النظام الشمولى الذى يركب الدولة إلى أهدافه ويسخرها لمآربه .. وقد عانت مصر كثيراً من هذا النظام .. وعانى إنسانها فى أخلاقه وفى شخصيته ، وأصبح الخلاص معقودا على إصلاح سياسى شامل يعيد للشعب إرادته وللإنسان المصرى شخصيته ومصداقيته.

بنظرة فاحصة إلى واقع التعليم المصرى خلال السنوات الأخيرة ونرى طفرات ملموسة على المستوى القومى فى صورة نشر التعليم وتوفير فرص متزايدة لاستيعاب الطلاب بمراحله المختلفة وخفض معدلات التسرب ، خاصة بين الفتيات فى المراحل الأولى من التعليم ، إلى جانب العديد من الجهود لتحسين عملية التعليم ورفع كفاءة المعلمين، ومراجعة المناهج والمقررات ، وتطوير الكتب المدرسية ، والاستعانة بتكنولوجيا التعليم ، وتحسين الكفاءة الداخلية للعملية التعليمية إلا أن الانجازات مازالت غير كافية للوصول إلى المطالب والاحتياجات الحقيقية لتكوين الإنسان القادر على المشاركة فى عمليات التنمية وتحقيق التقدم الحضارى الذى يتطلب إستراتيجية جديدة فى التعامل مع مشكلات النظام التعليمى من خلال التخطيط لبناء نظام أكثر فاعلية وارتباطاً باحتياجات التنمية المجتمعية ، وأكثر قدرة فى التفاعل مع مستجدات العصر ، ويكون قادراً على تلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية للتقدم ، وسد الفجوة الموجودة بين مضمون عملية التعلم واحتياجات سوق العمل ، بالإضافة إلى الوضع الراهن الذى يشير إلى زيادة الأعداد فى مجالات الدراسات الإنسانية على الدراسات العملية وسيادة الطابع النظرى حتى فى العلوم الطبيعية والدراسات التكنولوجية فى أغلب المؤسسات التعليمية وعدم توافر أدوات التعرف على الواقع، والتواصل مع المعرفة الحية الاجتماعية ، والتى يمكن ان تقدم مجالاً واسعاً فى ميادين المعرفة والخبرة.

كما أن معظم البرامج والمناهج التعليمية يسودها ثقافة التلقين فى مواجهة ثقافة النقد والإبداع وكأن العملية التعليمية هى عملية تحصيل لمجموعة من المعارف تم اختزالها إلى مجرد نصوص فى قوالب جاهزة للتلقين، مما لا يساعد فى دعم التفكير والإبداع لدى الطلاب ، ومع غياب الأنشطة التعليمية والتى تسهم فى تكوين ميول الطالب واهتماماته وقدرته على المناقشة والحوار والإبداع والرغبة فى التجديد ، وتدعم من طموحاته الحياتية ، وتحسن من مستويات تفكيره وفهمه وإدراكه للعلم وللمنهج العملى فى البحث والاستقصاء.

من الضرورى تأكيد أهمية تدريس القيم من خلال مناهج محددة للتربية القيمية ولكن هناك بعض الاختلافات حول نوع القيم التى يجب أن تدرس ، ومن المربين من يؤكد ضرورة تدريس قيم الأمانة واحترام الآخرين وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة والتسامح ومجموعة القيم التى تؤدى إلى خلق المواطن الصالح.

وفى حقبتى الستينيات والسبعينيات ظهرت مداخل عديدة تهدف إلى تنمية القيم منها مدخل توضيح القيم ومدخل النمو الخلقى ، ومدخل تحليل القيم ، ويختلف المعلقون فى تقييمهم لهذه المداخل للتربية القيمية بين مؤيد ومعارض وذلك تبعاً لاختلاف المدارس العلمية التى ينتمى إليها كل منهم.

ويتمثل الاعتراض العام على المداخل المعروفة للتربية القيمية حول عدم قدرتها على تحقيق علاقة تبادلية بين المعرفة والقدرات والقيم الإنسانية والمشاركة الاجتماعية الأمر الذى حدا بالمهتمين ببعض المناهج المتخصصة فى العلوم الإنسانية إلى بذل الجهود لتصميم مناهج تحتوى على مواد تعليمية للتربية القيمية ، وذلك تعزيزاً لفهم الإنسان لنفسه وتنمية نظم ومعتقدات المجتمع ، وأصبحت القيم وعمليات القيم واتخاذ القرارات القيمية من ضمن الأهداف التعليمية التى تندمج مع الأهداف الموضوعة للتربية.

ولقد بدأ هذا الاتجاه يتزايد حول الحاجة إلى التكامل بين عمليات التربية القيمية مع العمليات المعرفية فى المناهج الدراسية مع وجود الكثير من الاعتراضات حول قدرة المداخل المعروفة للتربية القيمية على تحقيق هذه الأهداف وذلك لعدم سهولة استخدامها وتكاملها مع المقررات الدراسية بالإضافة إلى الحاجة إلى تدريب مكثف للمدرسين على استخدام هذه الطرق واعتمادها على كفاءة المدرسين فى تطبيقيها .

ذكر كثير من خبراء التربية أن مكانة التربية الخلقية فى المدرسة المصرية متدنية ، وإعداد الأجيال لمواجهة تحديات المستقبل تتطلب منا استعادة دور المدرسة فى مجال التربية الخلقية على أن يزداد الاهتمام بدراسات التربية الخلقية لابتكار وتطوير أساليب جديدة تحقق المزيد من الفاعلية والتكامل المطلوب بين مختلف المؤسسات المعنية بالتربية الخلقية.

لمزيد من مقالات د.عايدة عباس ابوغريب

رابط دائم: